مونيكا لوينسكي وبن لادن.. والرئيس مشرف.. وانفجار الخبر.. وهجوم 11 سبتمبر

مذكرات لويس فريه، مدير «إف بي آي» السابق

TT

لابد ان لويس فريه، المدير السابق لمكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي) لم يكن يكره الرئيس السابق كلنتون فقط، وانما كان يحتقره أيضاً. وكانت المشاكل بينهما قد بدأت منذ اول يوم عين فيه مديرا لمكتب التحقيقات الفدرالي، في صيف سنة 1993، او، في الحقيقة، بدأت منذ قبل ذلك، بسبب اختلاف مزاجي الرجلين، حتى قبل ان يختلفا في المواضيع السياسية والقانونية.

في كتاب مذكراته الذي صدر أخيرا عن دار نشر سنت مارتنز في نيويورك بعنوان: «اف بي آي: نصر على المافيا، وتحقيق مع كلنتون، واشتراك في الحرب ضد الارهاب»، يعترف فريه، في بداية كتابه، بأن كلنتون «سياسي من الدرجة الاولى. انا اعتبره احسن سياسي اميركي خلال جيل كامل. يعرف كيف يكسب الناس. وانا لم اعترض على ذلك، وتمنيت له النجاح، وتوقعت له النجاح، ونجح، لأن عنده كل مؤهلات السياسي الناجح».

ووصف فريه نفسه بأنه «ضابط تحقيقات مهني حذر، ورسمي، وغير عاطفي». واعترف: «لم اتوقع، منذ اول يوم، ان اكون صديقا لكلنتون». وكان كلنتون، من جانب آخر، قد قال في كتاب مذكراته انه لم يتوقع ان يجد اصدقاء كثيرين في واشنطن: «ان احسن صديق في واشنطن هو كلبك».

ويذكر فريه ان دعوة وصلته يوماً من البيت الابيض لحضور حفل عشاء، ومشاهدة فيلم سينمائي مع الممثل توم هانكنز في المسرح الخاص بالبيت الابيض، لكنه رفض. ولم يصدق ذلك مساعدوه في المكتب، ولم تصدق ذلك زوجته التي قالت له غاضبة: «كل المسؤولين في واشنطن يحلمون بدعوة من البيت الابيض».

واستغرب المسؤولون في البيت الابيض، وغضب الرئيس كلنتون قائلاً: «كيف يرفض دعوتي؟»

صحيح ان فريه الجاد ليس من مجموعة الممثل توم هانكنز. وصحيح انه لا يرتاح للقهقهة والاسترخاء مع غرباء، وانه ولد وتربى في نيويورك ونيوجيرسي (من ولايات اليانكي)، وينظر نظرة خاصة الى الذين ولدوا وتربوا في ولايات الجنوب (كلنتون من ولاية آركنسا)، لكن هذه الأسباب كلها لم تكن وراء رفضه دعوة كلنتون. يقول عن السبب الحقيقي: «لقد رفضت الدعوة لأننا كنا نحقق سرا مع كلنتون وزوجته واصدقائهما في فضيحة هوايتووتر».

وزادت المشاكل بين كلنتون وفريه عندما رفض فريه شيئا آخر: بطاقة دخول البيت الابيض في اي وقت، بدون اعلان مسبق.

ومرة اخرى اعتقدوا في البيت الابيض انه فعل ذلك كراهية في كلنتون. لكن فريه قال انه خاف من ان تؤثر هذه الدعوات والمجاملات على تحقيقاته مع كلنتون وزوجته واصدقائهما.

مونيكاغيت

حدث كل ذلك قبل يوم 16-1-1998، وهو اليوم الذي حققت فيه شرطة من مكتب التحقيقات الفدرالي مع مونيكا لوينسكي، سكرتيرة البيت الابيض، في فندق رتز كارلتون بالقرب من البنتاغون، بعد ان اوشت بها صديقتها، وقالت انها حصلت على اسرار من البيت الابيض لأنها صديقة الرئيس كلنتون.

