هل يحقق تلامذة جبرا وعبد الرحمن منيف ما عجزت عنه السياسة؟

انطلاقة إلكترونية لكتابة رواية عربية مشتركة

TT

هناك كاتبة فرنسية طريفة تقول ان القطعة الأدبية الّتي يؤلفها أكثر من أديب هي كالابن الّذي له أكثر من أب. فهل كان عبد الواحد استيتو وهو يدعو إلى كتابة أوّل رواية عربيّة مشتركة يبحث عمّن يشاركه أبوّة إبداع من إبداعاته؟ أم تراه تكاسلٌ منه عن اتمام فصول رواية بدأها؟؟ أو لعلّه حلم طوباويّ لِلَمّ شمل عربيّ عجزت عنه السّياسة والاقتصاد وأتى الأدب ييحث عنه؟

فـكرة الرّواية المشتركة.. كيف ومتى ولِم راودت عبد الواحد استيتو؟

يقول استيتو انّه كان يقرأ بين الفينة والأخرى حين يتصفّح الشّبكة العنكبوتيّة ـ من خلال بحثه عن كلّ ما هو أدبيّ ـ أخبارا تجعل أمعاءه تتقلّص غيرة وتمنّيا.. أخبارا غريبة طبعا.. وكان أهمّها خبرين اثنين:

الخبر الأول هو قيام كاتب بريطاني برقن روايته مباشرة على موقعه الإلكترونيّ حيث أمكن لقرّائه مطالعة كافّة تطوّرات الرّواية وأحداثها، وبالتّالي كانوا يتدخّلون في الأمر بإرسال تعليقاتهم للكاتب وملاحظاتهم. بل انّه كانت لديه آلة عرض فيديو مباشرة تمكّن القارئ من متابعة الكاتب أثناء عمليّة الكتابة نفسها، بما تحويه من تردّد وتصحيحات وتغييرات. أما الخبر الثاني الذي لفت استيتو فهو التحدّي الّذي خاضه روائيّ تشيكي بكتابة رواية في 12 ساعة أمام عدسات الكاميرا وجمهور عريض من القرّاء الّذين كانوا يبعثون ملاحظاتهم وآراءهم أيضا عبر رسائل هاتفيّة للكاتب. وقد تمكّن الرّوائي في آخر المطاف من كسب التحدّي، أمام دار النّشر الّتي راهنته على الأمر.

يقول استيتو: «هذان الحدثان الأدبيّان جعلاني أفكّر في استغلال الشّبكة العنكبوتيّة أنا أيضا في عمل أدبيّ عربيّ يكون له صدى وتميّز.. وهكذا جاءتني فكرة كتابة رواية عربيّة مشتركة بين عدد من الكتّاب العرب. فكّرت انّه من الجميل أن تكون هذه أوّل رواية يشارك فيها أكثر من راوٍ. ويلذ لي أن أتخيّل إلى أيّ مدى تصل المتعة في هذه الرّواية وكلّ فصل يتناوله كاتب من بلد مختلف ويتلاعب بالأحداث والشّخوص تلاعبا يتناسب وثقافته.. من الممكن جدّا أن تكون سعيدا ببطلك الّذي اخترته للرّواية ثمّ يأتي كاتب الفصل الثّاني ليقتله لك في حادث سير أخرق وغير هذا كثير».

الفكرة برّاقة ورومانسيّة... لكن!

الرّوائي والقاصّ المصريّ خالد السروجي يرى فكرة استيتو برّاقة ورومانسيّة وتشير إلى حسّ قوميّ لصاحبها، لكنّه يجزم أنّ الفنّ إبداع ذاتيّ بالأساس ورؤية خاصّة جدّا للحياة والكون ومن ثمّ فإنّ هذا الاشتراك يتناقض مع الرّؤية الخاصّة. ويشير السروجي إلى اختلاف الإبداع الفكريّ عن الإبداع الأدبي، فالأوّل يمكن الاشتراك فيه وفق خطّة ورؤية محدّدة ووفق نظريّة واحدة ينتمي إليها أصحاب نظريّة معينّة، أمّا الإبداع الأدبيّ فلكلّ مبدع عالم ورؤية لن يتفق معها الآخرون. ويتساءل السروجي: «لو بدأت من منطقة فاتّخذت للرّواية مسارا وفقا لرؤيتي، ثم جاء من لا يوافقني ليكمل من بعدي، فسد العمل.. وماذا لو اتّخذ كل فرد مسارا يناقض الآخر، وإلى أي شيء سيؤول العمل؟ ألن ننتهي إلى كائن مشوه؟». ثم يخلص الرّوائيّ المصريّ أخيرا إلى اقتناعه التامّ بصعوبة تحقّق هذه الفكرة عمليّا وبقدر عال من الجودة ويحمد لمن اقترحها مشاعره ونواياه!!

