عميد الصحافة السودانية: نشرت الحقيقة ودفعت الثمن بالاعتقال

«القلم الذهبي» لمحجوب محمد صالح بعد نصف قرن من المصادرة والاضطهاد

TT

لم يتوقع الصحافي محجوب محمد صالح أن يجد استقبالا رسميا له في مطار الخرطوم، بعد تسلمه جائزة «القلم الذهبي» للحريات من سيول بكوريا، وصدق تنبؤه فالود بينه وبين السلطات مفقود منذ أمد بعيد، ولذا دخل المطار كمواطن عادي وخرج ليفاجأ بحشد كبير من زملاء مهنته من الصحافيين ورؤساء التحرير لاستقباله وتهنئته. وتكتب الصحف صباح اليوم التالي «خارج قاعة كبار الزوار يستقبل الصحافيون عميد الصحافة السودانية»!..

ومحجوب محمد صالح (76 عاما) عمل في الصحافة عام 1949 وأسس أول صحيفة سودانية مستقلة «الأيام» «ورأس تحريرها عام 1958، وظل خلال تلك الفترة يكافح من أجل حرية الكلمة والرأي. وفي كلمته التي ألقاها أثناء تسلمه الجائزة من الاتحاد العالمي للصحف بالعاصمة الكورية سيول أمام 1100 صحافي في الاجتماع السنوي للاتحاد قال «طيلة أكثر من نصف قرن من العمل في هذه المهنة، ذقت كل أنواع الاضطهاد والتحرش والوصاية والرقابة والمصادرة والحظر والإغلاق والتأميم والتهديد والسجن، ولم يمنعني شيء من الاستمرار قدما غير الالتزام بشرف المهنة والولاء لها».

ويكتب محجوب صالح عموده اليومي الشهير «أصوات وأصداء»، الذي يتناول تحليل الأوضاع السياسية القلقة بالبلاد، وكذلك يكتب عن المشاكل التي تواجه المواطن العادي، كما له عدة كتب وإصدارات باللغتين العربية والانجليزية. وكان أول صحافي سوداني يقوم بزيارة للجنوب ويكتب تقاريره من هناك عام 1955.

«جائزة «القلم الذهبي» للحرية تمنح سنويا لتقدير المواقف البارزة للأفراد أو المجموعات أو المؤسسات التي تدعم الحريات. لكن الجائزة التي أعطيت لمحجوب لا تغطي سنة واحدة وإنما إنجازاً استمر طيلة عمر كما جاء في كلمة جورج بروك رئيس منبر الصحافيين العالمي الذي قدم الجائزة.

وفي سؤال له من الاتحاد عن كيف يواجه كل تلك المعوقات ليمضي في عمله، أجاب محجوب صالح» الصحافة هي مهنة المخاطرة والإلهام، فعدد الصحافيين الذين جرحوا واختطفوا وقتلوا في مناطق الصراعات، أو الذين طالهم الأذى وعذبوا أو تم اغتيالهم في ظل الأنظمة الديكتاتورية عددهم كبير، ومع ذلك فكثيرون يلتحقون بهذه المهنة، انها مهنة ملهمة للغاية وإلا لن ينضم إليها أحد ليواجه كل تلك المخاطر. وصحافيو العالم الثالث بل والعاملون بسائر المهن يواجهون معوقات عديدة بسبب الفقر ونقص البنية التحتية والممارسات غير الديمقراطية، وتدريجيا سيكتسب الصحافي القدرة على العيش مع ذلك، وإيجاد آلية لتخطي تلك المعوقات».

أما أسوأ تجربة مر بها فهي الرقابة غير المباشرة ويصفها قائلا «عندما يصدر أمر للصحيفة بألا تنشر إلا الرواية الحكومية لأي حدث، بينما تعلم الصحيفة أن تلك الرواية خطأ بل ومضللة، هذا يضع الصحافي في زاوية ضيقة جدا، فإما أن ينشر الحقيقة ويتحمل عقباتها، أو يشارك في الخداع ويقوّض مصداقية الإعلام ويخون أخلاقيات المهنة ويساوم بكرامة الصحافي، وشخصيا واجهت ذلك عدة مرات ودائما أقاوم هذه الأوامر وأدفع ثمن ذلك بالاعتقال، الحجز، المصادرة وسحب الترخيص».

أغلقت صحيفة الأيام عام 1960 وأممت عام 1970، ولم تعد لمالكها إلا عام 1986. ثم أغلقت عام 1989 لعشر سنوات ليعاد عملها عام 2000. وآخر إغلاق للصحيفة كان عام 2003 لمدة ثلاثة أشهر.

وعن روح التصميم يقول محجوب التحقت بهذه المهنة منذ ستة وخمسين عاما، والسودان حينها تحت الاستعمار الانجليزي ـ المصري، وكانت الحركات القومية نشطة لأجل تحقيق الاستقلال، وكان الإعلام يقود تلك المقاومة، تدربنا تحت قيادة محررين ورؤساء تحرير على درجة عالية من الالتزام المهني لأجل الحرية وعلى استعداد لدخول السجون. تعلمنا منهم أن نحارب بإرادة وتصميم لأجل الهدف الذي نعتنقه، وتلك الفترة خلقت داخلي روح المقاومة والشجاعة. وآمل أن ننجح في توريث هذه الروح للأجيال الحالية والمستقبلية للصحافيين بالسودان.

الاتحاد العالمي للصحف WAN تأسس عام 1948 ويدافع عن حرية الصحافة في العالم وينادي بالاستقلال المالي للصحف الذي يكفل صحافة نزيهة، ويمثل الاتحاد 18000 صحيفة و72 مؤسسة صحافية قومية في 102 بلدا و11 وكالة إخبارية.

أما جائزة «القلم الذهبي» التي ولدت عام 1961 في باريس، فهي جائزة تقديرية للأعمال البارزة في العمل الصحافي سواء للأفراد أو المجموعات أو المؤسسات، فقد حصل عليها سابقا، ومعظمهم من دول العالم الثالث بطبيعة الحال، الصحافي الأرجنتيني جاكوبو تايمرمان 1980 والروسي سيرجي جريجوريانت 1989 والصيني جاو يوم 1995، والفائز للعام 2004 الأوزبكي روسلان شاريبوف.