احتفالية تكشف نقاظ «التوتر العالي» بين أكبر دولتين في العالم

شهر من استعراض العضلات الثقافية الصينية في واشنطن

TT

بدأت في واشنطن احتفالات الثقافة الصينية، التي تستمر طوال شهر اكتوبر(تشرين الاول). وكانت انطلاقة المهرجان، قد اخافت الاميركيين، لأنهم اعتقدوا ان الالعاب النارية التي اقيمت ليلتها هي هجوم ارهابي على واشنطن. إذ ما ان بدأت الفرقعات تصدر أصواتها، حتى تزاحمت اتصالات الخوف الهاتفية على مراكز الشرطة، وترك البعض منازلهم هلعاً. لا بد ان المسؤولين قصروا في الإعلان عن الألعاب، لكن لا بد أيضاً، ان ما حصل أظهر تناقضاً، بين ثقافتي أكبر دولتين في العالم.

سأل اميركي إثر غضبه مما حصل في حفل الافتتاح: «لماذا تطلق دولة اجنبية ألعابا نارية في واشنطن؟»، واستغرب آخر لأن «الألعاب النارية تقام في الرابع من يوليو (عيد الاستقلال الاميركي)»، لكن مهرجان الثقافة الصيني يستمر بنجاح، ويقام في مركز كنيدي للفنون التمثيلية بالاشتراك مع وزارة الثقافة الصينية. وشهد الأسبوع الأول رقصات باليه وملاحم أوبرا وأغاني شعبية وأفلاما سينمائية وكتبا ومحاضرات. وهو أكبر مهرجان أجنبي في واشنطن، وايضا أكبر مهرجان صيني في الخارج.

وعكس المهرجان أمرين: أولا، حرص الصينيين على تقديم ثقافتهم للاميركيين في حماس وفخر، ليؤكدوا ما قاله صن غيازهنغ، وزير الثقافة، يوم افتتاح المهرجان ان «الصين هي اقدم حضارة لا تزال مستمرة». ثانيا، استعداد الاميركيين لقبول ثقافة الصين، او كما قال كولن باول، وزير الخارجية السابق، بعد ان سألته «شنخوا»، وكالة الانباء الصينية، عن أحسن العروض: «كلها رائعة، كيف اقدر ان افرق بين عروض كلها رائعة».

خطوة الألف ميل تبدأ بصفقة

* لكن مجلة «تايم» الاميركية، تخطت العبارات الدبلوماسية، ونشرت موضوع غلاف عن الصين الحديثة، فيه صورة عملاقة لمؤسسها ماو تسي تونغ، وعبارة «ثورة جديدة: نتحرك صفقة بعد صفقة»، وألبست ماو قميص الشيوعيين الصينيين التقليدي، وعليه رموز بيوت ازياء اوروبية مثل «رالف لورين» و«لويس فيتون» و«دونا كاران». وكان واضحا ان عبارة «صفقة بعد صفقة» تحيل إلى المثل الصيني «رحلة الالف ميل تبدأ بخطوة»، وكأن قصد المجلة الاميركية هو ان الرحلة الى الرأسمالية تبدأ بصفقة تجارية.

قدمت، في مهرجان واشنطن، فرقة الباليه الصينية القومية عروضا مثل «النهر الاصفر» و«المصباح الاحمر». وقدمت اوركسترا هونغ كونغ «شقة طريق الحرير الفنطازية» و«النصر العظيم». كما قدمت فرقة الاوبرا «جنرالات نساء في جيش عصر آل يانغ» و«ست رقصات من عصر آل زو».

«اكسو» التي أقصيت عن المهرجان

* باليه «المصباح الاحمر» مقتطفة من فيلم بنفس العنوان للمخرج الصيني زانغ يمو، الذي يعتبر اول مخرج صينى كسر حاجز البامبو، وقدم الصين للعالم. لكن الفيلم ركز على السياسة، وعطف على سنوات الشيوعية كجزء من تراث الصين، ولهذا لم يعلن الثورة عليها. أي انه فيلم يسير على خط الحزب الشيوعي الحالي، وهو تغيير رأسمالي من تحت حجاب شيوعي. ولم يعرض، في المهرجان فيلم من صنف «أبي وأنا»، الذي فيه تمرد واضح على الكونفشيوسية، دين الصين الروحي، أو على شاكلة «خطاب من امرأة مجهولة»، بنقده الواضح لسياسة الحزب الشيوعي. فمخرجة هذين الفيلمين اكسو جنغلي ،31 سنة، تنتمي الى الجيل الجديد، وقالت، مؤخرا، لمجلة اميركية انها «تعبت من نظرة الغرب لنا كقطع فنية، وتحف شرقية. نحن نغني ونرقص ونمارس الجنس، مثلما يفعلون هم». وفي الحقيقة، فإن فيلمها الثاني «خطاب من امرأة مجهولة»، اعتمد على قصة اميركية، مما يوضح ان الجيل الجديد، ليس كالأجيال القديمة التي يقدمها مهرجان الصين في واشنطن.

