الغرب في صراعه ضد شياطين ماضيه

رواية تساعد تركيا على دخول الاتحاد الأوروبي!

TT

يجول العالم وحش غريب، من بوسطن في الولايات المتحدة إلى اسطنبول في تركيا، ومرورا بأكسفورد بانجلترا وبيربيجنان بفرنسا، وهذا الوحش يتجسد في إخاء وتضأمن غريبين بين المثقفين الذين يعملون في المكتبات العامة الكبيرة، والذين يسعون، بأمر «سيدهم»، دائما إلى البحث عن الكتب القديمة والنادرة. وتكمن المشكلة في أن، هذا «السيد» ومساعديه ليسوا من محبي الكتب العاديين ولكنهم مصاصو دماء يشكلون أسرة عالمية من مصاصي الدماء. وسيدهم هو «دراكولا»، الذي يعرف في التاريخ بشخصية «فلاد الخاذق»، أمير ولاشيا، رومانيا في الوقت الحاضر.

قد يتساءل المرء، ما هو القصد وراء إعادة سرد قصة يعرفها غالبية الناس، مثل رواية ستوكر، والتي ترجمت إلى أكثر من 100 لغة، وطبعت لأكثر من 120 سنة.

وكوستوفا هي كاتبة أميركية تتحدر من أصل وسط أوروبي، تتخذ من شخصية برام ستوكر كقاعدة للوح يكتب عليه أكثر من مرة وتضيف إليها ظلالاً من شخصية فلاد الحقيقية والتاريخية واستخدام الظل والضوء في المجهول فيما يتعلق بالخير والشر في عالم ما بعد الحداثة.

وتبدأ الحكاية بسلسلة من التنقلات الغامضة لأميركي، يقيم في أوروبا. ومن الواضح أنه يشترك في مواصلة الحصول على شهادة دبلوماسية أكاديمية بدرجة عالية، وذلك مع ابنة له في سن المراهقة بشيء من الصعوبة. وانتهى المطاف بالثنائي، الأب والفتاة، إلى شتى أنواع الأماكن والمواقف الغريبة، باحثين عن مفاتيح لغز لم يكشف عنه إلا في الصفحة رقم 500 من الرواية. ( لن نقوم بالكشف عن اللغز كي لا نفسد على القارئ متعة القراءة. ولكن يستطيع القارئ أن يراهن على أن الأمر له علاقة بمصاصي الدماء!)

وفي الأثناء، تتعاطى رواية كوستوفا مع أنواع عدة من المواضيع تتراوح ما بين طوائف سرية إلى ظهور وسقوط الامبراطورية العثمانية ومرورا بالنشأة الكاذبة للقومية الرومانية إلى زوال الشيوعية في أوروبا. فنحن أمام وليمة من النوادر والحكايات العجيبة، وأحداث غامضة، يمكن أن يمضي المرء ليلة بأكملها في الحديث عن إحداها وهو جالس أمام مائدة العشاء. وسواء كانت المواضيع عن الكيمياء القديمة أو الفن المعماري واللغويات أو الطباعة الحجرية والملاحة واستحضار الأرواح، فلدى كوستوفا الكثير كي تقدمه.

من مستوى واحد، من الممكن أن ينظر إلى رواية «المؤرخ» على أنها نوع من الأدب التسجيلي، قائم على تجارب ومحن البطلة من مرحلة المراهقة إلى المرحلة الأنثوية الناضجة. وعلى مستوى آخر، من الممكن أن تقرأ حكاية كوستوفا مثلها مثل الروايات المثيرة المعقدة مع كثير من التطورات غير المتوقعة مثل أفضل ما كتب الكاتب آرثر كونان دويل.

لكن هل من الممكن أن يعتبر ذلك قراءة كافية بالنسبة لرواية، إذا ما اكتشفنا فيها أيضا رسالة سياسية وثقافية أكثر عمقا؟ دعنى أشرح ذلك. إن صورة مصاص الدماء في رواية «المؤرخ» من الممكن النظر إليها على أنها تجسيد للماضي المظلم في أوروبا والراسخ في العقيدة، ومن ثم الأفكار الفاسدة المسيطرة للوحوش والأحلام وإعادة كتابة الماضي.

