ماذا قرأ المثقفون السعوديون خلال العام 2004 ؟ البحث عن المجهول في السياسة والابداع

TT

لم يتفق الكتاب والمثقفون السعوديون حول كثير من العناوين التي اعتبروا انها افضل ما صدر خلال العام الماضي سواء لكتاب عرب او اجانب، وتنوعت اختياراتهم ما بين الاصدارات الادبية او السياسية لكن اللافت ان ما صدر عن المرأة او حولها او بقلمها كان ضمن أغلب الاختيارات.

* رصد المناهج النقدية

يرى الناقد السعودي حسين بافقيه أن كتاب الدكتور سعد البازعي «استقبال الآخر» الصادر عن المركز الثقافي العربي من أهم الكتب التي قرأها هذا العام ويقول «إنه رصد دقيق لكيفية تناول النقاد العرب للمناهج النقدية الحديثة وهي في معظمها مناهج نقدية مستوردة من بيئات فكرية واجتماعية وسياسية غربية وقد استطاع أن يقف على هذه المناهج وكيفية تطبيقها في النقد العربي المعاصر وابان عن مجموعة من الثغرات الفكرية التي صاحبت مثل هذه التطبيقات». واشار إلى أن البازعي أدخل مجموعة من التصورات الثقافية لثقافات أخرى غير عربية تقف الموقف نفسه من المناهج الغربية «مثل النقد الياباني، فلديه المشاكل ذاتها، كالموقف من المناهج الجاهزة التي تطبق من دون مراعاة للخصوصية الثقافية والاجتماعية.

كما يجد بافقيه كتاب ثقافة الصورة» للدكتور عبدالله الغذامي أيضا من أفضل الكتب التي قرأها هذا العام ويقول «لقد سجل فيه رؤية جديدة فيما يتعلق بالثورة المعلوماتية وثورة الصورة التي استطاعت أن تكون في المقدمة وتجذب حشودا من الجماهير كونها بالغة التأثير في التحولات العالمية وبالذات في الأحداث الأخيرة التي ألمت بالعالم أجمع وكان مركزها المنطقة العربية».

ومن الكتب الإبداعية التي يجدها بافقية متميزة ديوان محمود درويش «سرير الغريبة» الصادر عن دار رياض الريس، إذ يراه قد أعاد الاعتبار للقصيدة العربية الرومانسية وقال «لقد حاول أن يستعيد تجربته الشعرية التي بدأها في ستينيات القرن العشرين، وهي قريبة جدا للقارئ، وتتسم بظهور واضح للموسيقى التفعيلية وارتهانها إلى الغنائية التي كانت البدايات الطبيعية لدرويش والتي عاد إليها في تجربته هذه بعد انقطاع طويل بشكل متطور».

ومن الأعمال الإبداعية الأخرى التي يجدها بافقيه متميزة على النطاق المحلي «رواية نباح» لعبده خال «إذ يتجه بهذه الرواية نحو الفنتازيا والسخرية السياسية العميقة، إلى جانب رواية يوسف المحيميد «فخاخ الرائحة» إذ استطاعت أن ترصد بعض عوالم التغير في المحيط الثقافي والاجتماعي في المملكة وتجاوزه التابهوات المحرمة».

* كتب الخوف من المستقبل

من جهتها تجد الكاتبة السعودية سهام القحطاني أن أحداث العام المنصرم وما قبلها، فرضت نفسها على الذائقة القرائية الانتقائية، بسبب الخوف من المجهول وترقب المقبل والتنبؤ به، ولهذا فإن أميركا وسياساتها في رأيها كان لها نصيب الأسد ومن أهم وأفضل الكتب التي قرأتها في هذا المجال كما تقول كتاب «صفحات مجهولة من تاريخ أميركا» للمؤلف يواخيم فرنار، حيث تناول بطريقة رومانتكية جميلة الأحداث التي صنعت أميركا، وأهم القضايا الإنسانية التي واكبت تأسيس هذه الإمبراطورية، وأشكاليات المجتمع الأميركي اليوم، وفي ذات الفلك، كان كتاب «أميركا التي تعلمنا الديمقراطية والعدل» للدكتور فهد العرابي وقد كان جلّه عرض لوقائع تاريخية معلوماتية شبه معروفة للقارئ، وقليلا ما اعتمد فيه على تحليل الاحداث، بالإضافة إلى كتاب «حكاية الحداثة» الذي استطاع أن يسلط الضوء على مسوغات فشل المشروع الحداثوي في السعودية، وكتاب «أنثوية العلم»، الصادر عن سلسلة عالم المعرفة الكويتية، تأليف ليندا جين شيفرد العالمة في مجال الكيمياء، واعتبره من أجمل ما قرأته في عام 2004م، لأنه يقدم تحليلا منطقيا هادئا لجدلية الصراع بين سلطتي (الأنوثة والذكورة) في مجال العلوم التجريبية، حيث تتبعت المؤلفة سيرة القدرة الأنثوية على النماء والإبداع منذ زمن إيزيس، وكتاب «محمد صلى الله عليه وسلم مؤسس الدين الإسلامي ومؤسس إمبراطورية المسلمين» من تاليف جورج بوش الجد الأكبر للرئيس الحالي، ولعل أجمل مافي الكتاب ان مثبت للحقيقة من حيث هو ناكر لها، وقد يرى بعضنا انه لا يهمنا كمسلمين ماورد في الكتاب من مغالطات وافتراءات نحن منكرون لها حتميا، لكن أهمية الكتاب أنه يسلط الضوء على اللاوعي المسيحي في الغرب ضد الإسلام مهما انكروا ذلك، ومن الكتب الجميلة، كتاب «البرمجة اللغوية العصبية من الخريطة إلى الكنز» للأستاذ سليمان عبيد الشمراني، إذ يعيدنا لفلسفة سقراط الأولى (أعرف نفسك، تهتد). ومن العبارات الجميلة التي ذكرت في كتاب «رحمتك يا الله» (لم نعد نجد الأزمنة القديمة تعيش إلا في الأغاني والحكايات، أنها أغان تزينية تذكر بأغاني العبيد الأولى)».