صراع في الخفاء

* وقالت اكسو انها تستعد لانتاج افلام جديدة «تختلف عن افلام الولد الذي يقابل البنت، ويتحابا، ويتزوجا»، وسيكون أحد أفلامها المقبلة، عن اميركا بعد هجوم 11 سبتمبر. ويمكن تصور رؤيتها من الآن، فرغم عمق الهوة بين الجيلين، الجديد والقديم، في الصين، فهما يتفقان على نظرة لأميركا، ملخصها انها قوية وحرة، لكنها متهورة ومفككة. وفي هذا قال اديب صيني جديد لمجلة «تايم» الاميركية: «انتم تريدون منا ان نتطور ما دمنا نخدم مصالحكم، ونبيع لكم الملابس الرخيصة. لكنكم يجب ان تقبلوا بنا كمساوين لكم». ومن ادباء الصين الجدد، ايضا، لي شاسا ، 23 سنة، وهو مؤلف كتاب «اكس» الذي سجل رقما قياسيا في التوزيع، رغم نقد الحزب الشيوعي الصيني له، او ربما بسبب نقد الحزب له. وتخصصت قصصه في عكس حياة اكثر من مائة مليون عامل صيني، سماهم «اشباح المدينة» لأنهم يعيشون في اماكن معينة في كل مدينة، لكنهم ليس لهم اي نفوذ عليها. يعيشون في المدن، ولا يشاهدهم احد، وكأنهم اشباح.

مشاعر مضطربة

* يوضح مهرجان الثقافة الصينية، انها حريصة على اقناع الاميركيين بأنها ليست اقل قيمة من ثقافتهم، خاصة لأن عمرها خمسة آلاف سنة. لكنها، في نفس الوقت، تعرف انها لن تقدر على هزيمة الثقافة الاميركية العملاقة. ويولد هذا خليطا من الغضب والتوتر، يمتزج بالحسد والاعجاب، كما هو حال وانغ شي، امبراطور العقارات في الصين، والذي يسمى «دونالد ترامب الصيني»، حين قال: «كيف يصبح ترامب بليونير عقارات ولا اصبح انا؟». وتوقع مراقبون ان وانغ، اذا استمر بنجاحاته، خلال السنوات العشر المقبلة كما نجح خلال العشر التي سبقتها، سيصبح اغنى تاجر عقارات في العالم. وهناك توتر كانغ لنغوي، الذي غضب يوم ضربت الطائرات الاميركية سفارة الصين في يوغسلافيا، خلال حرب البلقان سنة 1999 ونذر نفسه لعرقلة اتصالات الكمبيوتر في اميركا، وجمع في ليلة واحدة عشرين الف متطوع «هاكرز» عرقلوا كمبيوترات كثير من الوزارات الاميركية في واشنطن. ويقوم متطوعو الكمبيوتر الآن بكشف هزائم اميركا في العراق، ربما ليس حبا في العراقيين، ولكن نكاية في اميركا.

المكابرة الصينية

* لم تعد الميكرفونات في شوارع مدن الصين تردد: «الشرق احمر، واشرقت الشمس. زفت الصين عروسا لماو. انه يعمل لسعادة الشعب»، لكن فناني «الهيب هوب» اصبحوا يرقصون في الشوارع مقلدين سودا في اميركا، يرتدون ملابس غير انيقة ويرددون عبارات غير مؤدبة.

ولم يعد المحيط الهادي حاجزا يفصل بين اميركا والصين، ومن الذين عبروه ايمي تان، التي صارت اشهر كاتبة قصة اميركية صينية، ومن قصصها «نادي جوي لاك» التي تحولت فيلما ناجحا، يروي التناقضات بين الثقافتين الاميركية والصينية، داخل عائلة صينية هاجرت الى اميركا.

وبينما جاءت الى واشنطن اكبر فرق الثقافة الصينية، تفتخر بأصالتها وجذورها، يقف آلاف من شباب الصين في صف طويل امام السفارة الاميركية للحصول على تأشيرات دخول الى اميركا.