كانت شخصية فلاد التاريخية في عيون معجبيه شخصية أقرب إلى التقديس، فهو حارب مقدم المسلمين من العثمانيين عن طريق التلويح بالصليب. وكان متخصصا في القبض على الجنود العثمانيين ونزع جلودهم أحياء ثم عرضهم في وسط المدن والقرى التي سيطر عليها. ولم يكن يهم فلاد مع أي صنف من المسيحية يقاتل. فقد بدأ كبطل للكنيسة الأرثوذكية، التي كانت سائدة في أوروبا الشرقية، ولكنه انتهى الامر بتحوله إلى الكاثوليكية، واضطر للهروب إلى المجر واقترن بابنة الملك الوطني.

وتقدم الحكايات فلاد وكأنه «جندي المسيح» الذي قاوم الاعتداء العثماني ليس فقط أثناء حياته بل بعد مماته أيضا. وفي نسخة كوستوفا لمثل هذه الحكايات، يواصل فلاد، دراكولا، حملته ضد المسلمين كمصاص للدماء، فيهاجم في المركز الحقيقي للثقافة والقوة العثمانية التركية في اسطنبول.

وفي رواية كوستوفا، يكتشف ابطال الروايات، بما فيهم الأب الأميركي الغامض وابنته المراهقة، التي انضم إليها بعد ذلك صديقها الانجليزي، حقيقة غير متوقعة. ويتعلق الأمر بوجود المجتمع السري للـ «المحاربين» العثمانيين الذين نجوا من سقوط الخلفاء وامبراطوريتهم. ولدى هؤلاء المحاربين، الذين ورثوا هذا الوضع من جيل وراء جيل، مهمة وحيدة: مطاردة فلاد وجيشه من مصاصي الدماء وقتلهم، ومن ثم وضع نهاية لحرب دامت أكثر من خمسة قرون بانتصار نهائي لسلاطين الخليفة.

ورسالة كوستوفا واضحة وهي أن الغرب، في صراعه ضد شياطين ماضية، ممثلين في مصاصي الدماء «The un-dead» لايستطيع أن يقوم بذلك بدون دعم فعال من قبل تركيا وربما العالم الاسلامي بأسره. ومن أكثر الشخصيات تعاطفا في هذه الرواية أستاذ تركي ينتمي إلى المجتمع السري للـ «المحاربين» العثمانيين ضد فلاد.

هل كانت كوستوفا مدركة بأن روايتها سوف تقرأ وتأخذ كحجة دامغة لصالح دعوة تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟ ربما لا. ولكن أيا كانت الطريقة التي تقرأ من خلالها الرواية، فإن الفكرة الرئيسية لها واضحة وهي: أن الحضارة الغربية والاسلام لديهما عدو مشترك يتمثل في «مصاصي الدماء»، مثل ما بعد الحداثة في أوروبا والنزعة إلى إعاقة التقدم في العالم الإسلامي.

قد لا تسر بعض الناس قراءة هذه الرواية، مثل رئيس فرنسا السابق فاليري جيسكار ديستان، الذي كان يعتبر تركيا تهديداً للاتحاد الأوروبي أكثر منها شريكاً في السلام والرخاء.

وبالرغم من أنها رواية ممتعة في قراءتها، لكن كلمة تحذير هنا ضرورية. فأحيانا، تكون كوستوفا غير قادرة على إدارة أحداثها والمقدار الهائل من المعلومات التي قامت بتجميعها، تحول إلى انهيار يصعب السيطرة عليه. ومشكلة أخرى تكمن في طبيعة السرد، ولجوئها إلى الارتجاع الفني، فغالبا ما تكسر الأدوات التي تستخدمها درجة الحركة في عملية السرد وتبدد التوتر الذي قامت بإحداثه باتقان.

يمكن اعتبار رواية «المؤرخ» من الروايات النموذجية للقراءة على الشاطئ. ولكن الآن وقد لفظ فصل الجلوس على الشاطئ أنفاسه الأخيرة، فقد يرغب المرء في قراءتها وهو جالس في حمامه. وإذا قام بهذا، فعليه أن ينتبه إلى أنه قد يمضي ليلته كلها هناك.