مهرجان الكويت المسرحي الثامن كسر المحرمات

مشكلة رواج المسرح التجاري مطروحة بحدة

TT

هل كسر مهرجان الكويت المسرحي الثأمن الذي اختتم فعالياته في 20 ابريل الجاري سياقاً روتينياً معهوداً في مثل هذه المناسبات التي تطغى عليها السمة الاحتفالية؟

قد يبدو السؤال ملتبساً، وتوضيحه يرتكز الى عوامل تفرض عدم التطرق الى حرمات، يتعرض من يرتكبها الى مصير ملعون، كونها تنبع من رقابة ذاتية متصالحة مع بيئتها ومتواطئة مع رقابة السلطة، بحيث لا تتجاوز حدودها المرسومة.

او ربما تعود هذه العوامل الى النقص في التجربة والانغلاق على الانجازات المتواضعة ورفض التجديد والانفتاح على تجارب الطليعيين من رواد المسرح الحديث، والاكتفاء بالتقليد والاستيراد للافكار الجاهزة على حساب الابداع والتطوير.

وماذا عن نضوب مستفحل في النصوص المسرحية؟ الامر لا يقتصر على دولة بعينها في العالم العربي، لكنه في دول الخليج، وتحديداً الكويت السباقة في ريادة المسرح بين جيرانها، وتطرح بحدة اشكالية الاحجام الجماهيري عن الاعمال النخبوية لمصلحة الاقبال على المسارح التجارية، ما يستوجب تنظيم مهرجانات سنوية لفسح المجال امام عرض مثل هذه الاعمال ومناقشة مستواها في المواسم فقط. وازاء هذا الواقع، هل تقوم الجهات الرسمية التي تتوفر لديها الامكانات المالية بما عليها، او تكتفي بهذه المواسم لتؤدي قسطها للعلى، في مجال دعم المسرح، لترتاح بعد ذلك؟

المسرحيات الست المشاركة في المهرجان تثير هذه الاسئلة، وهي حفرتين في حفرة?، ?كوكب الاحذية، حفرة انبيش، السلسلة? ، الهشيم? ، من هو؟ من؟خيط واحد جمع الاعمال الخمسة الاولى، وتستثنى المسرحية الاخيرة منه، وهذا الخيط يتعلق بالهموم المتوارثة في العالم العربي، مع اختلاف في عملية الطرح لهذه الهموم، وهي الحروب والقمع والظلم والفساد والدكتاتوريات وما الى ذلك.

تأرجحت المعالجات وفق مستويات متباينة وعكست عمق الرؤية المسرحية لاعمال مقابل قصور اعمال اخرى وسقوط الى العادي او المبتذل سواء على صعيد الاداء او الاخراج او البنية النصية او السينوغرافيا.

فقد اجاد فيصل العميري من خلال نص عبد الامير شمخي رسم الشخصيات السوداوية لمسرحية الهشيم وتحريكها لتنبض بمعاناة متناقضة حتى التمزق ثم تعود وتنصهر حتى الذوبان في وحدة انسانية مع تصاعد وتيرة الاحداث. وتحكي الهشيم عن اربعة اشخاص هربوا من الحرب والموت والدمار الى مكان اشبه بقبر مفتوح، وافرغوا ذواتهم بانتظار عربة اسمها الامل. قدم العميري سجاناً هو مبارك السلطان، ووظف له حركية جسمه ليظهر تعبه من جلد الآخرين، فيسعى الى الموت للخلاص من الانظمة التي استولت على آدميته وحولته آلة تنفذ الاوامر. وواجه السجان البطل الثاني نصار النصار الذي يؤدي دور سجين سابق خسر بفعل التعذيب رجولته وتوازنه. وتجدر الاشارة الى ان النصار، البارع في لبوس دوره حتى الذوبان، يقتصر حضوره المسرحي على المهرجانات. وفي المسرحية زوجة هي حنان المهدي تحمل جمجمة ابنها المفقود وتبحث عن بقية رميم عظامه، وفي حرقتها تلغي زوجها بشار الجزاب الذي الغى نفسه تحت وطأة والقهر المتعاقب على فصول حياته.

الاعمال الاربع الاخرى لم تستطع تسجيل بصمتها المتكاملة كما فعلت الهشيم وان لم تخل من ومضات واعدة. ففي كوكب الاحذية سعى المخرج هاني النصار الى استثمار تكوين سينمائي لنص وضعه مشعل الموسى برؤية مستوردة من اعمال الراحل سعد الله ونوس. وذلك من خلال اللعب على التاريخ مع بلاط ملكي وصاحب شرطة واسكافي ولصوص احذية، اندسوا في الحاشية ولم يوفرا ابواب المساجد. اما حفرة انبيش التي فجرت ملفات سياسية مهملة او كأمنة تحت سطح الاحداث فقد وقعت في فخ التشظي لعجز المؤلفة فطامي زيد العطار عن ربط خيوط اللعبة فابتعد الجزء الاول الذي يسبق الزلزال الناتج عن كشف المستور من فساد الدوائر الرسمية مع الجزء الذي يعقب هذ الحدث. كما عجز المخرج احمد الحليل عن الامساك بملامح الشخصيات وعن استثمار مشهد الزلزال الذي كان مميزاً بفعل المؤثرات الصوتية والضوئية.

