العثمانيون يعودون إلى الواجهة من البوابة الدمشقية 

باحثون أتراك: العرب مطالبون بوقف التجني وإعادة النظر في تاريخنا المشترك

TT

منذ خروج العثمانيين من بلاد العرب، بعد الثورة العربية الكبرى التي دعمت من بريطانيا، وبعد مجزرة جمال باشا السفاح،

حدثت هوة بين العرب والأتراك، ظلت تتسع على مدى ما يقارب التسعين عاما. الأتراك اليوم يعتقدون أنهم ظلموا، وأن العرب حاكموهم

بالاعتماد على الوثائق الأجنبية، وهو ما أساء للعلاقة بين الطرفين، ولا بد من تصحيحه.

فالعرب حملوا العثمانيين مسؤولية الظلم الذي لحق بهم من الولاة والعسكر العثماني، ومسؤولية التخلف العلمي والاجتماعي الذي طاولهم بسبب الإدارة العثمانية، وأقاموا منظومة ثقافية تنال من الأتراك وتسخر من العثمانيين. في المقابل رأى الأتراك أن العرب يكرهونهم، وكانوا قد خانوهم وتحالفوا مع الأوروبيين ضدهم، من دون مراعاة للأخوة الدينية. وبرر الأتراك لأنفسهم مجافاة العرب والتحالف مع إسرائيل ضدهم، وظلت الخلافات تتوسع حتى وقت قريب، مع وصول تيارات ذات توجه إسلامي، كان آخرها الحزب الحاكم حاليا، بزعامة رجب طيب أردوغان، الذي قاد في السنوات الأخيرة، تحسنا في العلاقات مع سورية، وكانت دائما قبل ذلك متوترة. وقد عبر عن ذلك الكاتب التركي الراحل عزيز نسين حين زار دمشق في الثمانينات، وتحدث عن الكراهية التي لمسها في العراق نحو الأتراك، وتمنى أن تزول هذه الكراهية بين الشعبين. وسبق للأتراك أن عبروا عن استيائهم، واحتجوا على الطريقة التي يتم فيها تناولهم في الدراما التلفزيونية السورية، مما دفع السوريين إلى مراعاة شعور الأتراك في الأعمال التي تتناول العهد العثماني.

ويرى الأتراك أن ثمة سوء فهم، ومفاهيم خاطئة لدى العرب حيال العثمانيين، ساهم المستشرقون الغربيون في تعزيزها. وبعد أن انعقد، الأسبوع الماضي، مؤتمر في دمشق عاصمة بلاد الشام في العهد العثماني، تحت عنوان: «تاريخ بلاد الشام في العهد العثماني»، وبرعاية من الرئيس السوري بشار الأسد، وحضره الدكتور أكمل إحسان أوغلي، أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي، وشارك فيه خمسون باحثا ومؤرخا من دول مختلفة متخصصين في الدراسات العثمانية، تسنى للحضور العرب أن يسمعوا وجهة نظر الأتراك في دور العثمانيين وعلاقتهم بالعرب، وبشكل خاص بلاد الشام.

وبهذا الصدد، قال الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الدكتور أوغلي: هذا المؤتمر يطمح لأن يصحح الكثير من المفاهيم الخاطئة عن تاريخنا المشترك، وقال: إن الدولة العثمانية لم تكن تركية فقط، إذ كان العرب فيها جزءا أساسيا، وقد ساهم العثمانيون في تقدم هذه البلاد سواء في العهد الكلاسيكي أو في عهد التحديث في القرن التاسع عشر، لا سيما على صعيد تحديث الطب وبناء المستشفيات الحديثة. ورأى أحد المشاركين الأتراك، أن المؤتمر يعطي حافزا للباحثين والدارسين لأن يتمعنوا في دراسة الأرشيف والمعطيات التاريخية والمخطوطات الموجودة. ويذكر أنه ترافق مع المؤتمر معرض للأرشيف والوثائق العثمانية، ونوقشت فيه مواضيع تتعلق بمجالات عديدة: اقتصادية وثقافية وإدارية، ويرى البعض أن الظلم الذي كان يعاني منه العرب، لم يكن ينالهم لكونهم عربا، بل كان ينال الأتراك أيضا، وأن الفرمانات السلطانية التي كانت تصدر في اسطنبول كانت تطبق بنفس الطريقة هناك وفي بلاد الشام.

وقال الدكتور زكريا كورشت، المتخصص بالعلاقات العربية التركية في الفترة الأخيرة من العهد العثماني، وفي تاريخ تركيا الحديث من جامعة مرمرا: «علينا الآن كتابة تاريخ بلاد الشام والجزيرة العربية، وبلاد المغرب العربي من جديد، مستندين إلى الوثائق التاريخية الحقيقية وليس على المقولات والوثائق الأجنبية».

وقد أشار بعض الكتاب والمؤرخين العرب سابقا إلى وجود مبالغة في وصف العثمانيين من قبل العرب، وأن مظالم فادحة ارتكبها ابراهيم باشا في بلاد الشام ألصقت بهم. ولهذا من المفيد للعرب وللأتراك إعادة النظر في التاريخ على ضوء ما هو متوفر من وثائق.

ولم يخف المشاركون العرب والأتراك رغبتهم الصادقة في إنهاء حالة الانقطاع في العلاقات الثقافية والتاريخية بين العرب وتركيا، من خلال المزيد من هذه اللقاءات، التي اتفقوا على أن تكون دورية، وهي بالتأكيد تعبير عن حاجة الطرفين لبعضهما في ظل هذه الظروف الإقليمية والدولية، مستفيدين من الأجواء الإيجابية في العلاقات بين سورية وجارتها تركيا.