حاول الرئيسان الراحلان ترسيخ انفراج لم يدم طويلا..؟!

أسترالي يدرس الرسائل المتبادلة بين كنيدي وعبد الناصر

TT

هذا الكتاب الذي صدر مؤخراً باللغتين العربية والإنجليزية عن «منشورات الندى» في ملبورن ونقل نصه الإنجليزي إلى اللغة العربية الدكتور أنيس مرسي، هو في الأصل أطروحة جامعية نال عليها الباحث وليام ييتس شهادة الدكتوراه من قسم العلوم السياسية الدولية في جامعة ملبورن. وهي تبحث في تطور السياسة الخارجية للولايات المتحدة من خلال الوضع المتغير في الشرق الأوسط لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية،

ذلك الوضع الذي تذهب الرسالة إلى أنه أدى إلى انفراج حاول ترسيخه كل من الرئيس جون كنيدي والرئيس جمال عبد الناصر. كما ان الأطروحة تحلل مجريات العلاقة بين الرئيسين الراحلين، والتغييرات التي حصلت في سياستهما الخارجية، وما لرسائلهما المتبادلة من وثيق الصلة. وكان الباحث قد حصل على منحة للبحث في مكتبة كنيدي، حيث استطاع الاطلاع بدقة على ملفات ومحفوظات المكتبة من موضوعات تتعلق بالرئيسين الراحلين.

تلفت الأطروحة الانتباه إلى دور الفرد في الشؤون الدولية من خلال تسجيل تفصيلي لما قام به كاتبها مع كنيدي وعبد الناصر عندما كان عضواً في مجلس العموم البريطاني. وهو يقول إن الدور الذي يلعبه الأفراد موضوع ذو أهمية أكاديمية وسياسية وتاريخية. وبعد أن يشير الكاتب إلى نقاشاته شخصياً أثناء عمله في قضايا دولية مختلفة، يعود ليستذكر نشاطات ثلاثة من الأشخاص خلال تلك الفترة هم: السيد أدي جاكوبسون، والقس جودا ناديتش، وآيب فريدمان، وعلاقاتهم بالرؤساء الأمريكيين الثلاثة ترومان وأيزنهاور وكنيدي، وتأثيرهم على الشؤون الدولية وسياسات ووجهات نظر الرؤساء الأمريكيين المذكورين.

وقد جاءت هذه الأطروحة بسبعة فصول، يتحدث الباحث في أولها عن الخلفية الأساسية لحرب عام 1948 ومشكلة فلسطين، فيتناول تاريخ تأسيس دولة إسرائيل على أرض فلسطين العربية، ودور الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، ثم يحلل السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، بما فيها مبدأ أيزنهاور والاهتمام الذي أبدته الولايات المتحدة بإسرائيل الوليدة ويبحث في تأثيرها السياسي على علاقة كنيدي ـ عبد الناصر. وتتمحور السياسات المذكورة حول أربع مشاكل محددة هي: احتياجات ثلاثمائة ألف لاجئ عربي فلسطيني، وخطط تقاسم مياه نهر الأردن بين إسرائيل والدول العربية، والوضع الدولي لمدينة القدس والمناطق المحيطة بما فيها بيت لحم.

وكذلك مشكلة تهديد إسرائيل ومصر بتصنيع أسلحة دمار شامل في الشرق الأوسط.

ويناقش هذا الفصل اللقاء الأول بين الرئيس كنيدي وبن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل في نيويورك عام 1961، وكذلك بعثة ماكلوي في عام 1963 وردات فعل عبد الناصر. ويتطرق الفصل الثاني إلى الضغوطات السياسية المحلية في كل من الولايات المتحدة ومصر وتأثيرها على علاقة كنيدي وعبد الناصر. ويرى الكتاب أن هنالك أربع مجموعات ضغط سياسية واقتصادية أثرت على صياغة سياسة كنيدي الخارجية في الشرق الأوسط، هي لجنة الشؤون الخارجية وأعضاؤها الجمهوريون بمن فيهم المجموعة الصهيونية والـ «سي.آي.إيه» في نشاطها لاحتواء تأثير الاتحاد السوفييتي السابق في المنطقة، والتكتل النفطي العالمي، واعتماد الحزب الديمقراطي على تمويل هيئة المحلفين الأمريكيين، ويناقش هذا الفصل السبل التي عملت هذه القوى من خلالها.

أما بالنسبة لمصر فيشير الباحث إلى أن قيادة عبد الناصر غيرت البنية الأساسية للاقتصاد المصري الحر، إذ قررت فرض الاشتراكية بقرار جمهوري بدلاً عن الاقتصاد الحر، الأمر الذي عنى تأميم الشركات الرئيسية وإعادة تنظيمها كي تتطابق مع مبادئ الاقتصاد الاشتراكي المؤمم وإصلاح ملكية الأراضي. ويدرس هذا الفصل بعناية كيف أدت سياسة عبد الناصر إلى عداء واستياء القطاع العام وقطاع التجارة الخاص والإقطاعيين الأغنياء من هذه التغييرات. كما يشير الباحث إلى أنه مما أثار حفيظة الاخوان المسلمين خطط عبد الناصر في تحويل مصر إلى دولة علمانية حديثة، وخطبه الداعية إلى تحرير المرأة المصرية والحاجة إلى تخطيط الأسرة.

