فنانو العالم يحاولون هدمه بالأغاني والألوان والمسرحيات

تظاهرة مستمرة أمام «جدار الفصل العنصري» بالسيمفونيات وعروض الأزياء

TT

حركة احتجاجية من نوع جديد، ولدت عند بعض المواقع من «جدار الفصل العنصري» الذي أقامته إسرائيل. فنانون فلسطينيون وغربيون، بل وحتى إسرائيليون جذبهم الجدار بوقاحته وصلافته، وجاءوا يصرخون ضده، غناء وعزفاً ورسماً وصولاً إلى عرض الأزياء، وخياطة الأعلام. تظاهرات فنية سوريالية بالإمكان رصدها أسبوعياً هناك، ومع ذلك فوسائل الإعلام العربية غائبة تماماً.

احتشد آلاف الفلسطينيين، منذ أيام، في جامعتي «النجاح»، و«بير زيت»، ومراكز ثقافية ومخيمات فلسطينية، للاستماع لفنان اميركي، كان مجهولاً لأغلبهم. ولكن بعد أن استأنسوا بموسيقاه، صفقوا طويلاً، وعبروا عن إعجابهم وامتنانهم له.

جيتار وبيانو

وقد دهش كثير من الحضور عندما استمعوا للمغني الأميركي الشعبي ديفيد روفكس، الذي قدم أغاني تضامنية معهم، من بينها أغنية بعنوان «المفتاح» حول حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وأخرى عن المتضامنة الاميركية مع الفلسطينيين روشيل كوري، التي قتلت في رفح، قبل أعوام وهي تدافع عن أراضي الفلسطينيين هناك. ولكن أكثر ما أثار الجمهور هو الاستماع لهذا الفنان الاميركي وهو يقدم أغنية عن جدار الفصل الذي تبنيه السلطات الإسرائيلية في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتجاوب الحضور مع اللحن، بينما اخذ روفكس يغني:

ها هم يبنون الجدار

بين الأغنياء والفقراء

بين الماء والأرض

يمكننا أن نأكل الفواكه

ويمكنهم أن يأكلوا الرمل

ها هم يبنون الجدار بين المستقبل والماضي

جدار للعزلة من الغاز والبلدوزارات والأسلحة

ومن دموع الأطفال

لإزالة الحقائق من على الأرض

وروفكس، ليس الفنان الغربي الوحيد الذي يعبر عن مناهضته للجدار بالغناء، فيوم 16 أيلول (سبتمبر) الحالي، وبينما كان روفكس يغني ضد الجدار في قرية «بلعين»، قرب رام الله، التي أصبحت عنوانا لمناهضة الجدار، حيث تقام فعاليات أسبوعية هناك، وصل عازف بيانو هولندي مسن، يهودي الديانة اسمه يعقوب ألغارو، إلى القرية من مطار اللد مباشرة، مع مستقبليه من نشطاء كتلة السلام الإسرائيلية. وتم جلب بيانو، وابتدأ الغارو، الذي قال انه نجا من المحرقة النازية، عزفه بالنشيد الوطني الفلسطيني، وقدم سيمفونيات، في موقع يمكن ان يكون آخر مكان على وجه الأرض، يناسب مثل هذا النوع من الموسيقى. وما يؤكد ذلك، أن الحفل الموسيقي الذي قدمه اليغارو وروفكس، انتهى بمواجهة مع قوات الاحتلال واعتقال متضامنين أجانب ونشطاء فلسطينيين.

وعلق اليغارو، الذي تلقى دعوات لإقامة حفلات في مدن فلسطينية أخرى، بقوله: «ليس بالمحرقة فقط يموت الناس» في إشارة لخطورة الجدار.

جداريات وأزياء

* وسبق التعبير الموسيقي الاحتجاجي على الجدار، نوع آخر من الفن، هو الرسم. فمنذ بدأت إسرائيل بناء جدارها، استوحى منه كثير من الفنانين أعمالاً تشكيلية، غلب عليها الطابع النضالي. وفي مقاطع كثيرة من الجدار، نفذ فنانون محترفون وهواة، بالاشتراك مع زملاء فلسطينيين لهم رسوما ضخمة، يمكن وصفها بالجداريات.

