احداث العام 2004

TT

* قد يكون عدم الاتفاق بين من شملهم هذا الاستطلاع في اختيار الكتب الأهم الصادرة خلال عام 2004 من وجهة نظرهم، هو خير دليل على شساعة المناخ الثقافي وتعدديته في الأوساط الثقافية العربية، بعكس السائد في شؤون ومناخات اخرى.

لكن الرحابة هنا لا تعكس بالضرورة رحابة مطلوبة في عالم النشر. فلو توقفنا عند ما اعتبره عدد من الكتاب والمثقفين اللبنانيين افضل العناوين التي قرأوها في العام المشرف على الأفول، لوجدنا ان الأجنبي بينها او المعرّب هو السيّد، بينما ذهبت اهتمامات السعوديين نحو عناوين تعكس حساسيتهم الراهنة، سواء ما يتعلق منها بكتب عن المرأة او اخرى تتحدث عن المستقبل.

وقد يكون أفضل ما يؤشر إليه هذا الاستطلاع هو الكشف عن تلك الحساسية، عند المثقف العربي بتجلياتها المعرفية والسياسية، وشوقها إلى استبصار الآتي قبل ان يحل. ومن هنا تنبع أهميته.

* فكرة مختلفة عن المغول.. ورؤية مختلفة للمسيحية

* تمام سلام *

* أحببت من بين ما قرأت كتاباً اسمه «جنكيزخان» (بالانجليزية) لأنه يعطي فكرة عن امبراطورية هي من اكبر الإمبراطوريات التي عرفتها البشرية. الصورة السائدة عن التتر والمغول أنهم برابرة ومتوحشون، لكننا مع كتاب جاك ويثر فورد هذا نتبين انها شعوب كغيرها كان لها وسائلها وخصائصها الاجتماعية والاقتصادية، واثرها الذي تركته على الشعوب التي ذهبت اليها. وأثار اهتمامي ايضاً كتاب «شفرة دافنتشي» وكنت من اوائل الذين قرأوه اول هذه السنة. كتاب مهم جداً جداً، لأنه يطرح نظرية جديدة في موضوع الكنيسة، والديانة المسيحية بشكل عام، لذلك دار حوله نقاش عالمي، لدرجة انه بعدما صدر هذا الكتاب الى الآن صدر حوله ما يزيد على 15 كتاباً، لإبراز الرأي المضاد للكاتب دان براون. وبعض هذه الكتب المضادة بيع بكميات كبيرة حتى صار من اكثر الكتب رواجاً. ويقال بأن الكنيسة هي وراء هذه الكتب التي تريد دحض نظرية براون، وهذا ممكن.

وأود ان اشير الى كتاب جميل اسمه «ايام عشتها» وهو لضابط سوري اسمه محمد معروف يحكي ما حدث في الحكم وكواليسه ما بين 1949 ـ 1969، لا سيما خفايا الانقلابات وفصولها، بصفته كان حاضراً وناشطاً في تلك الفترة، وبذلك فهو يقدم شهادة حية.

«رجال الشاه» كتاب جميل بالانجليزية يحكي عن الحقبة التي كان فيها مصدّق في الحكم، وكيف تمكنوا من نسف الواقع الديمقراطي المتقدم جداً الذي كان يبنيه، من اجل أن يسيطر المستعمرون على البلاد. وفي الكتاب نرى تدخلات الاميركيين والانجليز لتغيير واقع جميل كان في طريقه الى الحياة.

من الكتب الجميلة «خمسون عاماً بين الإدارة والسياسة» لسميح الصلح يروي أحداث ما بعد الاستقلال اللبناني بغنى كبير بالمعلومات، وثمة كتب اخرى تاريخية وعلمية وتكنولوجية كثيرة تستحق قراءتها صدرت هذا العام، وأكتفي بذكر كتاب النائب السابق محمد صفي الدين «اصل وذاكرة»، وكتاب «الخلافة في العربية السعودية» لجوزيف كشيشان وهو كاتب أميركي أرمني، وكتاب جورج سوروس عن «العولمة».

* نائب لبناني سابق

* مغامرة مع الأحرف ومع الذاكرة

* ريتا خوري *

* قرأت الكثير من الكتب الجميلة التي تستحق الكلام عليها، فكتاب «شفرة دافنتشي» لدان براون، بالامكان قراءته في عطلة نهاية الاسبوع، رغم صفحاته الكثيرة لأنه مشوّق، فهو بوليسي ومليء بالألغاز. والقارئ يحب هذا النوع من الكتب لأنه يغذي توقه لفك لغز الحياة، لكنها في الوقت نفسه تشعره بأنه قادر على فك الغاز كثيرة أخرى إن استعصى عليه سر الوجود. هذه الرواية إضافة الى جانبها البوليسي الذي احب، جعلتني انبش في اعمال دافنتشي التي حكت عنهم الرواية.

