الدعاة الجدد والرعاة والجمهور

احتلوا صدارة المشهد الإسلامي في مصر بعد حصار الإخوان المسلمين

TT

من هم الدعاة الجدد، وفيما هم مخهاتف عن غيرهم من الدعاة الأزهريين التقليديين، وهل اصبح ظهورهم المضطرد وموضوعاتهم المطروحة يشكل ظاهرة تستحق الدراسة والتحليل، أم أن الموضوع في مجمله هو «تديين ما هو حديث»، وذلك في إطار فكرة تديين مظاهر الحداثة في كل شيء يمكن أن يطلق عليه صفة إسلامي»، كما جاء في هذا الكتاب؟

يحاول وائل لطفي، مؤلف كتاب «ظاهرة الدعاة الجدد.. تحليل اجتماعي»، الصادر حديثا عن مشروع مكتبة الأسرة بالقاهرة، أن يقدم تعريفات جامعة لظاهرة الدعاة الجدد التي طرأت على المجتمع المصري في الآونة الأخيرة، واستطاعت أن تفرض نفسها على الساحة، إذ أن هؤلاء الدعاة استثمروا جميع الوسائل المتاحة لنشر أفكارهم، وتمكنوا من التعامل مع أدوات الحداثة ومنجزاتها فتوغلوا في الفضائيات ومواقع الإنترنت.

يرى المؤلف أن هؤلاء الدعاة الجدد يخهاتف شكلا ومضمونا عن أولئك الدعاة التقليديين، بدءاً من تحديث المظهر وانتهاء إلى لغة الخطاب التي تتخذ شكلا دراميا في معظمها، فضلا عن تحديث الموضوعات التي يصفها بأنها «قد تهم المتحدث اكثر مما تهم السامع». إن هؤلاء الدعاة، كما يضيف، دعاة اخلاقيون في المقام الأول يتبنون فكرة الإصلاح، يهدفون للوصول إلى مجتمع متدين، دون مخاطرة الانضمام لجماعة من الجماعات، ودون التصدي لما هو سائد أو العداء معه لأنهم متحمسون لفكرة الإسلام الاجتماعي وليس السياسي.

ويرصد المؤلف المشهد الديني الإسلامي في مصر، احتلال الدعاة الجدد صدارة المشهد اليوم بكونهم يشكلون أهم ظاهرة إسلامية حاليا يشهدها المجتمع المصري بعد انحسار نشاط التنظيمات الراديكالية العنيفة ومراجعاتها الفكرية التي أعلنت فيها عن تخليها عن العنف كوسيلة لتغيير المجتمع، وفي ضوء حالة الركود السياسي والاقتصادي والمدني المتضافرة مع حالة الحصار المفروضة على جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها جماعة تفتقر للشرعية على المستوى السياسي الرسمي.

وفي خلفية المشهد الديني رصد الكاتب عديدا من التفاصيل التي تبدو متشابكة لتشكل في النهاية أجزاء الصورة الكلية له، مثل الطب الإسلامي، والعلاج بالحجامة، والطب النبوي التي يشارك في التنظير لها علماء يحملون شهادات علمية يعتد بها ويستجيب لها جمهور ينتمي للشرائح العليا من الطبقة المتوسطة.

ويفسر الكاتب انسياق هذا الجمهور وراء ذلك النوع من العلاج على أنه حالة حنين لماض مثالي يشكل مهربا من واقع مظلم.

وبتعدد خلفيات المشهد الديني التي يرصدها المؤلف فإن الاقتصاد، بشكل أو بآخر، يبدو حاضرا بقوة في كل تفاصيل هذا المشهد الديني سواء عبر رجال الأعمال الذين يتولون رعاية ودعم وتقديم بعض الدعاة الجدد أو عبر شركات الكاسيت الإسلامي التي يمتلك بعضهم أجزاء منها، والتي تحقق أرباحا هائلة كما في مثال عمرو خالد، الذي كانت مجموعاته هي الأعلى مبيعا في معرض الكتاب بالقاهرة العام الماضي.

الاقتصاد يبدو حاضرا أيضا وبقوة في خطاب هؤلاء، وهو خطاب يبارك الثروة ويجعلها دليلا على رضى الله، ويعتبر أن تنميتها هي فعل من أفعال التقرب إلى الله، بل إن بعضهم مثل خالد الجندي لا يرى غضاضة في أن يحصل الدعاة الجدد على أموال من الأثرياء كتلك التي يمنحونها للاعبي الكرة والفنانين، وهو مثل الداعية الأشهر عمرو خالد يعتقد أن هؤلاء اكثر قدرة على الطاعة.

جمهور هؤلاء متعدد، لكن النسبة الغالبة تبقي للشبان والشابات المنتمين للشرائح العليا من الطبقة الوسطى، وهم مؤهلون تأهيلا علميا جيدا، ومعظمهم مهنيون ناجحون يعملون في مجالات البنوك وشركات الاتصال والفروع المصرية للشركات الغربية، وبشكل أو بآخر فإن هؤلاء سيشكلون النخبة القادمة في مصر. وإذا كان الأمر لا يخلو من دلالة سياسية فإنه أيضا يعني أن الاقتصاد يبقي حاضرا وبقوة لدى كل أطراف اللعبة (الرعاة والدعاة والجمهور).