معرض يونس الخزار .. رحلة في وجوه أليفة

TT

اتجهت تجربة التشكيلي المغربي يونس الخراز، في الفترة الأخيرة، بعد مرحلة طويلة قضاها في تصوير الأماكن الفارغة، الى الاشتغال على الوجوه. وجوه تتنوع، حتى تبدو وكأنها عوالم قائمة بذاتها، وهي التفاتة من الفنان الى نوافذ الروح التي تعبر عن الدواخل. عوالم أغنى أحيانا من تلك الخارجية الظاهرة. هذه هي الملاحظة الأساسية التي لا يمكن لأي زائر أن يغفلها لدى مشاهدة المعرض الأخير للخراز، الذي احتضنته جنبات «قصر الثقافة» في سياق فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ27، فما هي دلالة التوجه الجديد لدى هذا الفنان؟ يقول يونس الخراز «اخترت الاشتغال على الوجوه، لأنها تتيح لي أن أرسم أشياء أخرى داخلها، مثل نظرة العيون. فالوجوه بامكانها أن تتحول الى أي شيء، الى مشهد طبيعي مثلا أو عالم يفقد حدوده ويعود الى سديم التجريد.الوجه يختزل مضامين غنية بالدلالات، وهو يشكل بنية متحولة جدا، مما يتيح امكانيات مفتوحة أمام بحث الفنان، ويسمح للمشاهد بصناعة اللوحة، كما يقول مارسيل ديشان».

ظل الخراز وفيا لطبعه ورؤيته، مراوحا بين الوجوه والاماكن الأليفة طيلة حياته، فبعدما تشرب الفن من بيئة موسم أصيلة ابتداء من نهاية السبعينات من القرن الماضي. ذهب الى أكاديمية الفنون الجميلة بتطوان لسنتين، ثم الى مدرسة الفنون بمدينة «أنغوليم» الفرنسية الصغيرة، حيث قضى أربع سنوات، قبل أن يعود الى مسقط رأسه بأصيلة، متفرغا لفنه ومستأنسا بالوجوه والأماكن الأليفة التي خبرها منذ الطفولة، وعاد للاشتغال عليها فنيا بعد نضجه، كما انه لا يبرحها الا نادرا عندما يقوم بأسفار قصيرة يعرض اعماله خلالها في الرباط وباريس وامستردام وبيرن والدار البيضاء.

ويتقاسم الخراز، الميل الى تصوير الوجوه واستكشاف أغوارها مع مجموعة من الكتاب، مما جعل العديد منهم يطلب منه رسم أغلفة لرواياتهم ودواوينهم. ومن النماذج المعروفة على هذا المستوى غلاف الرواية الأخيرة لمحمد شكري التي تحمل عنوان «وجوه» التي رسم الخراز غلافها، بناء على طلب من الكاتب الراحل، الذي سلمه الفصول المتوالية لمخطوط روايته ليقرأها تباعا، ويستلهم منها عملا تشكيليا مناسبا يمر عبر تخيله لملامح شخصياتها. وعند اكتمال الرواية، كان الخراز قد اكمل تصميم غلافها الذي أتى على شكل لوحة متقطعة تتضمن عددا من «وجوه» شكري النصية. وعلاقة الخراز بتصميم الكتب ليست وليدة الصدفة، فقد تخصص في الفنون الغرافيكية بفرنسا، وأنجز بحث التخرج عبر رسم لوحات موازية لنصوص مختارة من رواية «الخبز الحافي» مشاركا شكري رغبته في تصوير الاشياء التي لا تقال ولا ترسم، وبعد ذلك رسم أغلفة لكتب،المهدي اخريف، وأحمد هاشم الريسوني.

وحول علاقته المتميزة مع شكري يضيف الخراز «كان صاحب الخبز الحافي، يأتي الى منزلي بأصيلة ليرتاح، كما كان يقول، لكن إقامته كانت تتحول الى راحة وهمية ويستمر في وتيرة عيشه الصاخبة جدا في طنجة، بل كان يجد في أصيلة امكانيات أكبر للسهر وممارسة الصخب الليلي، نظرا لغياب المضايقة حيث لا يكلمه أحد ويحترمه الجميع. ولذا كان يقول ان لديه في طنجة حسادا وأعداء عديدين يفر منهم الى أصيلة. وقد حدثت لي معه حكاية طريفة، فقد كنا نتجول يوما وعثرنا لدى بائع أثاث قديم على لوحة صغيرة للفنان الاسباني، ماريانو بيرطوتشي، وقد رصدنا اللوحة التي لم يكن بائعها المغربي يعرف قيمتها الحقيقية، معتقدا انها مجرد تقليد، فاقتنيناها منه بمبلغ زهيد لا يتعدى 1500 من الدراهم (150 دولاراً)، واعاد شكري بيعها بعشرين الف دولار بعد فترة يسيرة».

وحول مستقبل التشكيل المغربي، يبدو الخراز، متفائلا، فيقول: «لا يمكننا الحديث عن هوية مغربية راسخة في الفن، لكننا نعيش فترة هامة من مسارنا الابداعي. المغاربة يقتنون اللوحات والطبقات الوسطى تهتم كثيرا بالفنون التشكيلية، وهناك اتجاهات وحساسيات متعددة في السوق. وهذا يجعل سوق الاعمال الفنية أحسن بكثير من سوق الكتاب، حيث لا يوجد كاتب مغربي يستطيع العيش من كتبه، أما التشكيليون فيعمل العديد منهم بشكل احترافي ويتمكنون من التفرغ لفنهم، وهذا شيء يدعو للتفاؤل».