واصبح ذلك اليوم بداية ما يعرف الآن بفضيحة العلاقة الجنسية بين كلنتون ومونيكا. استعمل فريه وصف «مونيكاغيت» (على وزن فضيحة «ايران غيت»)، وواضح من الوصف ان فريه لا يكاد يقدر على اخفاء احتقاره لكلنتون. ووصف فريه تفاصيل ما اسماها «اكثر تحقيقات مونيكاغيت صعوبة»، وهي فحص دم كلنتون لمقارنة حامضه الوراثي (دي ان ايه) مع المنويات التي كانت على الفستان الازرق الذي لبسته مونيكا خلال واحد من الجلسات الجنسية مع كلنتون في البيت الابيض.

سر معقد

جاء طلب الفحص، كما هو معروف، من كينيث ستار، المحقق الفدرالي في فضيحة علاقة كلنتون الجنسية مع بولا جونز، الموظفة في مكتب رئاسة ولاية آركنسا، التي اتهمته بأنه تحرش بها جنسيا. وقادت فضيحة بولا الى فضيحة مونيكا. ونادى فريه الفريق الذي سيقوم بفحص دم كلنتون، وقال لهم: «اذا عرف اي صحافي ما ستقومون به، سأفصلكم، ثم سأفصل نفسي».

كان فريه يعرف ان الخطة التي وضعت لذلك معقدة:

حدد مسبقا حفل عشاء رسمي سيقيمه كلنتون لرئيس دولة اجنبية. يستأذن كلنتون من الضيف، ويقول انه ذاهب الى الحمام. ينتظره في الحمام اطباء وممرضات. يطعنونه بحقنة، ويأخذون عينة من دمه. يعود كلنتون الى ضيفه ويعتذر عن تأخره في الحمام.

لكن قبل ذلك لا بد ان تسمح شرطة البيت الابيض للفريق بالدخول. ولابد ان تفتش الشرطة السرية الحقنة. ولابد ان يفحص الحقنة طبيب الرئيس كلنتون. ولابد ان يذهب الفريق الى البيت الابيض قبل ثلاث ساعات، ويخرج بعد ثلاث ساعات، حتى لا يثير الاهتمام خلال حفل عشاء لرئيس اجنبي.

مراوغات كلنتون

وظهرت كراهية فريه لكلنتون، اواحتقاره له، عندما انكر كلنتون، في البداية، وجود اي علاقة جنسية مع مونيكا. وكيف، بعد سنة ونصف سنة، اضطر لمخاطبة الشعب الاميركي في التلفزيون، والدخول في مناقشات فلسفية عن ماهية العملية الجنسية، وفيما إذا كانت علاقته مع مونيكا ينطبق عليها تعريف العلاقة الجنسية.

وظهرت كراهية، او احتقار، فريه لكلنتون، مرة اخرى، عندما تعمد عدم نشر رأيه في هذا الجدل الغريب، ربما استعلاء، او ربما تأففا، وحين نشرت سوزان رايت، القاضية التي حققت في القضية، رأيها الذي قالت فيه ان كلنتون «قدم تفسيرات معقدة للعلاقة الجنسية».

ويشير فريه الى ان القاضية رايت كانت تلميذة كلنتون عندما كان استاذ قانون في جامعة آركنسا (قبل ان يصبح سياسيا)، وانها، طبعا، امرأة، اي ان كلنتون اجبر تلميذته على مناقشة فضائحه الجنسية.

فريه و11 سبتمبر

يرفض فريه، في كتابه، تحمل مسؤولية التقصير في افشال هجوم 11 سبتمبر لاكثر من سبب: اولا، لأنه ترك العمل في مكتب التحقيقات قبل الهجوم بشهرين. ثانيا، لأن المكتب كان يعاني من نقص في الخبرات والمعدات. وثالثا، لأن المكتب نجح في مواجهة الارهاب، رغم قلة امكانياته.

