هل تقرأ أيها السياسي؟ وماذا تقرأ؟

TT

قد يكون غريبا أن تطرح على السياسيين العرب سؤالا من نوع هل تقرأ يا سيدي السياسي؟، ولكننا طرحناه على عدد من السياسيين في السلطة الفلسطينية والأحزاب والمؤسسات الشعبية، تتراوح مراتبهم وإجاباتهم، وفي مثل أحوال كهذه تترك النتائج أو التحليلات للقارئ الذكي بالضرورة. وفي حلقات قادمة، نتابع قراءات السياسيين، أو عدم قراءاتهم، في بلدان عربية أخرى.

الوزير الفلسطيني صلاح التعمري، يقول ان آخر كتاب قرأه كان للدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي وباللغة الإنجليزية وهو موسوعة عن الأدب الفلسطيني.

ويصفه بأنه إنجاز هائل للأديبة الشاعرة والأكاديمية سلمى الجيوسي ، التي يصفها بأنها «رائدة في مجال الأدب وهي انسانة حقيقية وعظيمة»، وهذه الموسوعة الوحيدة من نوعها التي صدرت باللغة الإنجليزية والتي تضم مختارات من الأدب الفلسطيني وصدورها بهذا الشكل إنجاز هائل، والكلام للتعمري.

> هل قراءاتك متنوعة؟

ـ التعمري: نعم، وزادت تنوعا بوجودي في الوطن، بإضافة قضايا لم نكن نهتم بها، صدقني عندما أجد في مجلة أو جريدة موضوعا عن نظام الصرف الصحي، مثلا، يلفت نظري واهتم به، لان مثل هذه المواضيع تهمنا في المجلس التشريعي وهي وغيرها من قضايا تخص المواطنين، علينا أن نكون على علم بها حتى نجد حلولا لها.

> ماذا كنت تقرأ في السابق؟

ـ في السابق كنت أقرأ تاريخا وأدبا، وأحب الأسطورة جدا، ولازلت مهتما بالأدب المقارن. واعتقد بان منابع الفكر الإنساني تقريبا واحدة متشابهة، ويمكن للواحد معرفتها من خلال الأسطورة، وكنت أقرا في الفلسفة، وهناك كتب أعيد قراءتها باستمرار مثل كتاب (المدينة الفاضلة) لأفلاطون وكتب للمؤرخ (ارنولد تويمبي) وللفيلسوف (نيتشه) و(شبنهور)، وهناك كتاب يقتربون من أن يكونوا فلاسفة، وهؤلاء أفضلهم على غيرهم مثل ت.س.اليوت، وعزرا باوند، وابو العلاء المعري، والمتنبي، واطرب للقران كثيرا لأنه في القرآن تكتمل الفلسفة بالأدب بالقيم الجمالية الفنية.

آخر كتاب قرأه حنا ناصر عمدة بيت لحم السابق هو (الذي لا يقال في الأمم المتحدة) لكاتب فرنسي، وعن مضمون الكتاب يقول ناصر بأنه ينتقد أداء الأمم المتحدة بصدد القضية الفلسطينية بالتحديد ويوجه انتقادات لاذعة لتخاذل بعض الدول الأوروبية وتقاعسها في مواجهة ما يعرف بالنظام العالمي الجديد. ويطالع ناصر أيضا الصحف اليومية، ويهتم بالافتتاحيات بالدرجة الأولى لأنها برأيه تعكس الوضع العام، ويتابع النشرات التي تصله تباعا فيما يتعلق بحقوق الإنسان وما يستجد من تقارير توزعها وكالة الأنباء الاميركية عن الأحداث، ويحرص على متابعة الأخبار المتلفزة وخاصة ما تبثه محطةCNN ولكنها برأيه تعطي دورا اكبر للإعلاميين الإسرائيليين ولا تعطي نفس الدور للفلسطينيين.

> حرصك على متابعة الوكالة والمحطة هل يعكس إعجابك بأميركا ؟

ـ المسألة تتعلق بان هذه الوسائل هي الأكثر سرعة ومهنية. ويشير ناصر انه يتابع الأحداث التي عاشها شعبه تباعا، وهو تواق ليكون عليما بكل الأحداث وتحليلها ويقول بأنه يتمتع بقدرة على التحليل السياسي، وكانت الوقائع تثبت صحة تحليلاته. ويؤكد بأنه يحب أن يقرأ، رغم ضيق الوقت، ويرى ان الذي لا يقرأ لا يستفيد ولا يستطيع إفادة الآخرين لأن القراءة شيء مهم جدا.