واشهر تلك الجداريات الموجودة في القسم القريب من بلدة أبو ديس (شرق القدس). ويقع هذا المقطع، قبالة جامعة القدس، وبني ليحول بين البلدة ومدينة القدس، التي بقيت تلوح رغم السور الهائل، من خلال القبة الذهبية التي تعتلي قبة الصخرة. وأصبح وجود الرسومات الجدارية في المكان، سببا آخر لقدوم آخرين وتنظيم أنشطة إضافية ذات طابع فني، لعل أغربها، عرض للأزياء، حيث تخايلت حسان يهوديات بثيابهن المزركشة أمام الجدار، ليكشف المشهد عن مفارقة مدهشة. وقالت سيبيل جولد فاينر، من بيت الأزياء الإسرائيلي المعروف باسم (كوم ايل فو)، التي نظمت العرض، انها أرادت أن تدفع الناس للتفكير بما أسمته الواقع الغرائبي، وتريد من هؤلاء البشر أن يجروا مقارنات بين ألوان ملابس العارضات ولون الاسمنت الرمادي الذي بني منه السور، وأضافت «الألوان الزاهية تثير الأمل، ورمادية الجدار تثير اليأس». ومن وحي الجدار أيضاً، رسم تشكيليون فلسطينيون، لوحات خاصة، مثل الفنان خليل رباح الذي أقام معرضا في «مركز السكاكيني» برام الله، تحت عنوان (مزاد الجدار) أراد من خلاله أن يهدم هذا السور القاتل فنيا، عبر تقنيات متعددة. وابتكر متضامنون أجانب علمًا بطول 50 مترا، هو عبارة عن ألف علم وراية ويافطة أعدها هؤلاء في بلدانهم منفردين، ثم أعادوا تجميعها لتعبر عن وجهة نظرهم تجاه الجدار. وحملت الأعلام الصغيرة المكونة للعلم الكبير شعارات ورسومات وأشعار باللغة الإنجليزية، تندد بالجدار.

فوتوغرافيا

* وإذا كانت الجداريات التشكيلية هي أكثر ما يميز الأعمال الفنية المستوحاة من الجدار، لاستمراريتها الدائمة عليه، فان الجدار كان بالنسبة للمصورين الصحافيين والفنانين الفوتوغرافيين، موضوعا محببا.

ومن بين هؤلاء الفنان ميتس سفينسون، وهو دبلوماسي يشغل منصب القنصل السويدي في القدس، ولكن داخله يعيش فنان، ويبدو انه ضاق بالدبلوماسية، فحاول «جاهدا فهم الواقع خارج إطار الدبلوماسية من خلال الصور والكلمات» كما يقول بمناسبة معرضه الذي يجول في المدن الفلسطينية بعنوان «صور من الأمل واليأس».

ويظهر سفينسون وجوهاً فلسطينية تعبة وقلقة، فيها كثير من الأمل بجانب السور الفاصل، ومن خلال تعامله الفني مع النسب في الكتل بين شخوص البشر ووجوههم والجدار الأسمنتي المرتفع، جعل صوره مفتوحة على تأويلات عديدة. وبرع سيفنسون في تصويره الوجوه ولحالات فريدة في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، مثل صوره لأفراد من جماعة ناطوري كارتا اليهودية المؤيدين للحقوق الفلسطينية. وقال سفنسون، الذي عمل في مجال التنمية في دول مختلفة في العالم، انه سيعرض صوره لاحقا في السويد ليضع مواطنيه في أجواء ما يحدث في الأرض المقدسة من منظور «غير دبلوماسي، ومخالف لما تنقله بعض وسائل الأعلام الدولية».

ولم يخف سفينسون، وجهة نظره السياسية ومعارضته لبناء جدار الفصل الذي رأى بأنه يهدد منطقة الشرق الأوسط، وقال انه متعاطف ومؤيد للشعب الفلسطيني في كفاحه ضد الاحتلال لتحقيق حقوقه الوطنية، وفقا لقرارات الأمم المتحدة. وعرضت فرق محلية وعالمية مسرحياتها قرب الجدار، من بينها فرقة البيدر التي قدمت مسرحية بعنوان (عصفور الاحلام)، قرب احد مقاطع الجدار في قرية بيت عنان، غرب القدس. وأنتج مسرح القصبة عملاً حمل عنوان (الجدار) بدعم من مهرجان طوكيو الدولي، أما التأليف فكان جماعيا لأفراد الفرقة، الذين قدموا مسرحيتهم بالكلمات التالية «هذا الجسم الغريب الذي زرعوه في أحشائنا، وغذوه بكل أنواع الظلم والعذاب والقهر، وجعلوه ينمو ويكبر ويتلوى في عروقنا كالأفعى الجوعى ويبتلع في كل يوم شيئا من لحمنا ثم يتسلق إلى رقابنا ويلتف حولها ويكتم أنفاسنا... نحاول الصراخ فتضرب أصواتنا عمق الجدار فيرتد الصدى مدويا، وترحل أمواجه إلى كل مكان فلا من مجيب. هذا الجدار هو الذي اخترنا أن نتحدث عنه في مسرحيتنا الجديدة بأسلوب فلكلوري غنائي مفعم بالسخرية».