1400 «حجاب» و«تعويذة» برسم الانثروبولوجيين العرب

مجموعة في جامعة بير زيت لا تقدر بثمن

TT

توفيق كنعان (1882 ـ 1964م)، رائد حقيقي في الفلكلور الفلسطيني والعربي،

جمع بين مهنته كطبيب وكناشط سياسي ضد الانتداب البريطاني على فلسطين، وكونه باحثا علميا مهما في التراث. إضافة إلى كتبه الهامة التي ألفها بلغات أجنبية، خلّف وراءه مجموعة من «الأحجبة» و«التعاويذ» التي جمعها أثناء تجواله في المنطقة،

هي اليوم من فرائد ما يمكن دراسته والاطلاع عليه، مجموعة ثمينة سلّمت

إلى جامعة «بير زيت»، وعرضت بإشراف «المتحف الإسلامي» في برلين.

ولد الدكتور كنعان في مدينة بيت جالا، جنوب القدس، ابنا لراعي الطائفة اللوثرية في المدينة، الذي ينحدر من إحدى العائلات اللبنانية. درس في الجامعة الأميركية في بيروت، وتزوج من فتاة ألمانية بطريقة تقليدية، وتعرض للاعتقال مع زوجته وشقيقته على يد الاحتلال البريطاني. وكانت تجربة الاعتقال، محنة كبيرة للعائلة، ولاحقته في ما بعد تهمة التعامل مع النازية التي وجهت له وكانت سببا في اعتقاله.

بيت يحترق

* وقدر لكنعان أن يعيش تجربة قاسية جدا، مع اندلاع المواجهات بين المقاومة العربية والعصابات اليهودية عام 1948م، واضطر أن ينزح عن منزله الذي بناه في حي المصرارة بالقدس، الواقع على خطوط التماس بين الجانبين إلى البلدة القديمة في القدس. وكان يتسلق وزوجته سور المدينة المقدسة كل يوم ليطل على منزله الذي يتعرض للنهب على يد التنظيمات اليهودية، من دون أن يستطيع فعل شيء، ومن بين المنهوبات مكتبته ومخطوطات لكتب لم يصدرها، وربما كان الأكثر إيلاما له عندما شهد كيف تم حرق منزله أمام عينيه.

في مجال التأليف صدرت له عدة كتب وأبحاث نشرت باللغات الأجنبية، ولم يترجم منها للعربية إلا القليل، منها: «المعتقدات الغيبية والطب الشعبي في ارض الكتاب المقدس»، «طاسة الرجفة»، «فولكلور البتراء»،

«النباتات في الخرافة الفلسطينية»، «المعتقدات الشعبية حول الماء والآبار والينابيع»، «قضية عرب فلسطين».

وربما من أهم نشاطه في مجال الفلكلور هو اهتمامه بالحجب الفلسطينية حيث جمع، ما بين عامي 1905 و1946، مجموعة كبيرة ومتنوعة وثرية منها خلال عمله كطبيب، وتنقله في الريف الفلسطيني وعددها نحو 1400 قطعة. وفي عام 1996 أهدت عائلته، هذه المجموعة النادرة والتي لا تقدر بثمن، إلى جامعة بير زيت التي اهتمت بها وخصصت لها مكانا خاصا، ونظمت معرضا لها بإشراف جيزيلا هيلميكة من «المتحف الإسلامي» في برلين. وكانت العائلة بذلك تنفذ وصية كنعان بأن تبقى مجموعة الحجب هذه في فلسطين، وأصدرت الجامعة كاتالوجا عنها حررته السيدة وسام عبد الله، وساهم فيه كل من: خالد الناشف، وفيرا تماري، وليلى منطورة، وجيزيلا هيلميكة.

أفاع وذئاب وأنياب

* ووفقا لهذا الكاتالوج فانه يمكن تقسيم هذه الحجب إلى:

* حماية ضد القرينة، وتضم 28 قطعة متنوعة ذهبية وفضية ورصاصية، بالإضافة إلى أشياء استخدمت كحجب مثل جزء علوي من عظمة مفصل حيوان، وجزء علوي من جسم أفعى صغيرة مع الرأس، ومنقار شنار (طائر شائع في فلسطين)، وفروة قنفذ تعلق على سرير وقشرة حامض مجففة تعلق على سرير طفل وغيرها.