> من خلال معرفتك بالسياسيين الفلسطينيين، هل يقرأون ؟

ـ عدد منهم يقرأ، ويقرأ بشغف.

> هل تقرأ مواضيع أخرى غير السياسية، مثل الأدب والتاريخ؟

ـ التاريخ ممل، وما يهمني هو الحاضر، والمستقبل.

> والأدب؟

ـ أنا رجل واقعي، وقراءاتي في الأدب قليلة، كبعض المسرحيات، ولا توجد أسماء أدبية اتابعها بشكل محدد.

آخر شيء انتهى من قراءته نافذ الرفاعي عضو اللجنة الحركية العليا لحركة فتح في الضفة الغربية، كتابين هما الأغاني لأبي فرج الاصفهاني ومقدمة ابن خلدون، ويبرر قراءته لهذين الكتابين مؤخرا بأنه بمثابة «عودة للتاريخ في مراحل الانحطاط التي نعيشها كعرب اليوم».

ويعتبر الكتابين من عصارة الفكر العربي، ويقول بأنه دهش من ابن خلدون في تصنيفه لنشوء المدن والعمارة وتطورهما.

ويعتمد الرفاعي في قراءاته على مكتبة أبيه الذي كان عالما في الأزهر والكتب التي اقتناها هو بنفسه. ووالده مصري، وصل فلسطين، بعد سنوات من حكم عبد الناصر، لاختلافه السياسي معه، وتزوج فلسطينية.

ويقول الرفاعي بان والده ترك (6) الاف كتاب وزع منها (3) آلاف على روحه. ويقرأ الرفاعي الان أشعار نزار قباني مرة أخرى. ويقول عن هذه القراءة الثانية : «قراءاتي السابقة كانت لشعره الغزلي، ولكني اكتشفت بأنه مرهف الحس في شعره السياسي أيضاً، وأنه داعية لحرية الرأي والفكر وحرية النشر أيضا وداعية لوقف العسف العربي تجاه المفكرين.

وعن أهمية القراءة للسياسي يقول الرفاعي: «القراءة هي الزاد الذهني للسياسي، ولكن الان يوجد الاحتراف السياسي وهو خطير لأنه فيه قنونة للفكر باتجاه التطبيع السياسي والفكري علما بأنه هناك ضرورة لبقاء اختراق وتضاد ثقافي وحضاري وشعور قومي وإنساني الأبعاد ليشكل زادا للأجيال المقبلة». ويعتقد الرفاعي بان السياسي الفلسطيني الان قليل القراءة، علما بان السياسيين كانوا نهمين للقراءة خلال تاريخهم الاعتقالي والنضالي.

آخر ما قرأ محمود فنون عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مجموعة من الكتب السياسية، وكتاب أصدره نادي الأسير الفلسطيني يحوي قصصا وخواطر وشعرا عن قضية الأسرى.

وبشكل عام فان قراءات فنون متنوعة، وتشمل الأدب والأبحاث والتاريخ والدراسات الاقتصادية وما يترجم من مقالات تنشر في الصحف الإسرائيلية.

وبالنسبة للسياسي، فان القراءة مهمة، كما يرى فنون، لأنها تسلح السياسي بالمعرفة المباشرة وتساعده على العمق في النظر للأمور.

ويقول فنون «إذا لم يكن السياسي ملما بالتاريخ والاقتصاد والفلسفة، لا يمكن فهم السياسة، ولا اقصد هنا إلمام المتخصص، ولكن ذلك ضروري وخصوص للسياسي صاحب المبادىء والمواقف، الذي له رأي في الأحداث السياسية والقضايا العامة، وحكمه على الأمور يكون مرتبطا باطلاعه على الظواهر ليفهم نشأتها وتطورها».

ويرى فنون، انه من الضروري أيضا، اطلاع السياسي على الجريدة اليومية، ولو على العناوين ليحصل على بانوراما عن الأخبار السياسية.

