وجه للشبه بين «هالوين» أميركا و«قريقعان» السعودية

متعة الاحتفال بيوم الموتى

TT

احتفالات «هالوين» في أميركا مجهولة أصولها، أو هي ضبابية لغاية الآن، لكن الممارسات الأميركية في ذلك اليوم لها شبيه في بلدان كثيرة عربية وغير عربية، فهل للإنسان اينما كان رغبة في ابتكار طقوس بعينها؟

بعد غروب شمس اليوم الأخير من شهر أكتوبر الماضي، دق عشرات الملايين من الأولاد الأميركيين أبواب جيرانهم، وطلب كل واحد منهم هدية من صاحب البيت، وهدده، اذا لم يفعل ذلك، بالشرور وعواقب الامور. لكن صاحب كل بيت لبى الطلب في سعادة وقدم الحلوى للأولاد، لأنه كان قد استعد مسبقا بتخزين كميات كبيرة منها. ويتكرر هذه التقليد الاميركي سنوياً، ويأتي في المرتبة الثانية بعد عيد الميلاد. وبينما توجد صلة واضحة بين التقليد الثاني وميلاد عيسى المسيح، لا يعرف سبب مؤكد للتقليد الاول، ويعتقد البعض ان له صلة بخرافات عن الاموات والشياطين، وربما الدين والشعوذة.

فهي مناسبة تركز على الخوف والشر. ويطلق عليها «يوم الموتى» لأن كل عائلة تتذكر فيه موتاها، وتعد وجبة خاصة بهم، وتختار انواع الطعام التي كانوا يحبونها. وتذهب لتضع طعام الميت المفضل على قبره ليأكله. وغيرت عائلات كثيرة هذه العادة، واصبحت تقتصر على احتفالات في البيوت، وتضع جانبا طعاما للموتى لأكله عندما يعودون الى منازلهم. ويشبه «يوم الموتى» هذا «عشاء الموتى» في بعض الدول العربية، مثل الاردن، حيث تذبح عائلات ذبائح، وتترحم على موتاها، و«عشاء الميتين» في دول مثل السودان، حيث يطوف اولاد الحي على بيوت الجيران، ويهددونهم بالكوارث والمصائب اذا لم يطعموهم. ويشبه «قريقعان» في دول مثل السعودية، حيث يطوف الاولاد على المنازل لجمع الحلوى. يسمي الاميركيون يومهم «هالوين»، لكنهم يختلفون في تفسير معنى الكلمة:

يقول تفسير اول ان اصل الكلمة اسكتلندي، «ساوهين» (عيد الشمس)، ويعود الى ما قبل انتشار المسيحية في اورووبا، عندما كان الاوروبيون يعبدون الاصنام وآلهة الشمس. ويقول تفسير ثان ان اصلها ايرلندي، «هالوتايد» (عشاء الارواح، او عشاء الموتى)، يعود إلى ما قبل المسيحية، عندما كان القربان يقدم لإله الموت، خوفا منه. ويقول تفسير ثالث ان اصلها مسيحي، «اول هالوز» (كل القديسين). وان البابا بونيفيس الرابع، في القرن السابع الميلادي، غير اسم يوم الموتي، الذي كانت تحتفل به الامبراطورية الرومانية قبل المسيحية في شهر مايو (آيار)، الى «اول هالوز». ثم نقل البابا غريغوري اليوم من مايو الى اول نوفمبر.

وحدث الشيئ نفسه في اميركا الجنوبية، ولكن بعد ذلك بستمائة سنة، عندما وصل المبشرون الاسبان، ووجدوا ان الهنود الحمر يحتفلون بيوم الموتى، ويقدمون القربان الى «مستيكاوهاتيل» (ألهة الموت). وحول المبشرون المناسبة الى «عيد القديسين» في اليوم الاول من نوفمبر، لكن اسم «ديا دي مورتو» (يوم الموتي) استمر.