* حماية عامة، وتضم قطعا عديدة، مثل سوار فضي عليه نقوش ودناديش وعلب مربعة مستطيلة وسلاسل.

* حماية الأطفال، وتضم بيت سلحفاة، يعلق فوق المهد ضد الجن، ونابا ذئب مجموعان باسطوانة من الفضة، ونابا ذئب على شكل هلال، وحجر اسود له 12 زاوية وقطع أخرى.

* تسهيل الولادة العسرة، ويضم صحنا ابيض، فيه كتابة عبارة عن مربع سحري، وهناك صحن ابيض حوافه حمراء، وفيها مربع سحري أيضا، ومشط من العاج بحافتين، وقطع أخرى.

* نذور، ويضم قطعة فضة مطروقة على شكل قدم، وقطعة أخرى مطروقة على شكل عين، وثالثة مطروقة على شكل قلب، وحبيبات على الأطراف وفي الوسط شكل صليب.

* حماية من عين الحسود، ويضم حجبا كثيرة مثل زوج من الخرزات الزجاجية الذي يسمى (عين الجمل)، وخرزات أخرى تسمى عين الديك، وأوعية مختلفة للتعاويذ، وفرعا من شجرة الميس، اخذ من شجرة ميس من الحرم القدسي ليلة القدر، وحجبا أخرى.

* حماية من الروح الشريرة، وتضم قطعة فضية عليها نقش عبري، وزوج من الأقراط، ودناديش، وسلاسل، وقطعا من الخرز الأزرق، وأختاما، وخرزة النفس وهي خرزة حجرية بيضاوية مثقوبة، وخرزة أخرى تسمى خرزة النفس عبارة عن حجر عقيق.

* حلي لها خواص الحجب، وتضم سلاسل عنق، وخرزات متنوعة ومختلفة الأشكال، وحجر النبي موسى، وأقراصا فضية، وأقراطا ذهبية، وأختاما متنوعة.

* الشفاء من الأمراض، وتضم أنواعا مختلفة مما يسمى هنا طاسة الرجفة، وإحدى هذه الطاسات عبارة عن نحاس فيها نتوء في القعر، منقوشة من الداخل بتقاطعات هندسية وآيات من القرآن، وعلى الحافة أسماء الائمة الاثني عشر، وبالإضافة إلى طاسات الرجفة توجد صحون أخرى منقوش عليها آيات قرآنية، وأحجار عديدة وخرز وغير ذلك.

* التعاويذ وشهادات الحج، وتضم أحجبة وتعاويذ مليئة بالرموز مثل السيوف والأسماء والزواحف، وما يلفت الانتباه هو ما يسمى شهادات الحج، التي يبدو أن زائري الديار الحجازية كانوا يحصلون عليها في نهاية زيارتهم لإثبات أدائهم لفريضة الحج. وتضم الشهادة اسم الحاج، وانه أدى مناسك الحج كاملة بتوقيع ثلاثة شهود، وتحوي صورا للاماكن المقدسة، وهناك شهادات لمن حج إلى القدس تحوي صور أماكنها المقدسة معرف بها باللغة العربية، والغريب وجود تعريفات باللغة العبرية أيضا.

ويمكن أن تقدم مجموعة الحجب هذه خدمة كبيرة للباحثين العرب، خصوصا وأنها تتقاطع مع دول أخرى غير فلسطين، فبعضها جلبه كنعان من حلب كالصفائح الفضية، وأخرى عبارة عن تعاويذ مطبوعة من مصر، وحجب من عمان، ودمشق، ومكة، واليمن، والمدينة المنورة، وبخارى، والمغرب والعراق، وجبل اثوس، والنمسا، والحبشة، وإيران، والهند، واستنبول، واليونان، ووصلت إلى فلسطين عن طريق سياح وحجاج من هذه البلدان أو جلبها فلسطينيون في رحلات الحج إلى الخارج.