الكتابة في زمن القمع والضعف الإنساني

مؤثرات الإبداع لدي 19 مبدعا عربيا وعالميا

TT

يحاول الناقد حسين عيد في كتابه «سحر الإبداع»، أن يكشف عن قضايا العملية الإبداعية والمؤثرات المختلفة فيها بدءا من الوعي بها وحتى خروج العمل الإبداعي إلى القراء. ويقوم عيد بدراسة حياة وإبداعات 19 كاتبا مصريا وعربيا وأوروبيا، بوضع القارئ أمام رحلة إبداع كل كاتب معهم، وكيف تفجرت موهبته، كما يحاول الإجابة عن عدد من التساؤلات الأساسية في حياة المبدعين والتي ساعدتهم في طريق الأبداع الأدبي.

ومن أجل ذلك قسم المؤلف كتابه إلى ستة أبواب، خصص ثلاثة منها لمراحل نمو المبدعين منذ طفولتهم وحتى الانغماس في المجتمع. ويشير المؤلف إلى أول تجربة عنيفة أثرت لدى كل مبدع على عملية الابداع لديه، وهو ما يتضح في دراسته مثلا لرواية الكاتبة الفرنسية اني ارنو والتي تفجرت موهبتها الروائية وأبدعت أولى رواياتها «المكان» بعد فقدها أبيها، وقد صدرت الرواية مترجمة بالعربية عن دار شرقيات المصرية، ترجمتها الدكتور أمينة رشيد والدكتور سيد البحراوي.

ويتحدث المؤلف بعد ذلك عن لجوء المبدع للتاريخ باعتباره أحد منابع الابداع التي يستفيد منها الكاتب في عمله الروائي خلال مرحلة معينة من مراحله الابداعية، ويضرب مثلا للتدليل على ذلك بابداعات صاحب نوبل المصري نجيب محفوظ، الذي أبدع عددا من الروايات التي استند فيها الى التاريخ مثل «عبث الاقدار» و«رادوبيس» و«كفاح طيبة».. لكنه توقف عن استكمال مشروعه الكبير الذي كانت تحفزه أغراض وطنية بالأساس لأن هناك اتجاها اجتماعيا كان بدأ يتسلل الي تفكيره ببطء حتى سيطر في النهاية، وكان من نتيجة ذلك ظهور رواية «القاهرة الجديدة»، ثم الثلاثية، وكانت قبلهما «خان الخليلي» و«زقاق المدق» و«السراب» و«بداية ونهاية»، وعندما قامت الثورة عام 1952، كان نجيب محفوظ قد أعد سبعة موضوعات لروايات أخري في الاتجاه الواقعي النقدي نفسه، لكنها ماتت ولم يعد هناك دافع لكتابتها، وكان من تأثير الثورة أن توقف نجيب عن الكتابة حتى عام 1957 حتى دفعه طول هذه المدة الى أن يعبتر أن علاقته بالكتابة انتهت تماما، لكنه وجد نفسه يبدأ في كتابة «أولاد حارتنا»، والتي نشرها عام 1959.

ويوضح المؤلف أن هذا التوقف ربما يكشف عن أن نجيب محفوظ من أدباء الحاضر الذي يعيشه، وهو مرتبط بمجتمعه، ولعل توقفه عن الكتابة بعد قيام الثورة هو ظهور مجتمع جديد لم تتبلور ملامحه بعد، مما جعله ينتظر حتى يستوعب ما يدور من حوله.

وتحدث حسين عيد من خلال نماذج تطبيقية وعبر تقسيمه كتابه، عن رموز ابداعية كتبوا في ظروف معينة، أمثال الكاتب الألماني فولفانغ بورشرت وكتاباته ضد الحرب، والروائي التشيكي ميلان كونديرا، وكتاباته ضد القهر والقمع الذي كان سائدا زمن الشيوعية في بلاده، حيث أبدع رائعته «كائن لا تحتمل خفته».

ويشير عيد بعد ذلك الى كتاب آخرين كانت محركات الابداع لديهم متبانية، حيث يذكر كتابات الاورغواني هوراسيوكيروجا، ومطاردة شبح الموت له، الذي كان عاملا مهما ومؤثرا في حياته القصصية، وايزابيل الليندي وعلاقتها بجدها المحتضر، وكيف فجرت رسالة كتبتها له الكتابة الروائية لديها الابداع، فكانت روايتها الأولي «بيت الأرواح» التي ابدعتها عام 1981، أي بعد بلوغها الاربعين.

ومن قراءة فصول الكتاب في متابعة رحلات حسين عيد مع ابداع وحياة مبديعه، يجد القارئ نفسه أمام دليل يرسم له جوانب الابداع لديهم وعلاقتها بوعي كل مبدع وادراكه، ودور الواقع والتاريخ في ما قدم من اعمال روائية وقصصية.