أفغانية ترى العالم بساق واحدة

بنت الثامنة عشرة عاما تروي قصة الحروب والدمار في أفغانستان

TT

في احدى حلقات برنامج «صباح الخير أميركا» الذي يذاع كل صباح على قناة ABC الاميركية، طلب من المشاهدين ان يكتبوا ويرسلوا الى القناة قصصا من واقع حياتهم، عن تجاربهم الرومانسية ومغامراتهم وكذلك عن تجارب أليمة مروا بها، عن فقدانهم لاحبائهم، وعقبات وقفت حجر عثرة في طريقهم، سواء تغلبوا عليها أم لا.

وذهل معدو البرنامج عندما وصلهم ما يقرب من عشرين ألف صفحة من التجارب الواقعية ردا على هذا الطلب. كانت كل القصص ملهمة ومؤثرة للغاية ومليئة بالشجون والآلام والافراح والاحزان والامل، وعقدت لجنة من افضل الكتاب والمحررين وأشهرهم لاختيار افضل ثلاث روايات وتجارب، تمهيدا ليتم نشر افضلها باختيار المشاهدين.

تقول فرح أحمدي، صاحبة القصة الفائزة: ارادت صديقتي ان اشترك في هذا البرنامج، لكنني قلت لها انني لست مستعدة بعد، بل انني اعتقد ان حياتي وتجربتي خارج نطاق المسابقة، فعمري لم يتعد الثأمنة عشرة، ولم أحقق شيئا بعد، لكن صديقتي كانت لها وجهة نظر مقنعة الى حد بعيد فقد قالت: «أعتقد في حالتك ان مجرد البقاء يعتبر انجازا كبيرا» ورغم اني ارسلت قصتي، الا انني لم اتخيل للحظة واحدة ان تفوز بأي جائزة او ترتيب على الاطلاق». ولكن ها هو الكتاب في الاسواق يشهد ان قصتها حركت القلوب والاذهان، بل واحتلت مراتب عالية من الاهتمام والاحترام.

تحكي الكاتبة الشابة هنا عن تجربتها، سواء بالعيش داخل افغانستان او خارجها، ففي فترة من الفترات لم تكن تتخيل ان تترك كابول، بل ظنت ـ وكانت محقة الى حد كبير ـ انها ستعيش وتموت في تلك المدينة، فما الذي يمكن ان يخرجها منها؟ والاهم انها لم تشك للحظة واحدة انها ستعيش بعيدا عن احضان عائلتها الكبيرة الممتدة، كانت حركة تلك الفتاة محدودة للغاية، حتى انها لم تكن قد خرجت الى اكثر من نصف المدينة التي تعيش بها، وكانت تتخيل ان حتى سماء ذلك النصف الآخر مختلفة عن السماء التي تعيش هي تحتها، ولم يخطر ببالها انها ستعيش يوما تحت سماء النصف الآخر من الكرة الارضية في شيكاغو.

تقول الكاتبة: «اقتنعت اخيرا ان اكتب قصتي، لانها لا تمثلني وحدي، بل تمثل قصة كثيرين جدا من ابناء جلدتي، فروا من الدمار والحرب وأهوالها، لكن خلال تلك الرحلة، التي تبدو في ظاهرها مليئة بالخسائر والآلام فقط، ظهرت كثير من الجوانب المشرقة».

فخلال الحرب بترت ساق الكاتبة الشابة بسبب انفجار لغم، وظنت هي ان ذلك سيكون أسوأ يوم في حياتها، وان حياتها من اليوم فصاعدا لن يكون بها أي جانب مبهج، لكن هذه التجربة الاليمة اظهرت لها محبة الكثيرين الذين كانوا غرباء بالنسبة لها حتى ذلك اليوم، وحتى العقبات التي وقفت في طريقها اظهرت لها مدى قوتها واصرارها وشجاعتها، وهو أمر لم تكن قد اكتشفته عن نفسها حتى ذلك الحين.

وهذا هو ما جعل الكاتبة تفكر وتكتب عن موضوع السعادة: ما هي؟ وأين نجدها؟ فتقول: «يجب بالقياس المنطقي ان اكون اكثر سعادة في الولايات المتحدة، باستقراري وتعليمي هنا، لكنني ـ رغم الاصدقاء المحبين المحيطين بي ـ أجد انني كنت سأكون اكثر سعادة في افغانستان، لو استمرت حياتي بسيرها العادي. كنت سأكون متزوجة ولدي اطفال، وليس معنى ذلك ان هذه هي السعادة، لكنها ان تتحقق احلامك كما نشأت لتتوقعها. اما الشيء المؤكد فهو ان السعادة ليست في المادة، بل هي بالتأكيد في الدفء العائلي وبساطة العيش».

تقول الكاتبة في نهاية كتابها تلخيصا لكل ما سبق: «صحيح انني فقدت الكثيرين من احبائي، لكنني لم افقد الحب ذاته، وصحيح انني رأيت احلامي تنهار، لكني رأيت محلها احلاما جديدة، اكثر ابهارا، وقد تحققت بالفعل، فهل يمكن ـ بأي حساب من الحسابات ـ ان اعتبر خاسرة؟

يتميز اسلوب الكاتبة بالصدق التام، فهي لا تهدف الى الدعاية لنفسها ولا الى تحقيق مكسب مادي، بل ربما وجدتها فرصة سانحة للحديث عن الكثير مما يثقل كاهلها، فبرغم اعوامها التي لم تصل بعد الى العشرين، فقد مرت بتجارب ومحن حفرت بصماتها على شخصيتها، لتصبح اكبر من عمرها بكثير، ومنحتها نضجا قبل الاوان، ويظهر ذلك في تقييمها للامور ونظرتها المتأنية وشعورها الكبير بالمسؤولية تجاه نفسها ووالدتها ومستقبلها.