رغم شحّ المصادر .. كتاب جماعي يقيّم إنجازات عام 2004 وإحباطاته

«المغرب في مفترق الطرق» بين التشاؤم والتفاؤل

TT

لا يدعي الكتاب الجماعي «المغرب في مفترق الطرق»، الصادر حديثا عن منشورات مجلة «وجهة نظر» المغربية، صفة التقرير الشامل الملم بتفاصيل المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي المغربي، خلال السنة المنصرمة، غير أن ما يحتويه الكتاب من مواد متفاوتة المنهج والرؤية الشمولية، يقربه كثيرا، ويمنحه سمات تقارير الحصيلة السنوية، كما هو متعارف عليها بين مراكز البحث والدراسات الراصدة لتطورات المجتمعات.

وأول ما يلاحظ على الكتاب، قبل استعراض الخطوط العامة لمحتوياته، عنوانه، إذ انه يصور المغرب، استنادا إلى ما جرى به عام 2004، وكأنه يمر بمرحلة مفصلية في حياته، والأمر قد يكون كذلك، لكنه لا ينحصر زمانياً في السنة الماضية، وإنما بدأت إرهاصاته الكبرى منذ نهاية القرن الماضي، إلى حد يجعلنا نقرر أن وتيرة التغيير والإصلاح تسير بإيقاع تصاعدي، رغم بعض الحنيات الصغيرة التي تصدم الملاحظ المتربص بالشأن العام في المغرب.

تشير مقدمة الكتاب الواقعة في صفحتين، إلى الصعوبات التي تواجه تحرير وإعداد التقارير السنوية، فهي ممارسة لا تزال في بداياتها. ولم تتخلص الدوائر الحكومية في المغرب وحتى القطاع الخاص وهيئات المجتمع المدني كلية من اعتبار الوثائق الخاصة سرا، تجب المحافظة عليه حتى لا يستفيد منه ويستغله «الأجانب»، وهم في هذه الحالة يحرمون الباحثين والأكاديميين ومعدي التقارير، مما يتطلبه البحث العلمي الرصين من الأدلة والبيانات المدققة.

وتنبه المقدمة إلى ملاحظة، تكاد تكون بديهية، ولكن استحضارها ضروري قبل المضي في قراءة المواد المدرجة في الكتاب، إذ أنها (المقدمة)، تشطر الرأي العام المهتم في المغرب إلى فئتين: المتفائلون بالعهد الجديد الذين لا يقرأون فيه الا مؤشراته الايجابية، التي تقود نحو وجهة الانتقال الديمقراطي، بينما يرى المتشائمون عكس ذلك، فالبلاد برأيهم في حالة ركود مؤسساتي ما دامت السلطة موزعة أو مخولة على أساس الدستور، الذي هيأه الملك الراحل الحسن الثاني. فالمؤسسات التي يضبط الدستور عملها، ويرسم حدودها، مثل البرلمان، والقضاء والجهاز التنفيذي (الحكومة)، هي واجهات لا تأثير لها عند اتخاذ القرارات الاستراتيجية الكبرى في مجالات: الأمن، السياسة الخارجية، الدفاع، الاقتصاد والإعلام. هي مؤشرات سلبية في نظر المتشائمين تدل بوضوح على ان الانتقال الديمقراطي لم يحن عهده بعد في المغرب، ويستنتجون بالتالي ان الحركية والدينامية التي تميز الحياة العامة في المجتمع المغربي، لا تنعكس أو لا تقابلها حيوية على مستوى بنيات النظام القائم وتوزيع السلطة والثروة داخله، ما يسمح بالقول ان ما يبدو سعيا نحو الديمقراطية لا يعدو ان يكون مجرد تكتيكات لبناء شرعية جديدة في الظاهر، ولكنها قديمة وعتيقة في الداخل.

لا يمكن الاطمئنان إلى هذا التصنيف الثنائي القائم على مبدأي التفاؤل والتشاؤم، لذا تستبق مقدمة الكتاب الأحداث، وتعتبر ما تضعه رهن إشارة القارئ محاولة في تجميع أحداث السنة الماضية وقراءتها وربط بعضها ببعض.

يشتمل الكتاب على أحد عشر تقريرا، غير متساوية الحجم، ومنهجية التناول، وهي بالترتيب الوارد في الكتاب: المشروع التنموي للملك محمد السادس، بين المرتكزات ومعيقات الإنجاز (رصد تحليلي لخطب الملك عام 2004)، التوجهات الكبرى للمشهد الحزبي والنقابي بالمغرب ـ حصيلة العمل البرلماني خلال السنة التشريعية الثانية، الأداء السياسي للإسلاميين المغاربة، المسألة الامازيغية بالمغرب بين إرادة الضبط ودينامية المحيط، الدبلوماسية المغربية (الحصاد والرهانات الجديدة)، قضية الصحراء من خلال أحداث 2004، المجتمع المدني المغربي (حصيلة ام أوهام الفعالية)، شيء مما أظهرته الشاشة الكبرى سنة 2004، الثقافة المغربية سنة 2004 تراكم المبادرات وتعمق الأحزان، الحصيلة الاقتصادية لسنة 2004 بين الاستمرار على النمو الاقتصادي وتنامي الاكراهات المالية والاجتماعية.

من الصعب استحضار مضمون كل تقرير على حدة، لا سيما وأن معده يقرأ أحداثا ماضية ويستنتج منها ما يعن له. وما يمكن التنويه به هنا ان فصول الكتاب، تناوب على تحريرها صحافيون مدربون، لا يطلقون العنان لأقلامهم وأحكامهم، الا في حالات قليلة جدا، مما أعطى اغلب التقارير ميزة متفردة تخلو منها التقارير الكلاسيكية المعروفة، التي تغرق في الأرقام والجداول والإحصاءات، فتصبح باردة مملة.

فصول الكتاب أشبه ما تكون بالدراسات الموثقة الجامعة بين صفتي التوثيق والتأويل المفتوح، بل ان بعضها ذو منحى أكاديمي صرف، من حيث اعتماده على المراجع العامة كالتقرير المخصص للمجتمع المدني المغربي.

يمكن ان نحاسب معدي التقارير على تغليب الاهتمام بجانب على حساب جوانب أو أجزاء الصورة الأخرى. وهو تقصير مفهوم مرده قلة الامكانات والخوف من السقوط في أحكام وتصنيفات غير مبررة. وعلى سبيل المثال، فإن التقرير المتعلق بالحصيلة الثقافية، ليس شاملا وملما بكل تعبيرات المشهد، لكنه رغم ذلك يتضمن إشارات تقييمية لماعة، كما ان الاجتهاد في التحليل والاستنتاج والتأويل، يضفي على التقارير طابع الحيوية، لكنه يبعدها بمسافة عن صفات «الموضوعية والحياد البارد»، التي تقتل حقا روح الكاتب، فتوضع تلك التقارير، المتورمة من كثرة الصفحات في غالب الأحيان، على الرفوف، خاصة إذا تحكمت في تحريرها اعتبارات المجاملة بين الدول وتبادل الخدمات بين المنظمات، دعك من الغش أو المبالغة في الإحصاءات والبيانات.

انه حقا كتاب «وجهات نظر»، تجلي الصورة أمام قارئ يدفعه الفضول لمعرفة ماذا وقع في المغرب خلال سنة، وكيف ولماذا؟