العلاقة بين الطبيب والمريض.. وعلم المداواة

ثلالة كتب سودانية عن الممارسة الطبية

TT

هذا الكتاب موجه لطلبة الطب والأطباء، ويقدم دعما تفصيليا لهم في تعاملهم مع المرضى. فالممارسة الطبية تتبدل بسرعة حاليا، وهي متأثرة بالتوسع الهائل الذي يطرأ كل يوم على التكنولوجيا الحديثة. وحاليا تستخدم طريقة التحقيق (الاستقصاء) الطبي كطريقة قصيرة للوصول إلى تشخيص المرض بدلا من بذل الجهد من قبل المعنيين كي يكونوا على صلة مباشرة بالمريض. ويرى البروفسور حميده أن «الطب يبقى فنا لا لتشخيص المرض فقط بل للتحكم به ولأداء عمل جيد يؤول إلى علاجه أو تخفيف أعراضه. ويحتاج الطبيب إلى أن يعرف المريض جيدا وأن يطور معه جسرا مبنيا على الثقة وهذا يمكن عمله حينما تكون هناك معرفة جيدة لتاريخ المريض مع تحقق فحص سريري دقيق. ويحتاج الكثير من المرضى إلى الكثير من التطمينات كي يثقوا بالطبيب».

ويؤكد المؤلف أن عنصرا هاما في التعامل مع المريض يهمل في الغالب وهذا يتمثل في تقديم الشرح للمريض لما وقع معه وما يتطلب منه كي يتم علاجه.

ومع سيادة اللغة الإنجليزية في معظم الجامعات العربية في تدريس الطب تكون هناك مشكلة أمام الطلبة تتمثل في كون المرضى يشرحون لهم ما بهم بالعربية (وغالبا ما تكون باللهجات الشعبية السائدة لهذه المنطقة أو تلك أو لهذا البلد أو ذاك) وهذا ما يؤول أحيانا إلى خطأ في الترجمة من لغة إلى أخرى، كذلك هناك الكثير من الكلمات العربية التي لا يمكن ترجمتها بنفس المعنى إلى الانجليزية لأن بعض الكلمات والجمل تحمل معها تأثير الثقافة والتقاليد.

يتكون الكتاب من عشرة فصول، تساعد الطبيب وطالب الطب في التعامل مع كل أجهزة الجسم مثل الجهاز التنفسي والجهاز الغذائي والجهاز العصبي وجهاز الحركة وجهاز الأحاسيس والجهاز الهورموني. وفي كل فصل هناك أربع مراحل يتناولها البروفسور حميدة وبطريقة منهجية وهذه هي: (1) تسجيل تاريخ المرض ، (2) الفحص الجسدي، (3) التحقيق (الاستقصاء) الطبي و(4) تشخيص المرض.

يقترح المؤلف على الطبيب أو طالب الطب إنشاء علاقة عمل جيدة مع المريض لأن توفر ذلك سيساعد على تطوير نوع من الحلف بين المريض وطبيبه ويكسب ثقة الأول بالثاني ورضاه عنه. كذلك ستساعد معرفة جيدة وتفصيلية لتاريخ المريض الطبيب على التخفيف من مخاوف مريضه وفيما إذا كانت هناك أسباب خفيفة لا شعورية للأعراض ولتصرف المريض تجاه المرض. وهذا سيساعد على توضيح وجهات النظر الغامضة ويطمئن المريض، وستكون الفائدة من ذلك كبيرة لأن المريض سيتبع نصائح الطبيب ويلتزم ببرنامجه العلاجي.

وعبر كل الفصول يقترح البروفسور حميدة مع كل جهاز من أجهزة الجسم طريقة محددة لإجراء الفحص الطبي الذي يلي مرحلة معرفة تاريخ المريض. ويرى أن «الطبيب الجيد هو مراقب جيد أيضا. ويجب أن يبدأ الفحص الجسدي حالما يلتقي الطبيب بمريضه. وعلى الرغم من أن الطلبة عليهم أن يقوموا بفحص دقيق لكل جسد المريض لكن عليهم أن يركزوا على الجهاز الأكثر إصابة. فهناك بعض العلامات الجسدية التي يمكن رؤيتها بشكل متكرر والتجربة يمكن الحصول عليها عن طريق فحص المرضى». يتناول الكتاب عبر فصوله المرحلة الثالثة التي تمر في عمل الطبيب وهذه تتمثل بالتحقيق (الاستقصاء) الطبي، فانطلاقا من المرحلتين السابقتين المتمثلتين بجمع تفاصيل تاريخ المريض وإجراء الفحوصات الجسدية له يمكن إجراء التحقيق الطبي. لكن الدكتور حميدة يتحفظ على الاعتماد الكبير في الكثير من بلدان العالم على التحقيق الطبي بدون الاهتمام كثيرا في الفحص السريري أو جمع تفاصيل تاريخ المريض بشكل كامل.

