ستة مخاطر كبرى تهدد البشرية

كتاب جماعي فرنسي يدق ناقوس الخطر

TT

ساهم في تأليف هذا الكتاب الجماعي المهم العديد من الخبراء والأكاديميين والسياسيين السابقين في فرنسا. نذكر من بينهم هوبير فيدرين وزير الخارجية الأسبق في عهد ميتران وجوسبان.. وقد تحدث عن مدى قوة الولايات المتحدة أين تتوقف حدودها أو حدود استفرادها بمقدرات العالم. ونذكر ايضا الباحث والمؤرخ فرانسوا كزافييه تريفان المختص بشؤون الشرق الأوسط. وقد طرح بعض الافكار للخروج

من أزمة الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي وانسداده.

لنتوقف أولاً عند القسم الأول والأهم من هذا الكتاب الذي حرره المشرفان عليه بول كيليس واليكسندرا نوفو سيلوف. وهو مؤلف من فصلين أساسيين: الاول يتحدث عن الموضوع التالي أو بالاحرى يجيب على السؤال التالي: كيف نفهم العالم الذي نعيش فيه؟ وهنا يتحدث المؤلفان عن العولمة التي لا مفر منها والتي اصبحت تسود العالم حالياً، ثم يتحدثان بعدئذ مباشرة عن القوى الكبرى التي تمسك بمصير العالم ومدى حجم كل منها. وبعدئذ يعددان لنا المخاطر والاضطرابات العنيفة التي تهدد توازن العالم واستقراره.

واما الفصل الثاني فيطرح الحلول والعلاجات لهذه المخاطر. وهنا نجد عدة فقرات مهمة تحتوي على مقترحات دقيقة لمواجهة الفوضى العالمية الشاملة التي تحيط بنا. فهناك فقرة تشرح لنا كيف يمكن ان نتدارك الأزمات الحربية ونبني السلام. وبعدها تجيء فقرة توضح لنا كيف يمكن ان نواجه الإرهاب الأعمى وننتصر عليه؟

لكن لندخل في التفاصيل. ينبغي العلم بأن الولايات المتحدة الاميركية هي التي تسيطر على النظام العالمي اليوم. وسيطرتها قديمة على الصعيدين الاقتصادي والمالي. ولكن سيطرتها السياسية شبه المطلقة لم تتحقق إلا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1989م والآن اصبحت اميركا تهيمن على العالم في المجالات الاساسية التالية: المجال العسكري، الاقتصادي، العلمي، والفني ـ الثقافي.

ثم يردف المؤلفان قائلين: لا ريب في ان الاتحاد الاوروبي واليابان يستطيعان منافسة الولايات المتحدة على الصعيدين الاقتصادي والعلمي. ولكن المشكلة هي انه ضمن سياق العولمة الرأسمالية الحالية فانهما لا يمتلكان نفس مقدرة اميركا على نشر نموذجهما الاجتماعي عبر العالم. فهي تسيطر على قنوات الاتصال ووسائل الاعلام اكثر منهما.

اما على الصعيد العسكري فوحدها روسيا تستطيع ان تنافس اميركا ولو قليلاً بفضل ترسانتها النووية الموروثة عن أيام الاتحاد السوفياتي. ولكن قواتها العسكرية الكلاسيكية لا يمكن ان تقارن من حيث التجهيز والفعالية بالقوات العسكرية الاميركية. يضاف الى ذلك ان الموارد الاقتصادية لروسيا ضعيفة ولا تسمح لها ببناء جيش كما يفعل الاميركان.

أما الصين فهي تشهد حاليا نمواً اقتصاديا لا مثيل له ولكن هذا النمو لا يتيح لها حتى الآن ان تنافس اميركا إلا في المجالين الاقتصادي والتجاري فقوتها العسكرية لا تزال محدودة الاهمية بالقياس إلى القوة العسكرية الاميركية بل وحتى قوتها الاقتصادية والتكنولوجية لا تزال محدودة بالقياس الى العملاق الاميركي.

في الواقع ان الارقام التالية تكفي للبرهنة على هيمنة اميركا على العالم. فهي تصرف مبلغ (450) مليار دولار على ميزانية الدفاع لعام 2005م! هذا في حين ان القوى العظمى الأخرى مجتمعة لا تستطيع ان تصرف على جيوشها اكثر من (270) مليار دولار: وهذه الدول هي التالية: بريطانيا، فرنسا، المانيا، اليابان، روسيا، الصين. وهكذا اذا ما وضعنا كل دول العالم الكبرى في ناحية، واميركا في ناحية اخرى فان اميركا تغلبها لا محالة. فما بالك بالدول الصغرى اذن؟ انها لا شيء بالقياس الى اميركا. واما فيما يخص القوة الاقتصادية فان اميركا تملك لوحدها ثلث ثروات العالم او بالاحرى 30% منها. وفي الماضي، اي بعد الحرب العالمية الثانية، كانت تملك 50%... والدولار هو العملة الوحيدة التي تتمتع بكل ميزات العملة العالمية.

