«مهرجانات المدينة» تحتفي بالمقام العراقي .. وأسطوانة لقصائد غونتر غراس تغنيها سحر طه بالعربية

TT

«إلهي أعدني إلى وطني عندليب

على جناح غيمة

على ضوء نجمة

أعدني فلة

ترف على صدر نبع وتلة

أغني الشروق

أغني الغروب

أغني الرّبيع

إلهي أعدني إلى وطني عندليب».

هذه الكلمات قالها الشاعر عبد الوهاب البياتي وهو بعيد عن وطنه، في عهد السلم. ولم يكن يتصوّر، ولا أحد كان يتصوّر، أنّ ذلك الوطن الذي كان يحن إلى شروقه وغروبه وربيعه سيشتعل ذات يوم ألسنة من لهيب، وسيتمزق شرّ ممزق، ومع ذلك لو قام البياتي من قبره ورأى العراق شظايا لهيب لتملكه نفس التمني ولعصف به نفس الحنين.

سحر طه عازفة العود العراقية الأصل المقيمة حاليا في بيروت، تلقفت هذه الأشعار للبياتي لتجول بها وترددها في مختلف الأقطار العربية والأجنبية من دمشق إلى جرش إلى بيت الدين إلى دار الأوبرا المصرية وقلعة صلاح الدين، ومن فيينا إلى برلين إلى مهرجان مدينة تونس.

بهذه القصيدة وبقصائد أخرى من التراث العراقي الاصيل التي تحرص سحر طه على إحيائها، من الأغاني الصوفيّة وقصائد الشعر الحديث والموشحات الأندلسيّة، أحيت الفنانة سحر حفلها في مهرجان المدينة بتونس العاصمة ومهرجانات المدينة في المدن التونسية الأخرى مثل سوسة وصفاقس والقيروان والمهدية ومنوبة...

وسحر طه وفيّة لمهرجان المدينة بتونس لسنوات عديدة تزورنا، لتغني بصوتها الشجى تلك الأغاني التراثية العتيقة ترافقها آلة السنطور. وقد قدمت هذه السنة بفرقة العازفات التي أسستها حديثا وأسمتها «عشتروت»، وهنّ صبايا لبنانيّات يشاركنها العزف والغناء. سحر طه غنت «ارتجالات صوفية» لكل من الحلاج وابن عربي وابن الفارض وابن غانم المقدسي والبهاء زهير وغيرهم.

وسحر طه لم تهتم بإحياء التراث العراقي عن طريق الغناء فقط بل اهتمت به نقدا وبحثا باعتبارها ناقدة موسيقية في جريدة المستقبل. فقد قدمت المحاضرات والدراسات في عدة بلدان عربية وأجنبية عن ماهية المقام العراقي وخصوصية الغناء العراقي، والموشح في العراق إلى غير ذلك... وقد أصدرت طه ألبوم «بغداديات» مع عازف العود عمر منير بشير في لبنان وألبوم مهرجان الموسيقى الأندلسية وألبوم «أغنيات من التراث العراقي» عن مؤسسة منير بشير للإنتاج الموسيقي في بودابست، وألبوم «غونتر غراس» يتضمن ألحان وغناء وعزف سحر طه لعشر قصائد للأديب الألماني غونتر غراس ترجمة الشاعرة أمل الجبوري.

وفى السهرة التي أحيتها بتونس في نطاق مهرجان مدينة منوبة، غنت سحر للبياتي القصيدة التي استفتحنا بها المقال ولناظم الغزالي، وفاضل عوّاد، كما غنّت للمطربة العراقية العريقة زهور حسين «لو للغرام حاكم» التى جددت توزيعها المطربة اللبنانية سهام الفقيه في الخمسينات. غنت سحر طه هذه الأغنية وفاء للفنانتين زهور حسين وسهام الفقيه، ومن باب الوفاء أيضا غنت للمطرب التونسي الراحل الهادي الجويني «تحت الياسمينة في الليل» وللورداكاش التي توفيت حديثا «آمنت بالله»، إلى جانب أغنية قديمة جدا لفائزة أحمد عندما مرّت بالعراق في الخمسينات قبل ذهابها إلى مصر «خي لا تسد الباب بوجه الأحباب»، وأخيرا ختمت بـ «ودعت بغداد» من شعر والدها هادي الخفاجي ومن ألحانها. كما غنت لشعوبي إبراهيم الذي دوّن المقام العراقي منذ سنة 1980

كانت فعلا سهرة الوفاء للرّواد الأوائل واعترافا لهم بالجميل، نفس وفائها لإحياء التراث العراقي القديم في زمن يطمس العدو فيه كل معالم حضارة العراق العظيم.