سلاح اليورانيوم المستنفد وتأثيرات استخداماته

تقارير علمية ناقصة وأمثلة ميدانية

TT

والكتاب يشرح بأسلوب علمي مبسط ماهية اليورانيوم، وتأثيراته إشعاع عنصر اليورانيوم، وأثر اليورانيوم المستنفذ على الجسم البشري، وكيفية تدميره لحيوية الجسم، خصوصاً للموجودين في مواقع القصف وحولها، من عسكريين ومدنيين، من خلال تدميره للتركيب الجزيئي للحامض النووي والموروثات الجينية، وهي الحالة التي تسمى DNA Damage، ومن نتائجها زيادة في تكاثر الخلايا في الأنسجة المتعرضة للإشعاع، ومن معالمها انتشار أمراض السرطان، وحالات التشوهات الولادية، وتلف الكبد والكليتين، وجهاز المناعة، وغيرها.

ويكرس الكتاب حيزاً وافياً للردود العلمية على استنتاجات الجمعية الملكية البريطانية The Royal Society أكاديمية مستقلة تعنى بشؤون العلوم) في تقريرها المعنون: الأضرار الصحية لذخائر اليورانيوم المستنفدThe Health Hazards of Depleted Uranium Muntions، التي زعمت: «لا توجد خطورة» للإصابة بالسرطان نتيجة إشعاعات سلاح اليورانيوم المستنفذ، وأن نسبة الإصابة بسرطان الدم «ضئيلة جدا»، وبأنه «ليس من المؤكد» ان يضاعف التعرض لإشعاعات اليورانيوم المنضب حالات الإصابة بسرطان الدم Leukemia، مع أن القسم الأول تضمن ما يؤكد خطر الإصابة بسرطان الرئة، والثاني خطر التلف الكلوي، في حالة التعرض الشديد لإشعاعات اليورانيوم المستنفذ، وخاصة إذا كان المتعرض في المكان الذي حصل فيه استخدام السلاح. هذا فضلاً عن أن معدي التقرير بقسميه، واللذين صدرا بفترتين مختلفتين، اعترفوا بمحدودية المعلومات، وانعدام نتائج الفحوص الميدانية للمتعرضين لإشعاعات اسلحة اليورانيوم المستنفذ في موقع التعرض، وساعة حصول التلوث، و«لذا فإنه من غير الممكن تعيين شدة خطورة الإصابة بسرطان الرئة لأولئك الجنود الذين تعرضوا لإشعاعات كثيفة في الميدان»، كما اعترف البرفسور براين سبرات Brian Spratt- المشرف على إعداد التقرير. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا إذاً صدر التقرير، ولمصلحة من! وأفرد الكتاب حيزاً وافياً لرد البرفسور الدكتور مالكولم هوبر Malcolm Hooper، الذي كان مستشاراً لجمعية قدامى محاربي حرب الخليج البريطانيين، ومسؤولاً عن ملفات المرضى العسكريين، الذين شاركوا بالحرب، وقد تضمن محاججات ومعطيات علمية قيمة. ابتدأ هوبر رده بعبارة «خيبة أمل» Disappointment، ومع أنه اعتبر الدافع الرئيس لصدور التقرير هو القلق المتصاعد بشأن تدهور صحة جنود حرب الخليج، وجنود حرب البلقان، وجنود حفظ السلام في البوسنة وكوسوفو، إلا أنه أكد على فشل التقرير في معالجة المسألة الأولى بصدد أسلحة اليورانيوم المستنفذ، ألا وهي اتخاذ جنود حرب الخليج الثانية مواضع تجريبية لهذه الأسلحة التي كانت معروفة منذ عام 1974، مؤكداً بأنه شخصياً رفد فريق العمل، الذي أعد التقرير، بمعلومات مفصلة في هذا الشأن. وعاب على التقرير خلوه من أي تعليق على حقيقة أن المسؤولين عن السلاح الجديد لم يقدموا أية نصائح، ولم يقوموا بأي مراقبة أو عملية مسح بعد 10 سنوات من انتهاء حرب المائة ساعة عام 1991، كما انتقد البرفسور هوبر عدم إدانة فريق العمل للإهمال، وتجاهل أعمال القتل التي سببها استخدام هذا السلاح، لا سيما وأن الجهات التي استخدمته تعلم مسبقاً بأنه يسبب الهلاك. وانتقد هوبر فريق العمل لعدم إظهاره الرغبة في أن يفهم لماذا لم تتبن وزارة الدفاع البريطانية المتابعة وإجراء الفحوصات والبحوث اللازمة والدؤوبة، تجنباً لانكشاف حقيقة إهمالها وتقصيرها في هذا الواجب. وقال: إن الحقائق المعروفة عن أمراض جنود المملكة المتحدة المشتركين في حرب الخليج الثانية هي متساوقة مع التعرض للإشعاع الآيوني Ionizing Radiation. ورد هوبر على نصيحة معدي التقرير بضرورة مضاعفة الجهد في البحوث عن آثار إشعاعات أسلحة اليورانيوم المستنفذ، التي جاءت متأخرة جداً، بأن التقرير لم يتعرض، بل أهمل أهمية إتخاذ جنود حرب الخليج، أو جنود حرب البلقان كمصدر معلومات للبحث والاستنتاج.

