«البتر» و«الجز» أفعال تعود إلى عصر السكين الحجرية

TT

الصوت الغائب في الحوارات الحامية، والأخذ والرد، الذي سبق وتلا حجب روايات ونصوص محسن خالد إنترنتيا وورقياً في السودان، هو محسن خالد نفسه، وقد حاورناه، وهو في مغتربه الإماراتي لنعرف منه، هل تعمّد الاستفزاز طمعاً في تسلق سلم الشهرة، كما يقال عادة عن أصحاب الكتابات، المثيرة للجدل، أم أن له وجهة نظر، بقيت محتجبة خلف الضجيج. وهنا حوار قصير مع الروائي:

> أيمكن للكاتب أن يتحاشي الخطوط الحمراء التى تضعها السلطات بالتورية أو السرد المتحفظ؟ أم تراه يخل بالرواية؟

ـ أنا وقتي أصرفه على الاهتمام بآليات الكتابة وحدها وترقية أدواتها، ولن أخدم أبداً كـ«سائق كتابة» يعرف متى ينعطف يميناً ومتى عليه استخدام الضوء القصير أو الطويل، أنا لن أفعل ذلك، الكتابة تقود نفسها.

> لماذا قمت بطباعة الرواية أو كل أعمالك في لبنان؟ هل توقعت، سلفاَ، عدم موافقة المصنفات على طباعتها؟

ـ هذا خيار اتخذته بسبب عامل الاعتناء وجودة الطباعة فحسب، وليس من باب التحايل على الرقابات، لأنَّ أعمالاً أخرى لي طُبعت وراجت بالرغم من محاربتها، مثل رواية «قسيس الطبيعة»، ورواية «المرور أمام النشنكة».

> هل أعطتك الغربة بعض الشجاعة على «الكتابة الجريئة»؟ والتي يتحاشاها أدباؤنا الشباب؟

ـ الغربة علمتني التعرُّف على نفسي والإخلاص للكتابة وليس الشجاعة. حين يعيش الشخص بين قومه وأهله يكون له صوتٌ داخلي بالفعل، ولكن عادةً ضجيج العشيرة والمعارف يعلو فوق ذاك الصوت الداخلي. بطول التغرُّب والتوحُّد يختفي ضجيج العشيرة ويُخلص الشخص أكثر لما هو فيه.

> بعض الكتّاب يتعمدون مثل هذه الكتابات، ربما لأنها توصلهم الى الشهرة سريعا؟ ما تعليقك؟

ـ قلتُ لك إنني كاتب، ولستُ بـ«سائق كتابة»، فما من مطبات أتحاشاها وما من طرق أخرى مربحة، خارج رحلة الكتابة أجنح إليها عن عمد. أنا فقط ألتزم ما أراه جادةً صادقة للكتابة والحكي، مع استعداد كامل لتحمُّل تبعات ذلك، إن كانت المحاربة والسجون أو الاتهامات من جنس سؤالك هذا.

> أولا يضرك أن تكتب عن سيرتك الذاتية أو تكون بنفسك بطل رواية توصف بالجرأة؟ أم هو المجتمع العربي الذى لا يتقبل «اعترافات» الرجل؟

ـ أنا لم أكتب «اعترافات» بالمعنى التقني لهذه الكلمة، ولم أكتب السيرة الذاتية إلا كتقاطعات لنص واقعي أو مفترض مع ما يمكن الاستدلال عليه بقصة حياتي، بمعنى دقيق أنا كتبتُ «الرواية» برؤيتي الجديدة كلياً للرواية. ورواية «تيموليلت» تبدأ بعبارة الكتاب «ماعون للمحو، مثلما هو ماعونٌ للكتابة». أما بخصوص اعترافات المرأة العربية، فهاتِ أيتها المرأة العربية اعترافاتك، نحن الرجال نُنصت.

> أين المحاورة؟

يحتج محسن خالد بأن الوزير زاد حملته بحجب أعماله بالإجمال ومنها مقالة بعنوان «إصلاح الكتابة»، بالرغم من كونها تدور حول الحوار والإفادة في اللغة العربية! ويضيف: «معظم كتبي جُوبهت بالغضب والزعيق، ولم تُجابَه بالكتب والمنطق، كي تنتشر اتجاهات ثانية وبعيدة عن الغضب. في حربي ضدهم قلت: «الكلمات هي حربنا ضد الحرب، والكلمة لا يعترضها أحد. التاريخ من قبل أفتى بذلك، والانترنت خُلقِت خصوصاً لتأكيد هذه المقولة. الإيمان بأي شيء ـ بعد الآن ـ لن تحميه البطريركيات، مهما بلغت سلطاتها، إلا بقدر ما يستطيع ذلك الإيمان أن يحمي نفسه بداخل الشخص.

البتر ـ القطع ـ الحذف ـ الجزّ.. كلها أفعال تعود إلى عصر السكين الحجرية، وإنسان كهوفها، إنسان ما قبل الآدمي، «النياندرسيال مان» و«الكروماجنون».