عرض مسرحي فاتر لم يضف كثيرا لبطله ومخرجه نور الشريف

«الأميرة والصعلوك» على خشبة المسرح القومي بالقاهرة

TT

من العبث أن نأتي اليوم لنناقش حجم موهبة الفنان نور الشريف كممثل، وأيضا كمخرج مسرحي، وهو الذي يضع جهده في الرؤية الإبداعية للعروض المسرحية التي يشارك فيها كممثل، دون أن يضع اسمه كمخرج، وكل من يعرف كواليس الأعمال المسرحية، يدرك أنه كثيرا ما ضحى، خاصة في السنوات الأخيرة، ليظهر العرض المسرحي بصورة مشرفة، حتى وإن نسبت مجهوداته إلى غيره من الأسماء اللامعة.

تفاءلنا خيرا قبل مشاهدتنا العرض المسرحي الجديد «الأميرة والصعلوك»، على خشبة «المسرح القومي»، لأن الفنان نور الشريف في هذه المرة هو بطل العرض والمخرج الصريح في نفس الوقت، ويعمل على خشبة أعرق مسارح الدولة.. لكننا سرعان ما اكتشفنا أن هناك عدة جوانب سلبية جوهرية في العرض، ليبتعد كثيرا عن العرض المتميز «يا مسافر وحدك» الذي قدمه نور الشريف على خشبة المسرح القومي أيضاً، منذ سنوات.

في البداية نقول إن أهم نقاط ضعف هذا العرض هي النص المسرحي للمؤلف ألفريد فرج، الذي استلهمه كعادته من حكايات ألف ليلة وليلة، لكن الاستلهام هذه المرة كانت تشوبه مشكلة أساسية وهي عدم تحديد موضوع القصة التي نراها. فعلى مدى ساعتين ويزيد شاهدنا عرضا مسرحيا بطله حسن (نور الشريف) ناسخ الكتب الذي تطارده الشرطة خاصة أنه يضيف إلى كتاب ألف ليلة وليلة أشعار الغزل الماجنة، فيتفق مع صديقه على (يوسف إسماعيل) على حيلة للهروب من الشرطة، تتمثل في استبدال ملابسه الأنيقة بملابس متسول السوق (سعيد الصالح) الذي يبدو أن ملابسه كانت نظيفة أكثر من اللازم. ثم يتغير مصير المتسول الجديد تماما عندما تمر به الأمــيرة الجميـــلة (منال سلامة) وتختاره زوجا لها بمحض الصدفة، فقط من أجل أن تنتقم من زوجها السابق الأمير صقر (فاروق عيطة) الذي خانها مع خادمة. وطبقا لمنطق حكايات ألف ليلة وليلة التي تعتمد على السؤال الشهير «وكيف كان ذلك ؟!»، سمح المؤلف والمخرج لبعض الحكايات الجانبية بالتداخل مع الحكاية الأصلية ولا مانع بالطبع من استخدام الإنس والجن وانفتاح حدود الخيال طبقا لقانون الليالي الشهير، مع استبدال صوت شهرزاد أشهر راوية لحكايات «ألف ليلة وليلة» بصوت حسن الذي يروى صوتيا بدون ظهوره، هذه الحكايات القصيرة المتقاطعة بطريقته ليستخلص العظة والعبرة، بينما يقوم ممثلون من الشباب بتمثيلها اعتمادا على الأداء الحركي المجسم. وعندما يطلق الغرام سهامه في قلب الأميرة والمتسول المتخفي، نكتشف في النهاية أنه كان يحلم وأن الأميرة زمردة المزعومة لقيت حتفها، هي وجواريها داخل القصر المحترق، منذ مائتي وخمسين عاما، بعد هزيمة والدها في المعركة ورفضها الخضوع لصقر وسبيها جارية.