وجاء الفصل الثالث ليبحث في محاولة الرئيس كنيدي إقامة علاقات سياسية وصداقة شخصية مع عبد الناصر كجزء من سياسته العامة لحل مسألة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، الأمر الذي تم تفسيره من خلال مراسلاتهما الشخصية. فلقد قرر كنيدي إرسال ممثليه الشخصيين لمقابلة عبد الناصر، وحتى انه حاول الترتيب لزيارة شخصية لعبد الناصر إلى البيت الأبيض.

ومن الناحية الثقافية فإن الرئيس عبد الناصر كان قد دعا كنيدي لحضور افتتاح حفل الصوت والضوء _Son et lumiere_في الجيزة عام 1961، كما خطط كنيدي من خلال مجلس الشيوخ لتقديم المساعدة المالية إلى مصر لإنقاذ تماثيل النيل في معبد أبو سنبل.

أما الفصل الرابع فقد تمحور حول صراع قوى الحرب الباردة والتأثير على علاقة كنيدي وعبد الناصر، لافتاً الانتباه إلى حقيقة أساسية مفادها أن كلاً من الرئيسين كنيدي وعبد الناصر وجدا نفسيهما مقيدين في صياغة سياسات جديدة للشرق الأوسط، وذلك بسبب الضغط العالمي الواسع لصراع قوى الحرب الباردة بين رأسمالية الولايات المتحدة والشيوعية السوفيتية. ويناقش الباحث في هذا الفصل المواقف التي كانت قد تبنتها القوى الغربية، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، من وجوب استثناء الاتحاد السوفييتي من المفاوضات والنقاشات المتعلقة بمشاكل الشرق الأوسط.

وتاريخياً، يذهب الباحث إلى أن ما قام به عبد الناصر من تأميم لقناة السويس في 26 يوليو (تموز) من عام 1956، وحصوله على أسلحة من الاتحاد السوفيتي عبر تشيكوسلوفاكيا، أحبط هذه السياسة الغربية، إذ انها فتحت الطريق أمام الاتحاد السوفييتي لبسط نفوذه في الشرق الأوسط وسحب أميركا وبريطانيا لتمويلهما لسد أسوان العالي بغية الضغط على عبد الناصر، إلا أن ذلك، وبالمقابل، منح الاتحاد السوفييتي الفرصة لدعم ضغطه السياسي على الرئيس عبد الناصر عندما قدم له الدعم المادي الذي كان يحتاج إليه.

وبعد أن يؤكد الباحث أنه من الضروري عند تفحص حالة الحرب الباردة الأخذ بنظر الاعتبار سقوط حلف بغداد ومبدأ أيزنهاور، يناقش عدة قضايا منها: أزمة قناة السويس وتأثيرها المستمر بناءً على بنود الاتفاقيات السرية بين فرنسا وإسرائيل ـ سياسات دول عدم الانحياز التي تمت صياغتها في مؤتمر باندونغ ـ معركة الحرب الباردة السرية بين الـ «سي.آي.أيه» والـ «كي. جي. بي» في الشرق الأوسط ـ أزمة الصواريخ في برلين وكوبا.

ويتطرق الباحث في الفصل الخامس إلى مشاكل المخابرات الأمريكية والبريطانية في مصر، ويتحدث في هذا الإطار عن سجن جاسوسين بريطانيين (جيمس سوينبيرن وجيمس زراب) في عام 1956، وعن محاولته مع عبد الناصر لإطلاق سراحهما في نوفمبر / تشرين الثاني عام 1957، كما يوجز هذا الفصل المحاولات التي تمت بمساعدة محافظ الحكومة السويسرية والسيد صلاح دسوقي نائب وزير الداخلية، الذي أصبح محافظاً للقاهرة فيما بعد. ويكرس الباحث الفصل السادس للحديث عن علاقة كنيدي/عبد الناصر والصراع في اليمن، ثم ينتقل في الفصل السابع والأخير إلى الحديث عن دور الفرد في العلاقات الدولية، وهذا موضوع أكاديمي عريض وذو مصلحة سياسية وتاريخية، ولكي يتم التكيف مع الإطار الزمني الذي كتبت فيه هذه الأطروحة فلقد تم اختيار ثلاثة أشخاص ومدى تأثيرهم على سياسات ثلاثة رؤساء أمريكيين فيما يتعلق بإسرائيل مما ورد ذكره سابقاً.