احببت رواية «لغة السر» لنجوى بركات، وفيها رجل يخبرنا عن حلم عمله مع الأحرف، حلم يروي فيه كيف رأى الأحرف تتخبط وتتحرك كأنها تعيش. لذلك في الكتاب شغل قوى على اللغة والحروف بأسلوب بوليسي يشد القارئ من الصفحة الاولى الى الأخيرة، وهو لا يدري في اي زمن يعيش. شيء ما يحدث بين الماضي والحاضر والقدسية والعقل.

رواية حنان الشيخ الجديدة «حكايتي شرح يطول» ذكّرتني في البداية برواية علويه صبح «مريم الحكايا» لكن مع تقدمي في الصفحات اكتشفت شيئاً آخر. انه تشابه البيئة بين الروايتين الذي يخلق الالتباس، لكننا بعد ذلك نكتشف من حكاية ام حنان الشيخ كم ان الكاتبة روت بصدق ومن دون ان تهتم بمن سيقرأ وكيف، أرادت فقط ان تقول الحقيقة ان تحكي سيرة امها. وجدنا انفسنا مع الحكاية في بيروت القرن الماضي التي نسمع عنها ولا نعرفها، باجتماعياتها وتطوراتها. في الفصول الأربعة الأخيرة تأثرت لدرجة البكاء، قد يكون لأمر شخصي، لكن هذه العلاقة المرتبكة بين الأم والبنت مسّتني في الصميم. صحيح انها سيرة الأم لكن حنان الشيخ فتشت في هذه السيرة عن حكايتها الشخصية هي ايضاً.

وأود ان أنوه بجماليات عوالم علاء الأسواني في روايته «عمارة يعقوبيان» التي صدرت مؤخراً في طبعتها الخامسة، وأهمية كتاب بلال خبيز «الصورة الباقية والعالم» عن سحر الصورة وانعكاسها على الواقع.

* مقدمة برامج تلفزيونية لبنانية

* سؤال الصمت والألم من اليابان

* حسن داوود *

* عند نهاية كل عام يتساءل واحدنا عن الكتب التي قرأها في مجرى الشهور الاثني عشر. غالباً ما ينسى. سيكون عليه ليجيب عن السؤال ان يقلّب نظره في الكتب المتراكمة عنده ليتذكّر. لكنني بين ما بقي في رأسي ما زلت أفكّر بكتاب او رواية الياباني شوساكو إندو، التي تحمل عنوان «الصمت».

سبق لي ان قرأت له منذ سنوات طويلة رواية «البحر والسم» التي يتحدث فيها عن إقدام اليابانيين، بني قومه، على إجراء تجارب مختبرية على جنود أميركيين أحياء. في ذلك الحين كنت تفاجأت كيف ان إندو قلب المعادلة، المقيمين عليها، في بلادنا، وهي أننا اذا كان ينبغي لنا أن نذكر فظاعات الحروب لن نجد ذلك إلا عند عدونا.

شوساكو إندو قلب الآية رأساً على عقب، وقد بقي في ذهني ذلك الشعور بالذنب الجمعي الذي تتحدث عنه الرواية، وهذا أيضا مما لا يحصل في ثقافاتنا.

كتاب «الصمت» الذي قرأته هذا العام، المقبل على الانصرام، يتحدث عن عذابات رهبان أوروبيين سعوا الى التبشير بالمسيحية في اليابان. ما يقوله الكتاب هو العذابات التي لا تحتمل والتي قاساها هؤلاء الرهبان كما قاساها المسيحيون اليابانيون الأوائل، أولئك الذين لم يقنعهم بالمسيحية إلا الفقر. الرواية هذه تكاد تكون نسخة سابقة لفيلم ميل غيبسون عن المسيح، حيث لا يقف وصف العذاب الجسدي والنفسي عند حد. طبعاً سبق شوساكو إندو ميل غيبسون بعقود، لكن لم يكن همه فقط تبيان درجة العذاب الجسدي لكن كان همه السؤال التالي: لماذا ظل الصمت سائدا إزاء كل هذه العذابات؟

ما أحب في شوساكو إيندو هو الذهاب عميقاً في الألم، وفي السؤال عن الألم، ذاك يلتقي فيه مع كتّاب يابانيين كثيرين مثل يوسيناري كواباتا وكنزوبورو اوي. دائماً نجد هذه المسحة من الألم التي تبدو الأجسام بسببها ضعيفة ناحلة من وطأة الضمائر المعذبة. ربما كان هذا ما يميز الكثير الكثير من الأدب الياباني.

