أندريا بوتشيللي يؤدي «آلام فيرتر»

إصدار أوبرالي لرائعة غوته

TT

«آلام الشاب فيرتر» التي وضعها شاعر الرومانتيكية الألمانية غوته (1749 ـ 1883) أشهر من أن تُعرّف، حتى في العربية. كتبها الشاعر عام 1774، أي في مرحلة شبابه الأولى. ويكمن سر شهرتها آنذاك في أن بطلها الشاب، الذي أحب شارلوت وانتحر، كان تجسيداً لحساسية جديدة لدى البطل الرومانتيكي، الذي بدأ عصره مع منتصف القرن الثامن عشر. فالرومانتيكية تحتفي على يد غوته بمفهوم جديد للبطل، تلغي شخصية الفارس الشجاع والمقاتل الجريء، وتقدم بدله الانسان ذا المشاعر. تلغي أرستقراطية الجسد وتقدم أرستقراطية الروح.

في عام 1772 كان غوته، الذي لم يتجاوز الثالثة والعشرين، ضحية حب لامرأة تدعى شارلوتي بوف تزوجت من آخر يدعى كيستنر. ولقد حدث أن صديقاً لهما أحب امرأة متزوجة وانتحر بسلاح استعاره من كيستنر. الشاعر غوته انتفع من الحدثين، الى جانب لوعات روحه الخائبة. حتى أنه استخدم ذات الرسالة التي خلفها الصديق المنتحر في نص روايته.

هذه الرواية ذات البطل الدرامي مقاربة للشعر، والعواطف الصارخة فيها تجعلها جاهزة للانتفاع الموسيقي. الموسيقي ماسينيه (1842 ـ 1912)، الذي كان أبرز فرنسي في انعطافة القرن، انصرف كل حياته للتأليف الأوبرالي، وخلف عددا كبيرا من الأعمال الأوبرالية، لعل «فيرتر» Werther أبرزها، بعد أوبرا «مانون» Manon. ومع أن أوبرا فيرتر لم تُقبل أول الأمر في دار أوبرا كوميك الباريسية، إلا أنها بعد سنوات خمس حققت نجاحا كبيراً.

الأحداث يسيرة، ومحدودة الشخوص. فيرتر السوداوي يلتقي شارلوت الوديعة الحانية، والمخطوبة من ألبيرت، بفعل وصية من والدتها المتوفاة. يؤخذ بوداعتها، وبمشاعر حب غامضة تفيض في داخله. حب مشوب بالرغبة بالتلاشي داخل الحلم. في الفصل الثالث من الأوبرا يغني نصاً شعريا كان ترجمه من القصيدة الرومانتيكية الاسكتلندية الشائعة آنذاك: «أغنية أوسيان»:

«لمَ أيقظتِني يا أنفاس الربيع؟

على جبيني أحس لمستك الحانية، فيما يبدو زمن العاصفة والأحزان وشيكاً! لمَ أيقظتني يا أنفاس الربيع؟

وغداً سيأتي المهاجر الذي يستعيد مجدي الآفل، وعبثاً ستبحث عيناه عن ألقي:

حيث لا شيء غير الندب واليأس!..» الأغنية واحدة من أجمل ألحان هذه الأوبرا. ومركزية في التجاذب بين الحلم واليأس. موسيقى ماسينيه غنية الألحان، حتى ليغلب جمال الألحان فيها على غنى العواطف. ولكن هذه الأوبرا ملتهبة العواطف حقا، خاصة في الإصدار الجديد الذي خرج عن دار DECCA الشهيرة. ورائع أن يعيد أحدنا سماع أغنية فيرتر في الفصل الثاني: «لو أني أملك أن أحتضن في الصدر/ المخلوق الأحب الذي أحسن الله خلقه...» مرات عديدة.

امتياز هذا الإصدار أن دور البطولة فيه أوكل للمغني التينور الإيطالي الأصل، والمقيم في أمريكا: أندريا بوتشيللي، وهو أعمى، مما عزز من شهرته العالمية بالتأكيد. على أن صوته غاية في القوة، واللمسة الإيطالية العاطفية والصفاء. تشاركه في دور شارلوت السوبرانو جوليا غيرتسيفا.

* Massenet: Werther (DECCA)