الدكتور عبد الله الوهيبي شمعة لم ولن تنطفئ

السعودية تفقد واحدا من أبرز مثقفي عصره المجددين الذين تركوا بصمات واضحة على مسيرة الحركة الثقافية والتربوية

TT

لا أعني شمعة داره التي كانت تنبئ بوجوده مساء كل يوم في صالونه المفتوح لاستقبال أحبابه وتلامذته وعارفيه ، لكنني أعني تلك الشمعة المعرفية التي كان يمثلها بعلمه وثقافته وإخلاصه وخدماته لأمته ومجتمعه.

باحتضان تراب وطنه اليوم الخميس لجسده عن عمر يناهز الخامسة والسبعين، يكون العام الميلادي الجديد قد اختطف واحداً من أبرز مثقفي عصره المجددين، الذين تركوا بصمات واضحة على مسيرة الحركة الثقافية والتربوية في المملكة العربية السعودية، وسجل اسمه ضمن حاملي الشهادات العليا الأوائل الذين احتفى بهم وطنهم في بدايات الانفتاح على الجامعات الأجنبية.

المتتبع لسيرة الدكتور الوهيبي ومسيرته التعليمية والثقافية لا بد أن يستكشف تأثير والده عليه، الفقيه الذي تعلم في الحرم النبوي الشريف ثم مارس القضاء في مدن شمال غربي الحجاز، وانتهى به المطاف نائباً لرئيس ديوان المظالم حتى توفي عام 1962 .

فلقد لازم الدكتور عبد الله والده ، ونهل من علمه ، وتلقى علومه الاولى في المدن التي تنقل فيها، (ينبع وأمبح والطائف ومكة المكرمة) واضطر أن يقطع بعثته إلى مصر ليبقى الى جوار والده المريض في أواخر أيام حياته.

ثم تهيأت له الفرصة بعد ذلك لاستئناف بعثته إلى جامعة لندن حتى نال الدكتوراه في الأدب العربي عام 1969، عن أطروحته حول كتابات الجغرافيين العرب عن شمال الحجاز حتى القرن الرابع الهجري (مطبوعة في بيروت بنصها الانجليزي من دار الرسالة 1973 .

وكما كان تأثير والده واضحاً على مسيرته التعليمية المبكرة ، فإن المرء لا بد أن يستحضر اليوم أيضاً تأثير التصاقه ببعض الرواد من علمائنا المحدثين، الذين نذروا أنفسهم للبحث والتأليف من أمثال العلامة حمد الجاسر والدكتور عبد العزيز الخويطر أول سعودي حاز درجة الدكتوراه من بريطانيا 1960، حيث عملا معاً في الفترة التأسيسية من تاريخ جامعة الملك سعود.

لقد لازم الدكتور الوهيبي شيخه العلامة الجاسر، وتبادلا المعلومات، وكان من المواظبين على حضور الخميسية التي كانت وما تزال تعقد صباح كل خميس في منزل الجاسر (دار العرب).

كان الدكتور الوهيبي أسهم كذلك في وزارة المعارف عدة سنوات ، وعمل أميناً عاماً لجامعة الملك سعود ، وكانت له رحمة الله آراء فكرية واجتماعية نيرة، وإسهامات مذكورة في الأعمال الخيرية، ومن المتوقع ألا يغيب عن أمانة مدينة الرياض تخليد اسمه على أحد الشوارع والحدائق المحيطة بمنزله ، الذي طالما كان معلماً ثقافياً شاخصاً لمريديه وطالبي العلم والمشورة منه.