* روائي لبناني

* القفازات لا تخفي وساخة الأيدي

* جمانة حداد *

* أبلغ دليل على اندلاع قصّة غرام بيني وبين كتابٍ ما هو، على غرار ما يحصل في قصص الحبّ «الإنسانية»، غرقي فيه وهجسي به وعجزي عن إفلاته من يديّ وعقلي ووجداني، وانشغالي به عن كل ما عداه تقريبا. ويرجع جزء كبير من جمال هذا الافتتان الى كونه نادر الحصول، تماما كالحبّ، لكني عشته هذه السنة مع رواية «الوعي» للكاتب البرتغالي الحائز نوبل الآداب جوزيه ساراماغو، وهي رواية صدرت في شهر نيسان (ابريل) الماضي عن دار «ألفاغوارا» في مدريد.

لقد سكنني هذا الكتاب وسكنته لأسباب كثيرة، ليس أقلها أن موضوعه يضرب على وتر حسّاس في بلادنا، لا بل كأنّه مفصّل على قياس وضعنا اللبناني الراهن بالذات. فبالإضافة الى السحر الكامن في أسلوب ساراماغو الروائي، ومزجه بين حدود التخييل والحقيقة، واختراعه الواقع ثم انقضاضه عليه حتى ليغدو نتيجة فعل الانقضاض معقولا وقابلا للتصديق، يتناول «الوعي» قضية تدهور الديمقراطية في ممارسات الأنظمة التي يديرها مسؤولون فاسدون، عبر قصة بلدٍ يقرّر فيه يوما غالبية الناخبين التصويت بورقة بيضاء احتجاجا على قادتهم المجرّدين من أي قيم أو مبادئ.

كنتُ أقرأ في رواية ساراماغو عن الـ«لا» الصاخبة والوقحة والهجومية، وأتذكّر الـ«لا» الخفرة الرخوة التي نتهامسها نحن همسا، وكأن لرفع العتب وإراحة ضمائرنا. أقرأ عن احتجاج الناس على التلاعب الفاضح بالرأي العام، وأتساءل: متى تنفجر براكيننا بدل أن تنفّس عن غضبها ببعض الغيوم الدخانية السريعة التلاشي؟ أقرأ عن رجال السياسة المصابين بمرض الفساد وأورام الجشع والجبن، وأحلم بأننا سنثور يوما ونغلي ونفور من العلب التي وضّبونا فيها. أقرأ عن شعور الشعب بالخجل والمهانة لأنه أجير، وأقول: ترى متى يطفح كيلنا الواسع والحليم أكثر من اللازم؟

إقرأوا «الوعي»، إنه عمل تخييلي وهجائي واجتماعي وسياسي في الوقت نفسه، لكاتب كبير لم يتردد قط، على مر السنين، في الإفصاح عما يجول في ذهنه، وذهننا: «صحيح أن الحكومات تخصص موازنة ضخمة لشراء القفّازات بغية إخفاء قذارة يديها، ولكن لا مفر من أن تنكشف الوساخة يوما»، لا ينفك ساراماغو يكرّر.

ونكرّر معه آملين.

* شاعرة وصحافية لبنانية

* رحلة البحث في القصص المصورة

* عصام بوخالد *

* قد يصدم البعض حين يعرف ان شغفي هو القصص المصوّرة. وقد وصلني مؤخراً كهدية كتاب جديد للفنان الكبير الموهوب إنكي بلال لا اذكر اسمه الآن. الكتاب ليس اصداراً جديداً لكنني اكتشفه للمرة الأولى، وهو عن مجموعة من العسكريين المختلفين في الانتماء والمزاج والتوجهات يقررون ان يخرجوا معاً في رحلة صيد. من بين هؤلاء جماعة تابعون لفرانكو، وهناك نازيون وكتائب ومخابرات من ايام اوروبا الشرقية وكلهم متطرفون ويذهبون في تطرفهم حتى النهاية. ومع هؤلاء سكرتيرة فظيعة ومتطرفة مثلهم، منطقها إرهابي، ولا نجد صفة أخرى بالإمكان وصمها بها. هؤلاء حين يلتقون في الرحلة لا يملكون بدل التمتع سوى اغتيال بعضهم بعضاً.

