إسرائيل تسرق أكلة شعبية فلسطينية

في مهرجان عالمي لـ«الكسكس»

TT

يخرج كمال القيسي، كل صباح من منزله في حي وادي معالي في بيت لحم القديمة، إلى عمله في مقر وزارة السياحة والآثار، ليبدأ يوماً روتينياً طويلاً في وزارة فيها كثافة في عدد الموظفين، وتقل فيها المهام.

ولكن القيسي، يبدو في عالم آخر، فهو مشغول دائما في ما يمكن عمله خلال تلك الأيام الخمسة، من شهر أكتوبر (تشرين الأول)، التي يمضيها في مدينة إيطالية كانت إلى سنوات مغمورة. ويحتاج القيسي، الذي يبذل مجهودا فرديا، إلى حد كبير، إلى استعداد مستمر طوال العام، لتأتي مشاركة فلسطين في تلك الأيام، حيث يعقد مهرجان (الكسكس) العالمي.

ورغم انه عاد من ذلك المهرجان قبل أشهر إلا أن أجواء المهرجان ما زالت تعيشه، وأيضا استعداده للمهرجان المقبل، وتشمل هذه الاستعدادات تحضيرات واتصالات لتحديد كيفية المشاركة وتذليل الصعاب، وما أكثرها، من اجل مشاركة تليق بفلسطين ـ كما يقول القيسي.

فما هو هذا المهرجان الذي يشارك فيه القيسي باسم فلسطين، والذي ينظر إليه أيضا كقضية شخصية، وما هو هذا «الكسكس» الذي يمكن أن يثير كل هذا الاهتمام ويتحول إلى قضية؟

قبل المسيح

* تحمل هذه الأكلة الشعبية في دول حوض المتوسط اسم «الكسكس»، ولكنها تعرف في فلسطين وبلاد الشام بـ «المفتول».

ومنذ عدة أعوام تنبهت مدينة إيطالية صغيرة تقع في جزيرة صقلية هي «سان فيتو لوكار» إلى أهمية أن يكون هنالك مهرجان للمفتول تشارك فيه دول البحر المتوسط التي يفصل بينها هذا البحر، ويجمعها المفتول أو الكسكس. وساعد هذا المهرجان طوال ست سنوات مضت، على زيادة تشجيع السياحة إلى هذه المدينة بنسبة تفوق 300% .

وشهدت هذه المدينة المهرجان السادس للمفتول ما بين 21-26 أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ومن ضمن الوفود التي شاركت في هذا المهرجان الوفد الفلسطيني الذي يرأسه كمال القيسي.

يقول القيسي، إن اصل المفتول هو بلاد الشام، ويعود تاريخ هذه الاكلة إلى أكثر من 1700عام قبل الميلاد، وانتشرت من هذه البلاد إلى ما يعرف الآن دول المغرب العربي. ونفى القيسي أن يكون نسب هذه الأكلة لبلاد الشام ومنها فلسطين نوعا من التعصب، قائلا إن معلوماته التاريخية هذه تستند إلى أبحاث لجامعات مغربية. ويستخدم في هذا الطبق ما يسمى في فلسطين السميد، وهو القمح المطحون وتعمل عليه النساء حتى يصبح دوائر صغيرة. وحتى عام 2000 لم تكن فلسطين تشارك في هذا المهرجان الدولي الذي كان يحمل اسم المهرجان الثقافي لدول البحر المتوسط والآن صار اسمه «مهرجان الكسكس» وبدأ المهرجان بمشاركة ثلاث دول هي: إيطاليا، وتونس، وإسرائيل. وفي دورة المهرجان الأولى فازت تونس وفي الدورة الثانية فازت إسرائيل. وعن ذلك يقول القيسي بان إسرائيل استعانت بطباخين مغاربة لتقديم هذا الإرث الثقافي التقليدي.

تنافس فلسطيني ـ إسرائيلي

* ولكن لم يخل الأمر من تنافس بين فلسطين وإسرائيل حول هذه الأكلة، ويقول القيسي بأنه كان موجودا في إيطاليا عام 2000 ودعي إلى ندوة حول المفتول على هامش المهرجان شاركت فيها مندوبة إسرائيل التي فازت في تلك السنة بالجائزة الأولى لأحسن مفتول. وقالت مندوبة إسرائيل «نفخر بحصولنا على جائزة أفضل مطبخ كسكس مع أننا دولة حديثة العهد لا يتجاوز عمرها 50 عاما».