واما فيما يخص البحث العلمي والتكنولوجي المتقدم فان اميركا تنال قصب السبق أيضاً يجيء بعدها مباشرة اليابان والاتحاد الاوروبي.

ولكنها صرفت على البحث العلمي عام 2001م مبلغاً يعادل ما صرفته اليابان واوروبا معاً (240) مليار دولار. اذا ما أخذنا هذه المعطيات بعين الاعتبار فهمنا لماذا ان اميركا تنال 70% من جوائز نوبل في مجال الفيزياء والطب والبيولوجيا وكل البحوث العلمية الاكثر تقدماً وأما في مجالي الفنون والموسيقى وبالأخص السينما فهيمنتها شبه مطلقة.

ولكن هل يعني ذلك ان اميركا تستطيع ان تفعل كل شيء في العالم؟ بالطبع لا. فهي مضطرة لأن تأخذ موقف القوى الاخرى بعين الاعتبار وبخاصة الاتحاد الاوروبي، وروسيا، والصين، واليابان، وربما الى حد ما الهند، وقد اخذت تراعي ايضا موقف البرازيل والمكسيك بصفتهما قوتين صاعدتين في اميركا اللاتينية، اي في جوارها.

وبالتالي فإن العالم المتعدد الاقطاب سوف يظهر اكثر فاكثر لاحقا. وهذا ما سيؤدي الى تحجيم القوة الاميركية، ولكن المراقبين لا يتوقعون حصول ذلك قبل عشرين او ثلاثين سنة عندما تصبح الصين قوة عظمى بالفعل، قوة يحسب لها حساب.

ثم يطرح الكتاب السؤال التالي: ما هي المخاطر الاساسية التي تتهدد استقرار العالم ومصيره؟ ويجيب على ذلك قائلا: انها ستة مخاطر. اولها الحروب التي قد تندلع بين الدول، وثانيها الحروب الاهلية التي تندلع داخل الدول، وثالثها المجازر الكبرى التي تنتهك حقوق الانسان بشكل صارخ، ورابعها الفقر والحرمان، وخامسها الامراض المعدية كالايدز وسواه بالاضافة الى تدهور اوضاع الطقس والبيئة، وسادسها الارهاب وانتشار اسلحة الدمار الشامل من كيميائية وبيولوجية وذرية هذا بالاضافة الى انتشار الجريمة المنظمة.

فيما يخص الخطر الارهابي يقول الكتاب بانه، اصبح عالميا، او معولما، وهذا يعني انه لم يعد محصورا بأرض معينة او وطن محدد وانما اصبح منتشرا في العالم كله. فارهاب القاعدة لا مثيل له في التاريخ لأنه لا يدافع عن قضية قومية كمنظمة «الايتا» الباسكية مثلا، او الجيش الجمهوري الايرلندي، ولا يمكن اعتباره كحركة تحرر وطنية تناضل ضد الاحتلال كحماس الفلسطينية، او حزب الله اللبناني، او حركة المقاومة الشيشانية.

اما منظمة «القاعدة» فتستخدم الدين كواجهة من اجل التوصل الى مآربها السياسية الا وهي: زعزعة الدول العربية والدول الغربية في آن معا. فهي عبارة عن حركة اصولية جديدة مهووسة بالعودة الى الوراء وتجميد الزمن والقرون عند لحظة معينة. انها تختزل الدين الى مجرد طقوس وشعائر وألبسة ومحظورات وممنوعات. وهذا يعني انها تفسر النصوص المقدسة بشكل حرفي جامد ومضاد لمقاصدها الحقيقية في احيان كثيرة. وبالتالي «فالقاعدة» تشبه تلك الطوائف الغريبة الشكل التي انتشرت كالفطر في مجتمعات الغرب سابقا وادت الى عمليات انتحار جماعية. فأمير الطائفة في «مون» او سواها من الحركات الشاذة عندما يقول لأتباعه بان نهاية العالم قد اقتربت وانه يفضل ان ينتحروا لكي يسبقوا الآخرين الى ملكوت الله، فإنهم ينتحرون، وبشكل جماعي. وكذلك الأمر فعندما يأمر أمير الجماعة الاسلامية اتباعه بالقيام بعمليات انتحارية ضد اهداف معينة في العراق او لندن او شرم الشيخ فإنهم ينتحرون عن طيبة خاطر أملا بالحصول على مقعد في الجنة!