وعن معرفته بالسياسيين وعلاقتهم بالقراءة، يقول فنون «ان السياسيين أصحاب المبادئ يقرأون بعكس الذين يتلقون المواقف والأوامر، والفرق واضح بين القسمين، فأصحاب المباديء يقومون بالتحليل واتخاذ المواقف في معمعان النضال الوطني، بعكس الذين ليس لديهم دور في توجيه الحركة السياسية».

ويرى فنون بان الاشتغال بالسياسة يؤثر على القراءة، فالسياسي في هذه الحالة مثل (أم العروس) لان معظم الوقت مخصص للعمل السياسي والوطني. وبالنسبة له يخصص وقته الصباحي للقراءة «حيث يكون العمل السياسي نائما، وفي نهاية الليل اقرأ أيضا».

خالد العزة عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، يقسم السياسيين إلى قسمين، الأول مهتم بالقضايا السياسية ولا بد أن يقرأ ويعرف المعلومات لتساعده على اتخاذ قرار سياسي، وقسم آخر وظيفي قراءته تنحصر بمتطلبات وظيفته أو قد تكون متنوعة.

وآخر كتاب قراه العزة، كان منذ عام وهو رواية بعنوان (حبال من رمال) للروائي الراحل عبد الرحمن منيف. وهو يعتقد أن مستوى قراءة السياسيين ليس بالمستوى المطلوب، ويؤكد بأنه رغم مشاغل السياسيين فان هناك دائما متسعاً للقراءة، ويقو: ان عدم قراءة السياسي يؤثر على عمله وكفاءته، فأي تحليل سياسي يحتاج لتغذية دائمة بالقراءة والمتابعة. الباحث محمد مناصرة يقول «لا اعتقد بان السياسيين في بلادنا يمكن حسابهم على مجموع القراء، ربما كان بعضهم كذلك، فالآراء والتصريحات والمسالك السياسية الصادرة عن هؤلاء السياسيين أفرادا أو جماعات لا تشير إلى أنهم يقرأون». ويضيف مناصرة «بمقدور القاريء الإلمام بكنوز المعرفة، وبالمعلومات وبالمتغيرات المحلية على كل مستوياتها وكذلك المتغيرات على الساحتين العربية والكونية، وعلى ضوئها يتخذ قرارات ويصوغ برامج تمكنه من التكيف مع حقائق الوضع الجديد ومع استحقاقات كل مرحلة جديدة، ولكن الأزمات العميقة للقادة السياسيين، في بلادنا، فكريا وثقافيا، وانقطاعهم عن الحياة والناس يشير بوضوح أنهم لا يملكون القدرة على فهم استحقاقات المرحلة والاستنتاج المنطقي هو أنهم لا يقرأون».

ويشعر مناصرة بالحزن، حين يستمع لرأي من السياسيين وذلك حسب قوله «لمعرفتي بالفجوة العميقة التي تفصل بين ما يقولون وما يحدث على ارض الواقع، انني حزين لقول ذلك واملك الشجاعة لتوجيه الدعوة لجميع القادة السياسيين وتحديدا في الفصائل الوطنية، وأولئك الذين في موقع القرار في السلطة الوطنية لإخلاء المسرح قبل أن يتهدم على رؤوسهم».

> ولكن من استطلعنا آراءهم ذكروا أسماء الكتب التي قرأوها؟

مناصرة: المحك في القراءة ليس معرفتك بعناوين الكتب وأسمائها وأسماء المؤلفين، القراءة تعني أن تفهم وتترجم هذا الفهم إلى سلوك، والسلوك الذي نراه يعكس حقيقة أنهم لا يقرأون، ربما بعضهم يقرأ بهدف حفظ المعلومات دون الاستفادة منها وأنا أقول لهؤلاء لدينا ورق وكتب كثيرة ولدينا مطابع ودور نشر ولا نحتاج إلى قواميس تمشي على قدمين، نريد قادة سياسيين قادرين على التفكير، ما قيمة القراءة إذا لم تساعدك على التفكير، بربك دلني على الإسهامات الفكرية لقادتنا السياسيين في الفكر والثقافة الفلسطينية، قد أكون أعمى، دلني أنت.