وضجت القاعة بالتصفيق..!

ثم تحدث القيسي قائلا: «دولة إسرائيل حديثة العهد لأنها بنيت على دمار شعبنا الفلسطيني بمساعدة الأوروبيين، ونحن ضحية الضحية ولم تكتف هذه الدولة بسرقة أرضنا، فسرقوا أيضا أكلاتنا».

وضجت القاعة، أيضا، بالتصفيق وفي العام التالي2001، شاركت فلسطين في هذا المهرجان الذي تطور وأصبح الآن مهرجانا عالميا وليس فقط لدول البحر المتوسط، وشاركت في مهرجانه الأخير، دول أفريقية ولاتينية مثل البرازيل، وساحل العاج والسنغال. وترفض إسرائيل السماح للوفد الفلسطيني للسفر عبر مطار اللد، فيضطر الوفد لحمل المواد الأولية معه ويغادر إلى إيطاليا عبر الأردن.

وعندما يصل الوفد المشارك هناك تجري بينه وبين أحد مطاعم المدينة توأمة، ويتم وضع هذا المطعم تحت تصرف الوفد الضيف كي يصنع المفتول الخاص به. ولا توجد شروط خاصة في المسابقة، وهناك لجنة تحكيم مكونة من 24 شخصا معظمهم من الصحافيين والذواقة الذين يتذوقون كل صحن مما صنعته الوفود ويضعون علامة معينة.

ويبدي القيسي ملاحظات على نتيجة المهرجان الأخير قائلا بأن الجزائر كانت المرشح الأقوى للفوز، لكن تمت محاباة تونس لأسباب تجارية، ولمناسبة تشغيل خط طيران بين تونس والمدينة التي تحتضن المهرجان التي حصلت على لقب مدينة المفتول الأولى في العالم. ويقول القيسي بأن المشاركة الفلسطينية في هذا المهرجان رفعت تصدير المفتول من طنين إلى 90 طناً سنويا إلى أوروبا يتم تسويقه عبر منظمات تشجع منتجات الدول النامية. وتعد هذه الكميات من المفتول نساء يعشن في المخيمات الفلسطينية. خصوصا في غزة.

إسرائيل أيضا

* يقول القيسي بأن هناك اهتماما كبيرا من وسائل الأعلام بهذا المهرجان السنوي، وتغطيه كثير من محطات التلفزة ووسائل الأعلام المسموعة والمقروءة. وتصدر الجهات المنظمة للمهرجان، وهي بلدية مدينة سان فيتو لوكار، ووزارة السياحة الإيطالية مجلة عن نشاطات المهرجان. وفي العام الماضي وقع خلاف كبير بين الوفد الفلسطيني وإدارة المهرجان عندما وضعوا في هذه المجلة صورة لمدينة القدس، شعارا لمشاركة إسرائيل، بينما وضعوا لفلسطين صورة طبق المفتول شعارا.

وهدد الوفد الفلسطيني بالانسحاب من المهرجان، فقدمت إدارة المهرجان اعتذارا رسميا مكتوبا عما اعتبره الوفد الفلسطيني انحيازا لإسرائيل.

لكن الوفد الفلسطيني أصر على أن يتم عقد مؤتمر صحافي يتم فيه الاعتذار، وفعلا عقد رئيس البلدية مؤتمرا اعتذر فيه للوفد الفلسطيني. واحتفظت إسرائيل بصورة القدس كشعار لمشاركتها في المهرجان، بينما اختار الفلسطينيون صورة للقدس ومدن فلسطينية أخرى ممزوجة معا كشعار لهم. ويقول القيسي بأن للسفارة الإسرائيلية في إيطاليا نفوذاً كبيراً بعكس الدول العربية.

ورغم هذه الظلال السياسية إلا أن المهرجان يترسخ كل عام كمهرجان لشعوب جمعها ليس فقط البحر المتوسط ولكن أيضا حب الكسكس.