واشار الى ان المكتب نجح في القبض على رمزي يوسف، الباكستاني الذي خطط للهجوم على مركز التجارة العالمي في نيويورك 1993. لكن المكتب لم ينجح في القبض على خالد شيخ محمد، زميل رمزي يوسف الذي هرب من اميركا بعد فشل الهجوم على مركز التجارة العالمي، واقسم ان يحاول مرة ثانية، وفعلا خطط لهجوم 11 سبتمبر.

ويقول فريه «لو كانت عندنا امكانيات كافية، ربما كنا اعتقلنا خالد، مثلما اعتقلنا يوسف، وربما كان مركز التجارة العالمي باقيا حتى اليوم».

خطف بن لادن

وكشف فريه خطة وضعت قبل ثلاث سنوات من هجوم 11 سبتمبر على اميركا، لخطف اسامة بن لادن من افغانستان واحضاره الى اميركا لمحاكمته. وقال ان مكتبه اشترك في وضع الخطة مع وكالة الاستخبارات المركزية (سي آى ايه) والبنتاغون. لكن البنتاغون الغى الخطة بعد ان رفضت باكستان الاشتراك فيها.

وكشف ان الخطة كانت شبيهة بخطة انقاذ الدبلوماسيين الاميركيين الذين اعتقلهم الايرانيون في السفارة الاميركية في طهران، بعد الثورة التي قادها آيه الله الخميني سنة 1978.

محطة الكس

وكشف فريه ان خطة خطف بن لادن كان اسمها «اليكس ستيشن» (محطة اليكس). واعتمدت على نقل جنود مارينز اميركيين الى مطار باكستاني قريب من الحدود مع افغانستان، لتنقلهم طائرات هليكوبتر الى مكان بن لادن. وشملت الخطة صورا بالاقمار الفضائية لمدن افغانية، ولمتابعة تحركات بن لادن، وركزت على قندهار، واعدت خرائط للمنازل التي من المحتمل ان يكون فيها بن لادن موجوداً.

لكن باكستان رفضت الاشتراك في الخطة (كانت باكستان في ذلك الوقت تؤيد حكومة طالبان). وبعد شهور قليلة من الغاء الخطة، وقع الهجوم على السفارتين الاميركيتين في كينيا وتانزانيا، وتأكد ان بن لادن وراءه. وذهب، هذه المرة، فريه الى باكستان وقابل الرئيس برفزير مشرف، وطلب مساعدته للقبض على بن لادن.

وتذكر فريه ان مشرف «كان يجلس في بهو مطل على حديقة جميلة، وضحك ضحكة عالية، وقال ان الاحزاب الباكستانية المعتدلة، ناهيك عن الاسلامية، سوف ترفض مجرد التفكير في التعاون مع الاميركيين، وان بن لادن، على اي حال، يتمتع بحماية حكومة طالبان».

انفجار الخبر

بالاضافة الى هذه المشكلة مع باكستان، شرح فريه في كتابه تفاصيل مشكلة مع السعودية، بعد الهجوم على عسكريين اميركيين هناك في سنة 1996. وهو يقول ان السعودي هاني الصايغ قاد سيارات للهجوم على ابراج الخبر، في قاعدة الملك عبد العزيز في الظهران، واشترك فيها آخرون من بينهم عبد الله الجرش، واحمد المغاسل ومصطفى قصاب، وكانوا كلهم اعضاء في حزب الله، كما يقول.

ويذكر أيضاً بأن الرئيس كلنتون لم يتعاون معه في تحميل ايران مسؤولية الهجوم. وأسهب فريه في الحديث عن ادلة قال ان المحققين الاميركيين عثروا عليها، واثبتت ان ايران هي التي مولت اعضاء حزب الله الذين اشتركوا في الهجوم.

لماذا رفض كلنتون اتهام ايران؟ يقول فريه: «ان كلنتون راهن على محمد خاتمي، رئيس ايران الجديد الذي كان قد فاز في الانتخابات آنذاك، وانه سيكون معتدلا، وان على واشنطن ان لا تعكر عليه الجو».