هل تسبب حكايات «ألف ليلة وليلة» حرجا للعقلية العربية؟!

ناقد وناقدة من السعودية يختلفان حول «سكوت شهرزاد عن الكلام المباح»

TT

ألف ليلة وليلة حكايات نسجتها الشعوب العربية شفهيا، بدءاً من عصور الإسلام الأولى، وحتى ما بعد القرن الرابع عشر، حيث بدأت ترجمتها للغات العالم ونقلها، كي يزدادوا بها شغفا، وهم يبطنون داخل جسد السرد نوايا إصلاح سياسي كما هو حال شهرزاد في مواجهة شهريار. لكن شعوبنا توقفت عن نسج ليالي جديدة منذ القرن 16، حيث بدأ تدوينها، فهل انتهى زمن حكايات ألف ليلة وليلة أم أن العقلية والسلطة العربيتين هما اللتان وضعتا نقطة النهاية؟

الناقدة السعودية سهام القحطاني تقول «ما تزال حكايات ألف ليلة وليلة تمثل حرجا لعقلية السلطة العربية، لأنها تصطدم بالمناطق الأكثر حساسية وهي السياسة والجنس والمرأة، وهذا مبرر كاف لقمع الخطاب الإصلاحي للحكايات في بعض المجتمعات العربية، أما البعض الآخر الذي يدعي حقوق حرية الرأي، فقد عمد إلى تحويل الخطاب السياسي الإصلاحي للحكايات إلى نصوص من نوع الحكي الغرائبي والعجائبي». وتتابع حديثها «هذا ما يفسر لنا تعريف جمال الدين بن شيخ للحكايات بأنها نصوص خرافة، وهو ما دفع شيوخ مصر إلى طلب إحراق النسخ الأولى للحكايات، لأنها تحتوي وفق اعتقادهم على الخرافة والمجون. وهذا التعريف القاتل، والتقييم الأخلاقي، جرد الحكايات من خطابها السياسي، وأدخلها نطاق المحرم، لتضمن السلطة قتل الأثر الأدبي».

وتقول القحطاني، قصدية الحكايات واضحة من حوار شهرزاد مع أبيها حين تقول: «إني مطالعتك على ما في سري.. أشتهي منك أن تزوجني إلى الملك شهريار، إما أنني أتسبب في خلاص الخلق وإما أموت وأهلك». ترى القحطاني من خلال هذا الخطاب تجوهر حكايات شهرزاد وفق مرتكزات تتمثل في إعلان فعل المقاومة ضد استبداد الحاكم الظالم شهريار، وتفعيل صوت المعارضة ضد العنف الجنسي والعنف السياسي، الذي كان يمارسه في تصفية وقتل عذراء كل ليلة. وواضح ايضاً في الحوار رغبة الإصلاح وتفقيه السلطان الجائر بأصول العدل. «هذا ما نجحت به شهرزاد حينما قال لها شهريار بعد تفوقها: لقد زهّدتني يا شهرزاد في ملكي وندّمتني على ما فرط مني في قتل النساء والبنات». وتتابع قحطاني مستشهدة بما قالته الدكتورة فاطمة المرنيسي «شهرزاد رائدة ثورة تحفز الضعفاء على التمرد».

وتقول القحطاني «هذه الرسائل المشفّرة في الحكايات، لا شك أنها تهدد ثوابت العقلية العربية الذكوريّة في أصلها، وتجعلها كائنا سياسيا ثوريا ماركسيا، لذلك استحقت النفي خارج وطن التداول، ومنعت شهرزاد من الكلام المباح».

أما الناقد السعودي والشاعر حامد بن عقيل فيختلف مع القحطاني في رؤيتها لأسباب سكوت شهرزاد عن حكاياتها ويجد أن عملية التدوين تعني المكتبة أي الذاكرة الإنسانية، فحين يتم تدوين »ألف ليلة وليلة« فمن الطبيعي أن ننظر للجانب الإيجابي المتمثل في حفظها، لكن هناك جانب سلبي آخر يتمثل في قطع الطريق على الرواة الذين كانوا يتناقلونها، فكون المكتبة حصيلة منظّمة من المعرفة يعني إتكاءها على العمل الناجز الذي لا يمكن تحويله أو الإضافة عليه أو الانتقاص منه. ويقول بن عقيل «هنا، يمكن الجزم بأن التوقف الذي أشرتِ إليه طال العمل الأدبي»ألف ليلة وليلة« فقط، والشعوب العربية لازالت تنتج سيرها الخاصة تحت عناوين مختلفة، ولكن في ضوء لبس كبير يخترق ما يسميه ميشال أوتن «ميثاق القراءة»، ويعني به وجوب توجيه الانتباه من قِبل الكاتب إلى الجنس الأدبي الذي سوف يطالعه القارىء. وما يحدث الآن هو تحوّل من طريقة التآليف الجماعية إلى طريقة التأليف الفردي، وهي عملية استدعاء لذاكرة لا يمكن استدعاؤها مطلقا من جهة معرفية».

ويرى بن عقيل أن ما يحدث الآن هو استدعاء فردي من قِبل كتّاب يزعمون أنهم يكتبون «رواية» دون امتلاكهم لأي تصور يحدد لهم معنى وتقنية الرواية ويقول «هنا يحدث اختراق الميثاق القرائي، لنجد أن محتوى كثير من الروايات ـ خصوصا لدينا في المملكة العربية السعودية ـ يتقاطع مع ألف ليلة وليلة في الكثير من خصائصها الفنية» ولذلك يؤكد أن علاقتنا بالموروث المعرفي، يخضع لعمل الذاكرة من خلال مفهومين يحددان علاقتنا بالماضي، «أولهما: ما يمكن تسميته بالعادة، وثانيهما: هو الماضي المتمثّل ذهنيا». ولهذا يبدو صعبا جعل الذاكرة المعرفية المتمثلة ذهنية معنية، قادرة على العمل في المستقبل إلا لدى قلّة من الكتّاب الذين يستطيعون إحياء ألف ليلة وليلة في إطار أصيل من خلال إخضاع محتواها المعرفي، وكذلك إخضاع طرائق كتابتها الأسلوبية لتقنية سردية تجعل منها ذاكرة عاملة وفاعلة في المستقبل، فهل تحيا شهرزاد من جديد؟ ولمن ستوجه خطابها ومن سيساعدها في سرد الحكايات؟؟!