مسرح الشباب قدم العمل الاول في المهرجان حفرتين في حفرة للمخرج سلطان خسروه، وحاول الاقتراب من هموم المواطن العربي، لكنه لم يسلم من جدال عبثي، ابتلت به شخصيات من دون هوية مسرحية واضحة، ربما بسبب الفوضى الناتجة عن نص مفكك، والرؤية الاخراجية الضعيفة. اما في السلسلة فتدور الاحداث بين شخصيتين متناقضتين محكومتين بعلاقة سلطوية يمارسها الاب، الذي ادى دوره الممثل العريق زهير النوباني، والابن اسامة المزيعل. وتولى الاخراج عبد الله الباروني في نص من تأليف نور الدين الهاشمي. والسلسلة من المفترض انها تربط الماضي بالحاضر، ويقتصر دورها على فصل هذين الزمانين والحؤول دون حياة ممكنة لاي منهما. علة العمل تكمن في اتكاء المخرج على النوباني البارع من دون جهد، وتركه المزيعل من دون تحريك صحيح ليواكب زميله. كما لم ينفع اللعب على الديكور القديم والحديث لانه اوقع الخشبة في تفاصيل غير مدروسة. كذلك بدت الموسيقى نافرة لا علاقة لها بالنص رغم حصولها على جائزة التقنيات.

وتبقى المسرحية الشاردة عن قطيع الاعمال السابقة والتي قدمت في آخر ايام المهرجان من هو؟ من؟ فهي تتعاطى فكرة عالمية انسانية، اذا صح التعبير، وتطرح اشكالية الخيانة الزوجية. وقد تعامل المخرج احمد الشطي مع نص للكاتب الايطالي داريوفو بعنوان لا يأتي كل اللصوص للمضرة.والنص يدخل في خانة الكوميديا الراقية، ويكسر محرمات من خلال كشف امراض المجتمع بثقة تتجاوز تقديم هذه الامراض الى تفسيرها من دون وعظ ثقيل. ووظف الشطي كل الامكانات من اجل انجاح عمله، والامر ليس بعيداً عنه فهو ابن فؤاد الشطي المسرحي الكويتي العريق، وفريق عمله من اهل البيت مع اوس الشطي الذي ادى دور اللص وكان نجم العرض، واسامة ومصطفى الشطي، وقد اديا دوري الزوجين الراقيين. اما الزوجات فكن نسرين الاستقراطية المتحفظة ظاهراً والماجنة سراً، وديانا الشديري اللعوب وهبة سليمان التي ادت ببراعة دور زوجة اللص.

ومن دون تعقيد او افراط في نخبوية او سقوط في الابتذال، وظف المخرج امكانات المكان والموسيقى والاضاءة والحوار ليقدم عملاً متكاملاً مقبولاً لا يحتاج الى طرح قضية كبيرة تزلزل كيان الانسان العربي، وانما تطرق الى عراء هذا الانسان الذي يدفن رأسه في الرمال ولا يواجه مسائل تحصل حتى في احسن العائلات. ربما كانت هذه هي المسرحية الوحيدة التي تميز ممثلوها بلفط عربي سليم وبقدرة على نقل النص الاصلي الذي ترجمه الدكتور قاسم البياتلي، واعتمد اسلوباً متحرراً، ونقلاً دقيقاً للاجواء الاوروبية، بما فيها من ملامسات بين الممثلين او معاقرة الخمر بتلقائية، وذلك من خلال التحايل على المحاذير الرقابية.

الامين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون بدر الرفاعي قال لـ الشرق الأوسط معلقاً على مسألة الرقابة على عكس الصورة المأخوذة خارجياً لا توجد تابوهات في هذا البلد الديمقراطي حيث السلطة للأمة وليست للامزجة، كائناً ما كانت الاصوات التي تتصاعد من حين الى آخر. فحرية التعبير مكفولة دستورياً ولا يستطيع اي شخص في اي موقع ان يحد منها، ولو حاولت اي مجموعة ان تضغط في هذا الاتجاه، فهي ستواجه بالاسلحة القانونية المعتمدة. وفي ظل المزايدات والمزايدات المضادة يبقى الحكم للقانون، ولم تؤد الضغوط مبتغاها على حساب التكامل الفني للاعمال التي قدمت في المهرجان.