أزمة سيناريوهات وأعمال هواة كلفتها 5 ملايين دولار

المسلسلات الجزائرية.. خيبت الآمال

TT

كشف شهر رمضان عن أزمة سيناريوهات جزائرية، وعن مبالغ مالية طائلة جرى تبديدها باسم إعطاء الفرصة للجيل الشاب من المخرجين والممثلين..

فيما عانى المشاهدون واحدا من أثقل مواسمهم!

جرت العادة أن يكون شهر رمضان الجزائري فرصة لتقديم أكبر عدد ممكن من الأعمال المحلية، كما أنه الموسم الحقيقي لقياس شعبية الممثلين وتوزيع ميداليات التفوق عليهم. فالأعمال التي تحصد الإعجاب الجماهيري سرعان ما تجد نفسها على منصة التتويج في المسابقة التلفزيونية المسمّاة (الفنك الذهبي).

هذه السنة لم تختلف القاعدة، بل بدا أن كل شيء جاهز لقضاء موسم مليء بالمتعة والإثارة، بفضل مشروع (جزأرة الشبكة البرنامجية) الذي بلغ حدود 80 بالمائة من ساعات البث، ناهيك من الإمكانيات الهائلة التي وفرت على مستوى التلفزيون الرسمي لتحقيق آمال المشاهدين.

العمل الذي كان منتظرا، هو مسلسل (بابور الدزاير) ـ باخرة الجزائر ـ الذي أشعل التكهنات باكرا، والسبب هو ميزانيته الاستثنائية، ناهيك عن الأرمادة الضخمة من النجوم التي ضمها، من بين هؤلاء النجمة الكوميدية (بيّونة) والتي كان اسمها كفيلا ليقطع بالمسلسل نصف الطريق إلى النجاح، و(عادل إمام الجزائر)، الفنان الضّاحك صالح أوقروت، والكوميدية (بختة)..الخ، والتقى كل ذلك مع فتنة المطربة أمل وهبي، وأناقة المغني عبده درياسة، نجل المطرب الكبير الحاج رابح درياسة، لتضاف إلى هذا الكوكتيل الثري، بصمة المخرج المعروف مرزاق علواش.

إلا أن النتيجة جاءت مخيبة للآمال، بشكل محبط، فكثافة النجوم فرضت نوعا من المحاصصة الفنية، وانصب جهد كاتب السيناريو والمخرج، حسب كثيرين، على توزيع دقائق الضوء على وجوه النجوم! إذ بدا نسيج السيناريو مهلهلا، وظهر الممثلون في سباق للوقوف أمام الكاميرا لأطول فترة ممكنة دونما مهارة. ولم يعرف أي مشاهد، الأسباب التي دعت المخرج لانتهاج هذه السياسة المجنونة، خصوصا أن المغني عبده درياسة وجد الشجاعة الكافية ليقول بالفم الملآن في تصريحات إعلامية، بأنه كان يقضي أيام التصوير في الشغب ومضايقة بقية الممثلين.. يعني لا اجتهد في حفظ الدور ولا عمل على تقمصه. رغم أن الواقع الجزائري ثري للغاية بما يصلح مادة للأعمال التلفزيونية، وأن التلفزيون الرسمي، نظم مسابقة لكُتّاب السيناريو مكّنته من الحصول على أكثر من 200 سيناريو جاهز مجانا، ما يشكل رصيدا، لعشر سنوات من الإنتاج، ورغم وجود عشرات الروايات المستقاة من الواقع الجزائري، التي تصلح مادّة للاشتغال عليها، رغم كل ذلك، فلم يفهم أي جزائري، كيف تم اختيار سيناريو المسلسل التلفزيوني (البذرة) الذي عرض خلال شهر رمضان. فالسيناريو مستحيل الوقوع، ولغته أقرب إلى الفصحى، وكأنه عمل ديني تاريخي، علماً بأن موضوعه اجتماعي بحت، يوميات عائلة ثرية ومشاكلها المادية والنفسية.

معروف من أن العائلات الجزائرية الثرية في قسمها الأعظم فرانكفونية التوجه واللغة، لكن مخرج المسلسل وجد في خياله الخصب مرتعا لعائلة ثرية تتحدث العربية الفصحى، وتنافس لغة الراحل عبد الله غيث في فيلم (الرسالة)، أو (أبو الطيب المتنبي)! ناهيك من هشاشة بنية العمل والفشل في إعطاء شخوصه أي مصداقية. فالبطل الملياردير ـ الذي لعب دوره الممثل المقتدر محمد عجايمي ـ لا يملك بطاقة شخصية ـ كارت ـ ولا هاتفا جوالا. وهي أشياء لا يمكن استساغتها منطقيا، فثلث الجزائريين يملكون هاتفا جوالا، بل ويملك الكثيرون من الموظفين «شبه السامين»، خطين فأكثر، فما بالك بملياردير يثير غيرة قارون؟! كل هذه الأخطاء كان يمكن تفسيرها لو أفلح المخرج في تقديم حبكة ذات معنى، إلا أن الذي حدث هو العكس، فقد جاء المسلسل على شكل موعظة مملة، استطالت لأكثر من خمس وعشرين حلقة.

حصيلة الموسم التلفزيوني الجزائري، كانت مجموعة من أعمال الهواة، صُرِفت عليها مبالغ طائلة لم تتناسب ومستواها، مثلا استهلك مسلسل (بابور الدزاير) ـ باخرة الجزائر ـ و(ناس ملاح سيتي) ـ مدينة اللطفاء ـ حوالي 5 ملايين دولار، وصرف على الباقي ما يساوي هذا المبلغ أو يزيد، لتكون المحصلة كومة من السيناريوهات الرديئة! هذا الموسم كشف أيضا عن قطيعة فعلية بين منتجي الأفلام والمسلسلات في الجزائر، وكتّاب السيناريو والرواية الشباب، ما جعل كلا منهما نقيض الآخر، بل وعدوه الطبيعي، هؤلاء يكتبون لأنفسهم وأولئك يمثلون لأنفسهم والدورة الإنتاجية مقطوعة!

ضخامة المبالغ التي صرفت، وهزال المضمون أوحيا لأحد الصحافيين الساخرين بالكتابة متعاطفا مع بيل غيتس ـ الذي كشفت الـ«نيويورك تايمز» عن فشله الذريع في تبديد ماله رغم طول محاولاته وجديتها ـ حيث خاطبه بالقول: «هل تعرفني يا بيل غيتس؟ لا أظن، ولكني أعتقد أنني أملك الحل الوحيد للقضاء على مالك، خلال العشر سنوات المقبلة.. نعم لأنني أعرف هؤلاء الذين بذروا خمسين مليارا من مالنا العام في شهر واحد، وأمام أعيننا.. إنهم خبراء في التبذير بشكل لا يصدق، فإذا أخلصت نيّة التجرد من مالك فاتصل بي، لأدلك على عنوان التلفزيون الجزائري!».