دساتير عراقية متقدمة.. لكن بلا تطبيق

TT

كتاب الدكتور رعد ناجي الجدة دراسة قانونية/ سياسية تتناول الحياة الدستورية في العراق، الذي صدر تحت عنوان «التطورات الدستورية في العراق» متضمنا خمس دراسات:

1 ـ مساهمة في دراسة مجلس قيادة الثورة.

2 ـ في قانون الأحزاب السياسية رقم 30 لسنة 1991

3 ـ الاتجاهات الجديدة في قانون المجلس الوطني رقم 26 لسنة 1959.

4 ـ رئيس الجمهورية في مشروع دستور العراق 1990.

5 ـ نظام المجلسين في مشروع دستور العراق.

يفترض بدستور اي دولة هو صورتها القانونية.

هذه الصورة تظهر الشعب والحكومة في حالة انتظام قانوني بعقد مكتوب متفق عليه مرتين: الأولى أثناء صياغته من قبل ممثلي الشعب (لجنة منتخبة أو من يمثل برلمانه باختصاصيين منتدبين لتلك المهمة). والثانية من خلال الاستفتاء عليه من قبل عموم الشعب. لكن هذا الاتفاق لم يتم في اي حقبة سياسية خلال تاريخ العراق منذ تأسيسه، ولم يجر أي استفتاء على اي من دساتيره . الدساتير كنصوص قد لا تلزم أي من الطرفين بتطبيقها والعودة إليها أثناء الحاجة في حالات كثيرة سواء عطل الدستور بقرار رسمي من أعلى هيئة في الدولة او عندما يجري ضربه عرض الحائط باعتباره نصا من بين نصوص كثيرة مهما اكتسبت تلك النصوص من طابع قانوني سرعان ما يجري تعديله أو الغاؤه أو تجاهله، على ضوء حاجة السلطة القائمة لتمرير سياساتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

تلكم هي حال الدستور العراقي، خصوصا بعيد استقلال العراق وتأسيس ما يسمى بالحكم الأهلي وقيام الدولة الملكية حتى سقوط نظام صدام حسين في 4 ابريل (نيسان)2003.

والمؤلف يقدم بهذا التوثيق خدمة جليلة لقرائه، من مختصين وباحثين وقراء مهتمين بهذا الشأن، ويضع بين أيديهم صورة بلادهم القانونية كنصوص متحركة أو معدلة حسب تطورات البلد السياسية والاجتماعية، ولكن أضعف ما في الكتاب هو الجانب التحليلي/ التعليقي على هذه النصوص بسبب الموقف السياسي للكاتب ورؤيته الآيديولوجية لموضوع كتابه، فهو، مثلا، يشير في اكثر من موضع إلى أن هذا الدستور أو ذاك يسكت عن هذه القضية أو تلك في معرض تحليله لكل تجربة على حدة أو حين يمهد لها بتقديم ما، نراه هو أيضا يسكت عن جملة الخروقات الدستورية المشينة التي ارتكبتها الدولة، بدءا بأعلى هيئاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، ممثلة برئيس الجمهورية وانتهاء بشرطي الأمن العادي (يجمع رئيس الجمهورية ومجلس قيادة الثورة جميع هذه السلطات بيديه، ويشترك معه عمليا جميع مؤسسات الدولة من قضاة ومحامين ورجال شرطة ومخابرات في تنفيذ قراراتهم بما في ذلك ممارسة التعذيب التي نصت حميع دساتير العراق ـ حتى العثماني منها ـ على تحريمه!)،لأكتشف أثناء القراءة أن المؤلف كان أحد أساتذة الجامعة العراقيين الذين انتدبوا من قبل نائب رئيس مجلس قيادة الثورة في آذار1989 كما جاء: «وعلى إثر إحياء فكرة إقامة دستور جديد للبلاد يصار إقراره بطريق الاستفتاء تشكلت لجنة فنية لإعداد مشروع الدستور بأمر من نائب رئيس مجلس قيادة الثورة في آذار 1989 تكونت من ثمانية أعضاء ضمت في عضويتها وزيرين وثلاثة من أساتذة الجامعة كان أحدهم كاتب هذه السطور».

بعد القانون الأساسي العثماني انبثق القانون الأساسي العراقي، إثر قيام الدولة العراقية، عام 1925، وتأسيس النظام الملكي الذي أطيح به عام 1958 لتتوالى على حكمه أربعة أنظمة هجينة اختلط فيها القومي (بشقيه البعثي والناصري) بالإسلاموي، وكانت عبارة «العروبة والإسلام» عبارة أثيرة في مجمل الخطاب الحكومي، وجرى تفريغها من أي محتوى إيجابي على مدار الساعة سواء على صعيد اجراءات السلطات المحلية ضد مواطنيها أو على الصعد العربية والإقليمية والدولية.

ورغم أن المؤلف اشار، بإمانة سياسية نادرة، في مقدمته إلى «الأنظمة الجمهورية الأربعة أخفقت في نقل العراق إلى مرحلة الشرعية الدستورية القائمة على أسس المؤسسات الدستورية» إلى أنه، مثلا لا يشير إلى الأسباب الجوهرية التي تخص بنية السلطة القائمة التي التزم حتى بالدستور الذي سنته هي بأقلام مشرعيها ومنتدبيها الرسميين المنتدبين ووضعت توقيعها عليه.

وإذ يتوقف المؤلف أما دستور الجمهورية الرابعة (1968ـ2003) «لأنه أطول النظم الجمهورية في تولي السلطة في العراق» ويخصها بوقفة دراسية خاصة لا يتردد عن قوله بأن هذا الدستور «رغم استمراره هذه الفترة الطويلة في قيادة السلطة لم يستطع نقل الحياة السياسية إلى مرحلة الشرعية الدستورية» وبدلا من استكمال مبحثه بشأن الأسباب الحقيقية لتعطيل الانتقال هذا يبرر الفشل «بسبب الظروف السياسية التي عرفتها هذه المرحلة سواء في قيام الحرب العراقية الإيرانية 1980 ـ 1988 أو أحداث حرب الخليج وفرض الحصار الاقتصادي على العراق مما كان له انعكاس سلبي خطير على مستوى الحياة الدستورية في العراق». لكن ما هي مبررات عدم نقل الحياة السياسية في العراق إلى مرحلة الشرعية الدستورية منذ دستور 21 أيلول 1968؟