لعبة المصائر ومتعة اللعب

أمّا الرّوائي السّعودي يوسف المحيميد فيظنّ أنّ الرّواية المشتركة هي نوع من العمل الأدبي البديع، شرط أن يكون ثمّة تناغم في الوعي بين المشتركين، وانسجام في الأدوات والتقنيّة الروائيّة، ورؤية مشتركة تجاه الرّواية من حيث اللّغة والبناء، لا بدّ من التّجانس في رسم الشّخوص وفي التّنويع على المكان، فبالنّسبة للمحيميد الرّواية المشتركة تشبه حواراً إبداعيّاً يتلبّسه عدد من الشّخوص يسيرون على هذه البسيطة. ويقول مضيفاً «انّه لم يغب عن أذهاننا اشتراك الروائييّن عبد الرّحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا في كتابة رواية هي أشبه بالفسيفساء «عالم بلا خرائط»، وهكذا تصبح الرّواية بين أديبين، يتّفقان في الرّؤى والقراءات، ويختلفان في مشيئتهما تجاه الشّخوص، أحدهما يحرّك بطلته كي تلتقي بحبيبها على جسر يشرف على النّهر، والآخر يحرّكها كي تنتحر من على الجسر ذاته. ويردف المحيميد «انّه قد يطرأ سؤال حول تخطيط الرّواية، هل يشتركان في وضع مخطّط لها؟ لشخوصها وأحداثها وأمكنتها وزمانها، ومن ثمّ تبدأ لعبة الخيانات لحظة الشّروع في الكتابة، إذ ينساب السّرد كالنّهر، الموجة تمضي دون أن تدرك شكل الموجة خلفها. إنها متعة اللّعب والتّحكم بمصائر البشر على الورق.. يا لها من متعة نادرة».

الرواية هي رغبة في

تغيير طرائق الخلق المألوفة!

النّاقد السّودانيّ السر السيد يعتقد أنّ فكرة الرّواية المشتركة جميلة وتنسجم مع الإبداع كظاهرة استثنائيّة تتقدّم بقدر تهشيمها للوثوقيّة والقداسة ويرى أنّه من جانب آخر العمليّة الإبداعيّة فعل معقّد جدّا، في الحالتين الفردية والجماعية. النّاقد السّوداني يرى أيضا أنّ الإمكانيّة الفنيّة متوفرة، ويقول انّه يقصد بهذا المنطق الخاصّ بالرّواية الّذى يؤسّس له الفصل الأوّل مع ملاحظة إمكانيّة إعادة بناء هذا المنطق بطريقة أو بطرق أخرى حيث هنا ستبدأ المجابهة بين الكتّاب المشتركين وشخصيّات وأحداث وأزمنة وأمكنة الرّواية. ويعتقد السر السيد أنّنا، فى الأخير سنحصل على رواية لا يدري هو كيف ستكون ولكن يؤكّد على أنّها ستحمل أسئلة مشروعة وإمكانيّة الإبداع المشترك فى الرواية أو غيرها. وينتهي إلى أنّ هذه الفكرة رغم غرابتها تخرج من الرّغبة الإنسانية فى إعادة ترتيب وبناء العالم من جديد، أي باختصار هى رغبة فى تغيير طرائق الخلق الفني المألوفة مثلها مثل الاستنساخ.

هل يلمّ الأدب شملا عربيّا عجزت عنه السّياسة والاقتصاد؟

الفكرة جميلة لكنّ الأجمل أن يعترف عبد الواحد استيتو أنّه لم يصفق الباب وراءه بعد.. لكنّ الأكثر بهاء هو الحسّ الإنسانيّ الّذي يلفّ الفكرة، ويظلّ السّؤال ذاك ملحّا ويشي بالكثير، هل تتحقّق هذه الفكرة وهل تلمّ الشّمل العربيّ أدبيّا، خاصة وان الروائي المصري فكري داوود كان أول من تجاوب مع المبادرة، بعد وضع الفصل الأول على موقع عبد الواحد استيتو على الانترنت، فكتب الفصل الثاني، بانتظار من يكمل هذه المغامرة الجديدة في الأدب العربي الحديث.

وهنا ليس أبلغ من حماس استيتو حين يجيب «قد أغيّر شكل الفكرة قليلا.. وربّما أدع كاتبا آخر يبتدئ رواية جديدة.. وانتظر.. ستسمعين عن رواية مشتركة قريبا في الأسواق.. عندها ستتذكّرين هذا الطّفل الحالم الّذي كان يحدّثك»!