إنكي بلال فنان بديع وكل كتبه يستحق القراءة، قديمه اكثر من جديدة، الذي افتقد لبعض الشطحات. تعرفت على اعماله منذ اربع سنوات واجد فيه كمخرج مسرحي، ملهماً كبيراً في رسومه وألوانه والجمل المكثفة التي ترافقها، حيث تصبح القراءة، ليست متعة كسلى فقط وانما هي تحفيز على التفكير والتحليل، وقرن الكلام بالصورة، واكتشاف الأبعاد والخفايا.

أتمنى لو أن القرّاء يكتشفون هذا العالم معي. فحين ذهبت الى بلجيكا ذهلت بمجموعات القصص المصورة التي اكتشفتها ومدى تطورها. فالبلجيكيون رواد في هذا المجال، واليابانيون الآن يدهشوننا بإبداعات رائعة. ان هذه القصص مهمة للذين لا يحبون القراءة لأنها تسلي وتطلق الخيال، ولا تصيب بالضجر. اذكر حين كنت صغيراً كانت عندنا في البيت مجموعة قصص مصورة عن الامبراطورية الرومانية، باللغة العربية، لم أعد أذكر اسمها، احترقت أثناء الحرب. لكن كل ما اعرفه ان ما تعلمته منها يفوق بأضعاف ما استطعت أن أحصله من المدرسة عن هذه الامبراطورية العظيمة.

* مخرج وممثل مسرحي لبناني

* متحضرون.. على ما يقال

* خالد زيادة *

* «متحضرون، على ما يقال» من أبرز ما قرأته في نهاية هذه السنة. وهو كتاب صدر بالفرنسية عام 2003، تحت عنوان Civiliss dit- on وترجم الى العربية عام 2004 في قرطاج ـ تونس، عن المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون. أما مؤلف الكتاب فهو العالم الانثربولوجي الفرنسي الشهير جورج بلانديي Georges BALANDIER، الذي عُرف بكتابه «الانثربولوجيا السياسية»، والذي قدم فيه اطروحة بارزة حول علاقة القرابة والدين بالسياسة، والذي عالج فيه باختصار وعمق شديدين مشكلة الحداثة والتقليد في المجتمعات التي تعرضت للاستعمار وتبنت بعض أشكال الحداثة التي سرعان ما تراجعت أمام التقاليد.

كتاب «متحضرون، على ما يقال»، الذي نحن يصدده، يضم مجموعة من المقابلات والمقالات التي كتبها جورج بلانديي خلال سنوات متباعدة، هي علامات على مسيرة عالم الإناسة (الانثربولوجيا) الذي عمل في افريقيا ودرس مجتمعاتها. ويضم الكتاب آراء المؤلف بعد ان ابتعد عن تجربته كباحث في مجتمعات تقليدية ليواجه مسائل الحداثة وما بعد الحداثة.

ووجهات النظر التي يقدمها بهذا الخصوص تكتسب اهميتها كونها صادرة عن باحث في حقل الانثربولوجيا يراقب المشكلات المعارضة التي تواجهها الحضارة الغربية. يطلق بلانديي تعريفات للمجتمعات التقليدية والعصرية وما بعد الحديثة، ويربطها بعامل الزمن: فالمجتمع التقليدي يتجه نحو الماضي. والمجتمع العصري يقطع مع الماضي. أما مجتمع ما بعد الحداثة فإن الزمن فيه يغدو مشكلة.

وهو شديد الإحساس بالتغيرات التي يشهدها عالمنا، يقول: «فالمصنوعات والعمل وأقرب العلاقات الاجتماعية المباشرة والعقائد والقيم. كلها غدت تتغير بسرعة في حياة شخص واحد، أكثر من تغيرها منذ الثورة الصناعية الى حدود الستينات. ففي غمار هذه الفوضى، فوضى التحول الكبير، امحت المعالم القديمة، وتشوشت الأفكار، ولعل أحسن صورة عن هذا الواقع صورة مجتمع بلا بوصلة».

تأثرت بقراءة هذا الكتاب، بسبب معالجته العميقة لبضعة مشكلات متعلقة بالحداثة التي لا تواجهها المجتمعات التقليدية والنامية فحسب، ولكن تواجهها المجتمعات العصرية والمتقدمة ايضاً. والمقالات والدراسات التي يضمها الكتاب، لم تكتب على ضوء أحداث او وقائع محددة، بل هي نتاج لتأمل عميق في مشكلات التقدم والتحضر والمعاصرة والزمن.

* كاتب لبناني