أما المرحلة الرابعة فتتمثل في تشخيص المرض. فبعد تحقق جمع للمعلومات الخاصة بتاريخ المريض وإجراء الفحص السريري له على الطبيب أن يطور نظرة محددة للمشكلة الصحية وفهم خاصية المريض ومزاجه من اجل أن يكون قادرا على شرح المشكلة له.

يؤكد البروفسورحميدة على أن من واجب الطبيب التحدث مع مريضه بصورة تنم عن اهتمامه بمعاناة المريض حيث أن كثيرا من الأطباء يتحدثون بترفع مع مرضاهم خصوصا أولئك القادمين من الريف أو الذين لم يتلقوا تعلميا عاليا. ومن «حق المريض على الطبيب أن يشرح له المرض بطريقة مبسطة ودبلوماسية وأن يبين له ما سيكون عليه الحال بعد العلاج، خاصة إذا كان من الأمراض المستعصية وكيفية متابعة المرض مع توضيح الآثار الجانبية المتوقعة وكيفية التغلب عليها».

في هذين الكتابين يضع البروفسور حميدة خبرته الواسعة لمساعدة الأطباء وطلبة الطب في السودان وفي العالم العربي بشكل عام في حقلين أساسيين هما «علم العقاقير» Pharmacology و«علم المداواة» Therpeuticsويبرر المؤلف إنجاز هذا الكتاب الواسع إلى ضرورة توفر المعرفة العميقة والعملية لدى الأطباء في الأدوية من حيث الكيفية التي تعمل وفقها وكيفية استخدامها فهذا شيء ضروري أيضا لطلبة الطب أثناء تحضيرهم للامتحانات. ولذلك هو أرفق مع كل فصل مجموعة من الأسئلة ذات الأجوبة المتعددة وما على الطالب إلا أن يختار الجواب الصحيح منها. وهذا يعطي فرصة له للمراجعة وترسيخ المعلومات في ذاكرته.

تعتبر العقاقير واحدة من أهم الوسائل للعلاج أو تحسين أعراض المرض ومنع أعراض المرض ومنع وقوعها وتكراره. وهناك بعض الادوية التي توزع أحيانا على مستوى شعبي واسع منعا للإصابة بأمراض معدية.

ما الجديد في الكتاب؟

يقول المؤلف إن هناك الكثير من الكتب في مجال علم العقاقير وعلم المداواة لكن أغلبها إما عميقة تكمن الحاجة إليها عند السعي للوصول إلى معلومات عميقة معينة، أو أن تكون الكتب صغيرة على شكل نشرات وكراريس طبية تتضمن جداول وملحوظات، «وأغلب هذه الكتب موجهة لأطباء وطلبة طب ينوون العمل في العالم الغربي المتطور وفي هذه الكتب تكون المعلومات المتعلقة بالأدوية الخاصة بأمراض البلدان الاستوائية إما غائبة أو أن يكون المرور فيها عابرا».

ومن خلال عمله في تدريس علم العقاقير السريرية وعلم المداواة لمدة 25 عاما في جامعة الخرطوم أدرك البروفسور حميدة أن «طلبتنا بحاجة إلى كتاب سهل القراءة ومهيأ بلغة انجليزية مبسطة ويحتوي على المعلومات الأساسية والمبادئ التي تخص الأدوية ومن استعمالاتها اليومية ضمن عملنا الطبي».

ويمكن تلخيص ما يهدف إليه هذا الكتاب بنقطتين. الأولى هي إعطاء القارئ معلومات عن مبادئ علم العقاقير وطريقة عملها واستخدامها العلاجي وكيف هي ردود فعل الجسم تجاهها. والثانية هي إعطاء القارئ معلومات دقيقة حول الأمراض موضع الدرس وأفضل الأدوية المستخدمة في العلاج. واختيار ووصف الأدوية هو دائما يوضع ضمن سياق الأمراض التي نود علاجها. والقارئ سيجد أقساما تفصيلية تتعلق بالأمراض الاستوائية الوبائية والهدف من ذلك هو التعويض عن النقص الموجود في هذا المجال في الكتب الغربية.

ويمكن القول إن الكتاب اعتمد على أسلوب تحديد المشكلة الطبية نفسها ثم سيجد القارئ في نهاية كل فصل المشاكل السريرية وأفضل الأجوبة لها.

يمكن اعتبار هذه الكتب الثلاثة التي ألفها البروفسور السوداني مأمون حميدة مساهمة هامة في تطوير مجال البحث الطبي خصوصا أنه يأخذ بنظر الاعتبار الطابع الخاص لبعض أمراض السودان والبلدان العربية بشكل عام والطابع الاجتماعي والثقافي للمنطقة أيضا. فالطب من وجهة نظر البروفسور مأمون حميدة فن وعلم في آن واحد لكن الشرط الاساسي للنجاح من وجهة نظره يكمن في توافق عقل الطبيب وقلبه من حيث مساعدته لمريضه.