الحكومات القومية والتغريب وعدوانية الصناعة

بعد ثلاثين عاما من مصادرته في إيران «الابتلاء بالتغريب» يصدر في القاهرة

TT

بعد ثلاثين عاما من صدروه ومصادرته في إيران، اصدر المجلس الأعلى للثقافة بمصر ترجمة عربية لكتاب «الابتلاء بالتغريب»

للمفكر الإيراني جلال آل احمد، الذي ترجمه أستاذ الأدب الفارسي الراحل الدكتور إبراهيم الدسوقي شتا، ووصفه في معرض تقديمه له بأنه :«

يقف على قمة الأعمال الفكرية الإيرانية التي أثارت جدلا واسعا

ينتقد جلال آل احمد في كتابه فكرة التغرب، التبعية للغرب، وينبش في جذورها التاريخية، كما ينتقد أفكار المفكرين الذين ساهموا في ترسيخها على حساب هوية أمتهم الخاصة.

وفي هذا الإطار يرفض آل احمد طرح التشيع كبديل ديني للهروب من التأثر بالغرب، ويرى انه حل غير مقبول يرسخ لتشرنق وتقوقع اشد وطأة من الانفتاح على الغرب نفسه.

وفي هذا السياق ينتقد تشيع إيران، ويرى ان خروجها عن الشمولية الإسلامية نكبة ما تزال ممتدة الأثر، بدأت جذورها إبان العصر الصفوي، وما زالت متغلغلة في كافة جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية.

وعلى ذلك يشبه آل احمد التغرب بالطاعون الذي فتك بمدينة كامو في روايته الشهيرة «الطاعون»، مشيرا إلى انه لا يمكن أن يكون له كل هذا الأثر الفتاك لولا هذه القابلية والبيئة المناسبة لتغلغل المرض.

ويلمح آل أحمد إلى انه ربما لهذا اختار إيران تمثيلا لمدى الاستلاب في مواجهة الغرب بداية من وجود التجار والمستشارين العسكريين الغربيين والذين أحاطوا بالصفويين واذكوا الخلافات بين الفرق والمذاهب الدينية، حتى أن السلطان العثماني سليم الأول أعلن «أن قتل شيعي يثاب بثواب سبعين مسيحيا». وبناء على هذه الفترة المؤثرة ارتكبت مذابح بالشيعة والسنة في إيران ومات اكثر من 80 ألف شخص ومورس ابشع أنواع القمع ضد السنة حتى لم يعد باقيا منهم اكثر من 10% من سكان البلاد. وليس بعيدا عن هذا ما يحدث في العراق الآن ويمكن الرجوع إلى بيانات الزرقاوي وإعلانه الحرب على الشيعة أو التفجيرات التي تنال من شيعة باكستان وغيرها وكأننا لم نتعلم حرفا أو نتقدم خطوة.

ومن السمات اللافتة لجذور الابتلاء بالتغرب كما يرصدها الكتاب ما يسميه بـ«عدوانية الصناعة الغربية» وعجز الحكومات القومية المستندة إلى أساس تقليدي عن مواجهة ذلك حتى تحول قادتها ـ على حد قول المؤلف ـ من فرسان إلى حراس للقبور.

وفي سياق هذه الرؤية لا يقيم جلال آل احمد العالم على أساس جغرافي أو سياسي، بل يقيمه على أساس اقتصادي، وبذلك يكون العالم الغربي المفترض من وجهة نظره هو العالم الممتد من روسيا إلى أميركا الشمالية، بينما يبدأ عالم الدول الفقيرة من أفريقيا وآسيا، ويضم إليها دول أميركا اللاتينية.

ومن مظاهر الابتلاء بالتغرب، التي يفيض فيها الكتاب، افتتان العالم الغربي بنفسه وبما قدمه من إنجاز تكنولوجي ووفرة اقتصادية وانخفاض معدل الوفيات والتعليم الجيد والثورة التشريعية والقانونية على أساس مبادئ الثورة الفرنسية. وهو يرى أن هذا الإنجاز المدهش بالفعل يغري بتناسي دور الآخرين في خلق هذه الدول خاصة في المرحلة الكولونيالية، التي قدمت من خلالها بلدان العالم الثالث الموارد الطبيعية بداية من الهند واحتكار شركة الشرق الهندية للتوابل وإمداد مصر مصانع بريطانيا بالقطن والاستيلاء على احتياطي الذهب في هذه البلدان من اجل تمويل حروبها التوسعية. وعلى غرار هذا النهب استفاد الإسبان من ثروات المكسيكيين من الذهب والأخشاب وكذلك هولندا في أفريقيا وإيطاليا في ليبيا حتى الاستيلاء على البترول. ومن ثم يرى آل احمد أننا إذا أردنا أن نغير أحوالنا فيجب اولا أن نغير علاقتنا بالآلة وألا نخافها، مؤكدا أن الذي يجعل للتغريب هذه الأضرار العظيمة هو الإنسان المتغرب في الدول الفقيرة. ومن مظاهر المتغرب انه يقطع علاقته مع مجتمعه وثقافته وتقاليده.