وبالتالي فمنظمة القاعدة شذوذ على الاسلام وخروج على الفهم الصحيح والقويم له. وقد شوهته واساءت اليه اكثر مما اساء اليه كل اعدائه مجتمعين وعلى مدار القرون. والشيء اللافت للانتباه هو ان الارهاب كان في السابق يساريا او ماركسيا متطرفا، ولكنه الآن، اصبح من فعل الجماعات المتعصبة دينيا. ففي عام 1980 مثلا كانت نسبة الاعمال الارهابية ذات الباعث الديني لا تتجاوز %3، ثم تزايدت بعد ذلك لكي تصبح %25 عام 1992، ثم %40 عام 2000، وهذا دليل على اننا دخلنا في مرحلة جديدة من التاريخ: مرحلة العودة الى الوراء او انفجار المكبوت. نقول ذلك ونحن نتحدث عن العالم الاسلامي بالطبع لا العالم الغربي لأن هذا الاخير حل مشكلته مع اصوليته ومكبوته منذ زمن طويل. لكن كيف نواجه الارهاب الاعمى؟ كيف نعالجه؟ على هذا السؤال يجيب المؤلفان قائلين: لا يمكن للرد عليه ان يكون ناجعا اذا ما اقتصر على الحل العسكري الكلاسيكي. والدليل على ذلك هو ان الحملات العسكرية التي قادها بوش على افغانستان والعراق لم تنجح في القضاء على شبكة القاعدة وارهابها. فبعد (11) سبتمبر حصلت ضربة (11) مارس في مدريد، ثم ضربة (7) يوليو في لندن، ثم ضربة (23) يوليو في شرم الشيخ، والحبل على الجرار.

وبالتالي فإن الرد الصحيح ينبغي ان يستخدم وسائل اخرى كحرب الظل والمخابرات. ينبغي تشكيل شبكة استخباراتية عالمية تضم كل اجهزة القوى الكبرى من الولايات المتحدة، الى الاتحاد الاوروبي، الى روسيا، الى الصين، الى الهند، الى اليابان، الى الدول العربية والاسلامية كالباكستان وسواها.. وهذه الشبكة العالمية المكلفة برصد الارهابيين وتحركاتهم على مستوى الكرة الارضية بأسرها ينبغي ان تتبادل المعلومات فيما بينها بدون اي تردد. فالارهاب المعولم يتطلب ردا معولما ايضا ردا يكون على مستواه لكي يستطيع ان يحتويه ويستوعبه.

ولكن حتى حرب المخابرات السرية على اهميتها لا تكفي. وانما ينبغي ان نعالج جذور الارهاب او الاسباب التي تؤدي الى انتعاشه وازدهاره. واولها الفقر المدقع المنتشر في العالم العربي والاسلامي، وثانيها حل المشاكل الاقليمية الخطيرة والمزمنة. فيما يخص النقطة الاولى يمكن ان نقول ما يلي: صحيح انه لا توجد علاقة مباشرة بين الفقر والارهاب. والدليل على ذلك ان شعوب افريقيا السوداء اكثر فقرا من الشعوب العربية بكثير، ومع ذلك فلا تلجأ الى سلاح الارهاب والتفجيرات لفرض مطالبها او للاحتجاج على جوعها. وقل الامر ذاته عن شعوب اميركا اللاتينية، او بعض الشعوب الآسيوية غير المسلمة. وبالتالي فهناك سبب آخر للارهاب، سبب ايديولوجي عقائدي بدون شك. ولكن على الرغم من ذلك فإنه لا يمكن انكار الحقيقة التالية: وهي ان نزعات التطرف والتعصب تزدهر وتترعرع في حزام الفقر والبؤس المحيط بالعواصم العربية والاسلامية من الدار البيضاء، الى القاهرة، الى كراتشي.. الخ.. صحيح انه لا توجد اي نزعة انسانية في اطروحات بن لادن والزرقاوي، ولا يوجد اي مضمون طبقي اجتماعي كما هو عليه الحال مع الحركات اليسارية المضادة للعولمة الرأسمالية المتوحشة. ولكن هذا لا يعني ان هذه الاطروحات والشعارات المتزمتة لا تجد لها آذانا صاغية في البيئات المعدمة التي لم يعد لها شيء لكي تخسره.