ياسمينة رجل يكتب باسم زوجته

أربعة اختراقات روائية عربية في فرنسا

TT

من المفرح ان الروايات الأربع لم تصدر عن دور نشر هامشية، بل احتفت دار "غاليمار" الرفيعة برواية "والتنبيرغ" للتونسي هادي قدورة، وأحسنت الصحافة الأدبية استقبالها. إنها رواية اولى لأديب عرف عنه أنه شاعر أصدر عدة مجموعات، وتبدأ أحداثها مع بدايات القرن العشرين في اوروبا وتمتد طوال عقوده. بطل الرواية يبحث عن امرأة أحبها لكن الحياة باعدت بينهما، فتقتفي خطاه مع جاسوس محترف يبحث بدوره عن طريدة تعمل لحسابه. بالحماسة ذاتها تلقف القائمون على "غاليمار" رواية الجزائري بوعالم صنصال وعنوانها "الحرّاقة". وكما يدل العنوان، يعود صنصال الى الحدث الجزائري الذي ما زالت جمراته تحتفظ بتوقدها، ويأخذ قارئه الى رحلة في دروب يختلط فيها رجال الأمن بالخارجين على القانون فلا يعرف الناس العاديون مصيرهم الضائع في نزاع أهلي لم تتكشف حقائقه بعد.

امرأة بين رجال

* أما الجزائرية الشابة نينا بوراوي فقد قدمت لها منشورات "ستوك" روايتها "أفكاري السيئة" التي تندرج في المسار الذي عرفت به بوراوي ككاتبة تبحث عن هوية اجتماعية مزدوجة ومزاج جنسي خارج عن النسق السوي والمعترف به. إنها جزائرية الأب، فرنسية الأُم، كانت تظن ميلها الى الكتابة موهبة ورثتها عن والدتها التي زرعت لديها حب الفرنسية، الى أن عادت للجزائر لتكتشف أن هواجسها تنبع من تلك الأرض، وكذلك محنتها كامرأة. الرواية الرابعة صدرت عن دار "جوليار" للجزائري المتخفي وراء اسم ياسمينة خضرة، وعنوانها "الاعتداء". ونظرا للموضوع المتفجّر الذي تتناوله الرواية فانها مرشحة لأن تثير اهتماماً خاصاً في زمن احتلت فيه العمليات الانتحارية المشهد الدولي. هذا ما يدفعنا الى التمهل عند هذه الرواية التي يرى فيها البعض ملحمة انسانية تستحق التأمل بينما يعتبر آخرون انها تركب الموجة، وحسب.

الطبيب زوج الانتحارية

* ياسمينة خضرة لم يعد اسماً لكاتب مجهول، فقد شاع أن صاحبه هو عسكريّ سابق في الجيش الجزائري يدعى محمد مولى السهول، وقد أثارت رواياته التي نشرها بالاسم المستعار اهتمام الفرنسيين فقرر الاحتفاظ به رغم انتفاء الحاجة الى التخفي. وروايته الجديدة تتناول محنة أمين جعفري، الطبيب العربي الذي يحمل الهوية الاسرائيلية ويعمل في احد مستشفيات اسرائيل مثل كل الفلسطينيين الساكنين وراء الخط الأخضر. وأمين رجل مندمج في المجتمع الاسرائيلي، طبيب جرّاح يؤدي واجبه ويداوي المرضى بدون تمييز بين عربي أو يهودي. لذلك، كانت صدمته عظيمة عندما اقتحمت السياسة بيته وسحبته الى خضم الصراع بأعتى أشكاله. استفاقت تل أبيب، ذات يوم، على عملية انتحارية في أحد المطاعم وتم نقل المصابين الى المستشفى الذي يعمل فيه الدكتور أمين. وهو بعد أن أمضى يومه في غرفة العمليات، محاولاً إنقاذ أرواح الذين شاء لهم الحظ أن يكونوا في المطعم المشؤوم ذلك الصباح، كان همّه أن يعود الى بيته ويرتاح الى جانب زوجته سهام، التي تملأ عليه حياته. لكن الزوجة لم تكن في البيت.

الاكتشاف المفجع

* يتلقى أمين اتصالاً من صديقه نافيد، وهو ضابط في الشرطة رفيع الرتبة، يخبره أن زوجته سهام بين الضحايا ويرجوه القدوم للتعرف على الجثة. وعندما يرفع أمين الشرشف الأبيض عن وجه سهام ينهار على أقرب كرسي. ولم تقف مأساة الدكتور أمين عند ذلك الحد، بل جاء ضابط كبير ومعه رجال أشداء و طلب اليه مرافقتهم الى بيته للكشف على محتوياته. ولم يفهم أمين ما يحدث، الى أن قال له الضابط ان التمزق الشديد في جسد سهام يشير الى أنها كانت الانتحارية... الارهابية. وبعد أن يشاهد أمين الشريط ـ الوصية الذي تركته زوجته، يقرر المضي في التعرف على الأشخاص الذين اتصلت بهم قبل الحادث واستكشاف الدوافع التي قادتها الى التضحية بنفسها في سبيل قضية شعبها، الذي هو شعبه أيضاً. ياسمينة خضرة كان جريئاً في اختيار الموضوع والمضي في تفسير دوافع الذين يقومون بعمليات استشهادية، ومحاولة تفهم منطق هذا النوع من المقاومة. وهو حديث يقارب المحرمات في معظم وسائل الاعلام الفرنسية، خصوصاً وان الكاتب ينتصر، الى حد ما، للزوجة الميسورة سهام، المرتبطة بطبيب ناجح يوفر لها كل ما تريد، لكنها عندما تذهب لزيارة أهلها في الضفة ترى واقعاً بائساً لا يمكن القبول به.

هذا ما دفع أحد الصحافيين الى احراج الكاتب، في أحد البرامج الاذاعية، قائلاً له إن مجرد التفكير بتفهم دوافع الارهابيين هو بمثابة القبول بالإرهاب. ورد خضرة انه يهدف إلى فهم الواقع، لهذا يذهب بطل الرواية أمين لملاقاة والدي زوجته، وأقاربها. وهو في لحظة يشعر بأنها خانته، عندما أخفت عنه ما عقدت النية عليه، بل أراد أن يقنع نفسه بأنها خانته بالفعل مع أحد الأقارب، لكي ينتقم من تفوقها عليه. يقول ياسمينة خضرة : "أردت في الرواية أن أحتج، على ما يقوم به طرفا النزاع من اختطاف للدين واحتكار للحقيقة. والقدس التي كانت مدينة تتعايش فيها الرسالات السماوية لا بد وأن تستعيد سماحتها في النهاية".