تجربة أولى للمؤلف أجهدتها فراغات الفصحى والعامية

العرض المصري «فر.. وطار» على مسرح «الغد» في القاهرة

TT

يجسد العرض المسرحي «فر.. وطار» الذي يعرض على قاعة مسرح الغد بالقاهرة لمؤلفه عبد اللطيف درباله هموم وإشكالات التجارب الاولى لأي مؤلف، فكثيرا ما تتعرض تجارب التأليف الأولى بصفة خاصة لمشكلتين مهمتين، إما أن المؤلف يريد التعبير عن فكرة واحدة لكنه لا يعرف كيف ينشئ منها بناية متكاملة متماسكة، وإما أنه يريد طرح العديد من الأفكار التي تزيد على حاجة العرض الواحد مما يحدث تشتيتا وفائضا يخل بالميزان الدرامي والفكري.

وفى عرضنا هنا «فر.. وطار»، وقع المؤلف في براثن المشكلة الأولى ليس بمنطق أحادية الفكرة أو الصراع الدرامي فقط، لكن أيضا بمنطق أحادية المعالجة، وكأن المؤلف أنهى ما يريد توصيله للمتلقى من أول مشهد وانتهى الأمر. وننتقل إلى الرؤية العملية داخل قاعة الغد; المسرحية التي قسمها المخرج المخضرم حسن الوزير إلى نصفين، مستخدما تشكيل المسرح الممتد، الذي يحيط به المتفرجون من الجانبين بحيث يجلسون في مواجهة بعضهم بعضا وينحصر المشهد المسرحي في المنتصف. وهو ما يتطلب بالطبع تكنيكا دقيقا في التصميم الحركي للميزانين بصفة خاصة حتى لا تنغلق الرؤية على أي من الجانبين، وهو ما نجح فيه المخرج أكاديميا على مدى هذا العرض الذي امتد طوال الساعة وثلث الساعة، لكنه مع ذلك ينقصه التوظيف الدرامي والهدف من وراء هذا النوع من تصميم خشبة المسرح.

بدأ العرض بزفة مبهجة تجمع بين الزوجين الشابين السعيدين (حسام فياض ومنى المراغى)، وفي لحظات قليلة انتقلا إلى الملعب المسرحي الذي لا يعلوه إلا فراش نظيف جديد ليدلنا مباشرة بالترجمة الحرفية للإكسسوار المستخدم لغرفة نوم العروسين. وقد ترك المخرج الممرات التي استخدمها المتفرجون من قبل للتوجه إلى مقاعدهم، قاعدة ثابتة مخصصة للمطربين هبه رستم وماهر عبيد سواء للغناء أو للاستراحة، يرددان مشاعر العروسين، أيا كانت بالغناء مع صعودهما أحيانا فوق خشبة المسرح بعض الأحيان، لكن بدون توظيف هذا الصعود في منظومة منهجية حركية مع العروسين كعنصرين بديلين أو مرددين أو كي يلعبا أي دور آخر يفتح أبعادا أخرى للتأويل ومنافذ أخرى في الخطاب المطروح.

وفي أول لحظة للعروسين في حياتهما الجديدة يفاجآن بالمندوب الملكى (محمد إبراهيم) يقتحم عليهما الشقة مع جنوده بمنتهى الصرامة والديكتاتورية، ويصر مع جنوده المدججين بالأسلحة على قمع حريتهما وحرق سعادتهما، ويمنحانهما هدية إجبارية وهي صورة الزعيم (مجدى إدريس) لتحتل قلب الغرفة مثلما يحتل هو نفسه قلب كل شيء. وبعد فاصل من التوسلات والهمهمات والفرمانات والصمت المطبق والإذعان المقهور وتكرار نفس العبارات عبثيا بين الجميع وتداخل الغناء في توقيت مناسب، يدخل قائد الشرطة (همام تمام) مع جنوده بعد تحطم صورة الزعيم من دون قصد، ويعيد نفس الكرة تماما، ثم يهديهما تمثالا ضخما للزعيم بديلا عن الصورة الفوتوغرافية المحطمة. وهنا ظللنا نلف وندور في نقطة ضيقة واحدة وضحت من اللحظات الأولى، بينما لم يضف المشهد التالى أو حتى تغيير الممثل أى شيء جديد.