انتهى العرض ولم نعرف هل يناقش المخرج قهر الثقافة والمثقفين والناسخين وكل من له علاقة بالخيال والإبداع، هل يطرح المؤلف رؤيته للحب العظيم الذي يولد في الأحلام، وربما يتحول من وجهة نظر صاحبه إلى أمل يعيش عليه؟ الحقيقة أن العرض المسرحي الذي شاهدناه لم يركز على الخط الأول من الأساس رغم أهميته الكبيرة واتساع منظوره لو استغله كيفما يشاء، بينما ذهبت قضية الحب في مهب الريح، بعدما أثقلها المخرج بالعديد من الحكايات الفرعية غير المسلية أو الممتعة بلغة ومفهوم ألف ليلة وليلة، كما جاء تنفيذها ضعيفا لم يتعامل مع انفراجه الخيال بالشكل المطلوب، ولم يقدم إبداعا مسرحيا متميزا حتى على المستوى الكلاسيكي أو المقولب المحفوظ، إذا شيءنا الدقة. كما أن قضية الحب نفسها بين الأميرة والمتسول لم تخضع للتأويل والتفسير فتضاءلت إلى مجرد حكاية عادية جدا من حكايات الحب الشعبية، وليست حكايات الحب الشهيرة المؤثرة في ألف ليلة وليلة. وقد ساعد على ذلك بطء الإيقاع الداخلي الذي سيطر على مجريات العرض وقيد روحه، نقصد هنا البطء في فكر العرض ذاته، وتنفيذ آلياته التي حيرتنا كثيرا. فعلى سبيل المثال، نجد أن الحركة المصممة على خشبة المسرح المتسع فاقدة للمدلولات والإحالات، ولم تكن إلا مشاوير قصيرة يقطعها الممثلون على الخشبة ذهابا وإيابا دون ضرورة لذلك. وقد ساعد على الإحساس بسجن الحركة السينوغرافيا المستخدمة، بدءا من ديكور صلاح حافظ الذي استفاض في وضع البلوكات الاستاتيكية الخالية من الجماليات على خلفية خشبة المسرح اذ اكتست جميعها بلون بنى قاتم دون سبب ما، وهو ما أدى إلى احتلال حوالي ثلث خشبة المسرح القومي العميقة العريقة ليتبقى لحركة الممثلين بقية الفراغ المحيط، لكنه مع ذلك ازداد ضيقا واختناقا مرة أخرى عندما أصر المخرج على الاحتفاظ بالحركة أمام هذه البلوكات تماما تاركا مساحة مقدمة المسرح كأقرب نقطة للجمهور التي نادرا ما استخدمها; رغم أنه يطرح أولا وأخيرا حكايات ألف ليلة وليلة بما يعنى أنها فرجة شعبية حميمية خالصة في المقام الأول. وإذا كانت أشعار كوثر مصطفى واستعراضات محمد شفيق لا محل لهما من الإعراب ولا علاقة لهما أصلا بالدراما المقدمة أيا كانت أو حتى باللحظة التي يتدخلان فيها وكان يمكن ببساطة الاستغناء عنهما تماما لتحقيق صالح العرض، فقد جاء تصميم إضاءة نانسي عبد الفتاح تقليديا مرة ومحيرا مرة ومعاكسا مرات. مثلما استخدمت لمشهد الغرام بين حسن والأميرة إضاءة بيضاء شاحبة تحمل درجة شمعية غريبة اتحدت مع ملابس الممثلين البيضاء، وتحولت بمرور الوقت إلى مصدر للإحساس بالانقباض واللاتوازن خاصة مع طول زمن المشهد، رغم أنها من المفترض أن تكون لحظة ساخنة متقلبة ممتدة عبر الزمان والمكان والتقاليد; خاصة أن الأميرة لم تكن في هذا الوقت قد عرفت حقيقة حسن ناسخ الكتب.. ربما كانت موسيقى زياد الطويل ودندنة الكمانجات المستمرة التي استخدمها المخرج صراحة بصوت عال أو واراها في الخلفية البعيدة أثناء أداء المشاهد من أفضل عناصر هذا العرض، ويقابلها على النقيض أداء الممثلين المتكلف المفتعل الذي يعلن دائما أن هناك من يقصد ممارسة فعل التمثيل الآن على خشبة المسرح يكتفي في تعامله مع الأحاسيس والمواقف بالقشور مستخدما الأقنعة المحفوظة والكليشيهات التقليدية جدا الجاهزة التي عفى عليها الزمان.