* جولة في عالم النساء المغربيات

الناقد الدكتور عبد الله المعيقل يجد أن كتاب الباحثة التنويرية المغربية فاطمة المرنيسي «نساء على أجنحة الحلم» والتي قامت بترجمته من الفرنسية إلى العربية فاطمة الزهراء أزرويل وهي باحثة تكاد تكون متخصصة في ترجمة أعمال فاطمة المرنيسي من الكتب المتميزة ويقول «أرى أنه مثير في أحداثه وما يروي من سيرة تتداخل مع بالرواية عن عوالم النساء المغربيات في حقبة الأربعينات الميلادية عبر سلسلة من المشاهد المتداخلة فيما بينها والمخرجة في صورة حكايات تسردها طفلة في التاسعة من عمرها» وهو يجد قراءته ثرية ومثرية لأنه يطلع القارئ على عالم مغلق من عوالم النساء وعلى نماذج عديدة منهن، ويقول «إنه يصور طبيعة العلاقة التي تحكم نظرة الرجل إلى المرأة في تلك الفترة التي تناولتها الكاتبة، كون الرجل يمثل القطب الرئيس في الأسرة والمرأة خاضعة له ولا تستطيع التنفيس عن حريتها إلا من خلال نظيراتها من النساء».

* من هنا يبدأ التغير

عبد الرحمن الشمري أشار إلى أن كتاب الدكتور تركي الحمد «من هنا يبدأ التغير» من أفضل الكتب التي قرأها هذا العام وقال «هو كتاب ثقافي فكري انطلق من رؤية المثقف والأديب إلى ضرورة التغيير في العالم العربي بعكس ما ينادي به السياسيون، فالسياسيون يناقشون قضية التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي القائم منطلق القرارات السياسية، لكن الحمد ينطلق في كتابه إلى رؤية أن يكون التغيير فكريا ثقافيا من أجل أن يستوعبه المثقف والقارئ، فالتغيير تغيير ثقافي قبل أن يكون تغييرا سياسيا أو جغرافيا أو اجتماعيا أو أي نمط من الأنماط السائدة في مجتمعنا العربي ومن جماليات هذا الكتاب أنه لا يتباكى على الماضي كثيرا ولم يكن في نفس الوقت رحيما مع الحاضر، إذ حدد لنا أطرا جعلت لنا الحاضر الذي نعيشه حاضرا مترديا يعاني من اهتراء في منظومته القيمية التي لا تحفل بالمعرفي ولا بالفكري ولا بالثقافي فضلا عن أنها تعاني ظروفا تخطيطية تنموية حقيقية».

أما على النطاق الابداعي فيرى الشمري ان رواية «لم أعد أبكي» لزينب حفني من الروايات التي تميزت هذا العام ويقول «هي تحاول جاهدة أن تعكس ما يدور في حياة الأنثى بالوطن العربي وتحديدا في الجزيرة العربية فقد شاءت أن تنبش في الماضي من أجل اظهار معضلة المرأة التي يبدو لنا ما تزال تاريخية» وكذلك يرى ان ديوان محمود درويش «سرير الغريبة» من الأعمال الإبداعية التي تميزت وقد استحق عليه جائز نوبل الهولندية أما على النطاق المحلي فيجد ديوان «في دائرة الغبار» للدكتور محمد عيد الخطراوي من أبرز ما قدم وقال «الدكتور الخطراوي زعيم الخضرمة إذ يمثل وجهة نظر الجيل القديم بصورة عصرية، وقد ابدع في ديوانه بربطنا كقراء بالتاريخ الآني الذي يعيشه المجتمع الآن».