يلبس كثير من اولاد وبنات اميركا اقنعة جماجم وعظام وهياكل بشرية عندما يدقون على ابواب منازل جيرانهم في هذا اليوم. مما يوضح صلة المناسبة بالموت. وتزين البيوت بتماثيل ورموز مخيفة، مثل الأشباح، والقطط السوداء، والبوم، والوطاويط، والشياطين، واكفان الموتى. ويلبس الناس ازياء شخصيات سينمائية مخيفة مثل «دراكيولا» و«فرانكنشتائن». وأخيرا اشتهرت ازياء نجوم سينمائية وتلفزيونية غير مخيفة، مثل «ميكي ماوس» و«سندريلا» و«بيضاء الجليد» و«الرجل الوطواط» و«الرجل العنكبوت». اغلبية اصحاب البيوت يقدمون حلوى لمن يدق ابوابهم، ويقدم آخرون تفاحا وبرتقالا واقلاما ونقودا. ورغم ان المناسبة لم تكن للكبار، بدأ بعض هؤلاء يحتفلون بها، ويقيمون سهرات اقنعة وازياء تنكرية. ومنذ سنة 1950، توزع اللجنة الاميركية لدعم منظمة اليونسكو صناديق «هالوين اليونسكو»، لجمع تبرعات للمنظمة الدولية، بدلا عن جمع الحلوى. يهادن معظم رجال الدين الاميركيين المناسبة، رغم ان بعضهم يربطها بعصور الخرافة والشعوذة. ويهاجمها آخرون، مثل المسيحيين الشرقيين واليهود الاورثوكس. وتمنع كثير من المدارس الاسلامية تلاميذها من الاشتراك في مناسبة يرونها وثنية. لكن رجال الدين المسيحيين البروتستانت يحتفلون بما يسمونه، يوم القديسين، ويحيون مارتن لوثر، القس الالماني الذي وضع، يوم 31 اكتوبر 1517، على باب كنيسة كاستيل (في ساكسوني في شمال المانيا) 95 تقريرا ضد تفسير الفاتيكان للمسيحية، وبدا ثورة عهد الاصلاح، التي ادت الى عصر النهضة، ثم عصر التنوير.

لهذا يمكن القول ان هناك صلة بين جيوش الاولاد والبنات التي تجوب شوارع اميركا، تخيف الناس، وتطلب هدايا «هالوين»، وتطور الحضارة الغربية، لأن تقارير مارتن لوثر انتقدت سيطرة رجال الدين، وفسادهم، وسيطرتهم على الملوك والامراء، وتوزيعهم صكوك الغفران.

واصبح «هالوين»، خلال العشرين سنة الماضية، مثل الكرسماس، مناسبة تجارية تزيد اغراء الناس للشراء. وصرف الاميركيون، السنة الماضية، ثلاثة مليارات دولار على هذا الاحتفال. وقال د. رتشارد لاكمان، استاذ علم الاجتماع في جامعة نيويورك، ان «الراسمالية الاميركية عرفت كيف تستغل اعياد الفرح واعياد الخوف». ولاكمان هو صاحب كتاب «رأسماليون غصبا عنا» الذي يتحرى تاريخ الرأسمالية في اوروبا، واميركا.

واجرت جامعة اوهايو استفتاء عن اهمية «هالوين» في الثقافة الاميركية، فرأي 73 في المائة من الاميركيين انه مناسبة لاسعاد الاطفال، وهم لا يحللون معانيه التاريخية والفلسفية والدينية، و20 في المائة فقط تحفظوا على معاني المناسبة، وتركيزها على الخوف والعنف. ومعظم هؤلاء وصفوا انفسهم بانهم «محافظون».

ولاحظ د. لاكمان ان هالوين وصل حتى الى اليابان، كجزء من الثقافة الاميركية، بدون ان يتمعن اليابانيون في معناه وخلفياته، أو أصوله الدينية، وهم، حسبما قال «مثل شعوب كثيرة مولعة بالجانب المرح في الثقافة الاميركية، ولو كان مرح الجماجم والهياكل وتماثيل الموتى».