وناقش البرفسور هوبر مستويات إشعاعات اليورانيوم المنضب، والآثار المحددة لكل مستوى منها على الحامض النووي للخلية الحية DNA، مؤكداً بأن المخاطر قائمة مهما كان المستوى واطئاً، وأن النسبة الواطئة منه تؤدي الى ما تسببه النسبة العالية، وإن بدرجة أقل، وان خاصية انتشار جزيئات أوكسيد اليورانيوم، عقب انفجار قذئفة اليورانيوم المنضب، تجعل الاماكن الملوثة غير قابلة للسيطرة على سلامة الصحة العامة، ويُعتبر ما حصل في حربي الخليج الثانية والبلقان أفضل المصادر التي يمكن ان يستمد البحث الجاد معلوماته من ظواهرهما، وخاصة ما ظهر على المحاربين الذين شاركوا في تلك الأحداث الحربية، أو بقوا فيها بعد إنتهائها ـ بالنسبة لجنود حفظ السلام في يوغسلافيا.

وانتقد هوبر عدم رجوع فريق العمل الى ما لحق بصحة المدنيين في العراق، وبخاصة تلك الأوبئة السرطانية التي فتكت بالأطفال، وتلك التي ظهرت في عيوب خلقة الولادات، وارتفاع معدل ظواهر إجهاض الحوامل من النساء، وضعف وقتل الرغبة الجنسية عند الرجال، والعقم، وغيرها. وقد واصلت الجمعية الملكية البريطانية حالة الإهمال هذه نفسها في مسح وتشخيص ما حصل للمدنيين في دول البلقان، وأهمل فريق عملها النتائج التي يمكن استنتاجها مما جرى في البلقان من إصابات بأمراض السرطان المختلفة وسرطان الدم ( اللوكيميا) على نحو الخصوص.

وبالاستناد الى نتائج إحصائية استخلصها من دراسات وبحوث ميدانية عن أضرار إشعاعات اليورانيوم المنضب على صحة من يتعرض لها، أشار البرفسور هوبر الى معدلات الموت بأمراض السرطان. وذكر أن الإشعاع يسبب سرطان الرئة،والغدد اللمفاوية، والمخ، والبروستات، والكليتين، والبنكرياس، والمعدة، والثدي لدى النساء، وقد أكدت بأن معدل إصابة المتعرضين لليورانيوم المنضب بهذه الأمراض عموماً هو 26 % أكثر من معدل الإصابة بالظروف العادية، بينما تكون النسبة 261 % بالنسبة للإصابة بسرطان المعدة، مما هي لدى الناس في ظروفهم الاعتيادية.

وقارن البرفسور هوبر بين نتائج البحوث الميدانية لمواقع استعمال اليورانيوم المنضب ونسب مستويات الإصابة بمختلف أنواع أمراض السرطان وبين نتائج وآثار حادث انفجار مفاعل تشرنوبيل. ثم قارن بين نتائج ذلك الحدث ونتائج البحوث التي أجريت في بغداد بعد حرب عام 1991 على المصابين بالأمراض السرطانية التي كانت أعراضها متشابهة لتلك الأعراض التي ظهرت على من تعرضوا لإشعاعات تشرنوبيل. ويقارن هوبر حالات المصابين من جنود حرب الخليج، ويستخلص بأن تلوث اجسام الجنود أصبح حقيقة تشهد لها أحوال المرضى بأعراض حرب الخليج والتي كشفت الفحوص ان أجسامهم تحتوي على ترسبات من اليورانيوم المنضب يعجز الجسم عن التخلص منها. وكشفت النتائج في أقاليم البلقان ان البيئة هناك قد تلوثت بإشعاعات اليورانيوم المنضب، وكشفت الفحوص الطبية ان أجسام الأفراد تحتوي على الإشعاعات الآيونية لليورانيوم المنضب، وان بعض الأجسام تحتوي على مستويات عالية من الإشعاع، حتى ان مصوراً رافق فريق بحث اكتشف ان جسمه يحتوي على الإشعاعات السامة بعد 5 أيام من وجوده في المنطقة.

واختتم البرفسور هوبر رده بأن مثل هذه الحقائق لها أهميتها لو أن الجمعية الملكية البريطانية أخذت بها وناقشتها على الأقل في تقريرها من وجهة نظر علمية لتحدد موقفها العلمي من أثر أسلحة اليورانيوم المنضب على صحة البشر والبيئة.

ويركز الكتاب على أضرار اليورانيوم المنضب بالاستناد الى تأكيدات العلماء والخبراء، وأوجه التردد/ التضليل العسكري. وفي هذا المضمار يكرس فصلاً كاملاً لتوثيق اضرار أسلحة اليورانيوم المنضب: في أماكن الحرب، في العراق ويوغسلافيا، ومصادر التوثيق، ومنها شهادات المتخصصين على الآثار الضارة لأسلحة اليورانيوم المنضب، كالعالم الفيزيائي النووي الأميركي المعروف ليونارد أ. ديتز، والباحثة الفيزيائية الأسترالية هيلين كالديكوت، والفيزيائي النووي البرفسور ميشو كاكو. ويستند المؤلف، في الفصل الأخير من الكتاب، على أدلة علمية وتوثيقات أخرى لذوي خبرة واختصاصيين اآخرين، هما البرفسور الدكتور سيغفرت ـ هورست غونتر (ألماني) والبرفسور الميجر دوك روك (أميركي)، وكلها تؤكد ارتباط ما حصل في العراق والبلقان صحياً وبيئياً بسلاح اليورانيوم المنضب المشع والسام.