فرقة عشتار الفلسطينية تعود إلى جبران لتواجه «جبابرة العصر»

محاولة لتحدي الفنتازيا واستفزاز الخيال

TT

لم يبخل الجمهور النخبوي الصغير على الراقصة، التي ظهرت خلال عرض مسرحي تجريبي اكثر من مرة، بالتصفيق الحار، رغم انها ليست راقصة بالمعنى المعروف، إلا أنها كسرت حدة جدية الموضوع الذي تطرحه مسرحية «جبابرة الأرض» لفرقة عشتار الفلسطينية.

في أول تجربة إخراجية لها عادت نجمة فرقة عشتار الفنانة ايمان عون إلى نص قديم لجبران خليل جبران لتقدم مع الفنان التشكيلي تيسير بركات رؤية لعمل جبران، يحاكي ما يحدث الآن، بدون مباشرة ودون التخلي عن مغامرة التجريب.

وتتحدث المسرحية عن ثلاثة جبابرة يمثل الأول نمط الجبار المكبل اليدين الانهزامي الذي يرى بعيون المضطهد (بفتح الهاء) فيزداد شقاوة، في حين يمثل الجبار الثاني الفكر الانتهازي البراغماتي الذي يرى بان القوة والجبروت من دعائم التقدم والرقي وان الظلم الواقع على الآخرين ليس إلا الطاقة المحركة لعجلة الارتقاء وهو مثقل بعبئه يحاول المقاومة لكنه ينكسر بسرعة أمام جبروت القوة. أما الثالث فهو داعية للعودة إلى خط التماس حيث جوهر الإنسانية الذي يكمن في الحب والجمال والسكينة والوئام والعدل والتسامح. يخرج الجبابرة الثلاثة للمشاهدين في سؤال مفتوح ودعوة مبطنة: أي طرف نختار وهل في اختيارنا شرر؟ «فالشرر يتطاير وفي كل شرارة شمس». يؤدي أدوار الجبابرة ثلاثة من الفنانين الفلسطينيين هم: وليد عبد السلام، ومحمد عيد، وعمر الجلاد، حاولوا إعطاء كل ما عندهم لتقديم عمل يتجاوب معه الجمهور ولا يتنازل عن فنيته. تشارك في العمل ميسون الرفيدي، وهي راقصة ومصممة ومدربة رقص، حصلت على دبلوم في الرقص من مركز لابان في لندن، قدمت لوحات تعبيرية بمصاحبة الموسيقي رامي وشحة، المتخصص في آلة البزق.

وبحسب المتابعين لمسيرة المسرح الفلسطيني فان تقديم مسرحية في مثل الظروف التي تعيشها الأراضي المحتلة هو إنجاز بحد ذاته، ومع ذلك حاول القائمون على المسرحية أن يرتقوا فنيا بمسرحيتهم وبرزت السينوغرافيا التي اشرف عليها الفنان تيسير بركات. أما لماذا تلجأ مسرحية تجريبية إلى نص لجبران خليل جبران كتبه في بداية القرن الماضي بروح رومانسية عالية ورؤية فلسفية عن أنماط الصراع البشري المهزوم، والمنتصر، والثالث الفيصل بينهما، فهو ما يجيب عنه طاقم المسرحية بالقول «سعينا إلى خلق نسيج غير بعيد عن تلك الفلسفة وان كنا تخلينا عن رومانسية جبران إلا أننا حافظنا على جوهر الطرح وشاعريته».

وترى مخرجة المسرحية إيمان عون أن تجربتها مع «جبابرة الأرض» هي «محاولة لتحدي الفنتازيا واستفزاز الخيال. ليس من السهل التعامل مع نص شعري فلسفي في أول تجربة لي على صعيد الإخراج الحرفي، ولكنها أشبه ما تكون بمحاولة لخلق مفردات ذاتية لم تنطق بعد. في هذا العمل أحاول أن أشكل بأجساد الممثلين الفضاء المسرحي واجسد باللغة طاقة ديناميكية تنطلق الى اللامحدود مرورا بكل من يتلقاها». وتضيف المخرجة «بحثت في الخروج من عتبة الرتابة اليومية للغوص والتحليق وعملت على تفكيك الأسوار الإسمنتية للذات، التي يحملها كل منا في رحلته عبر هذا العالم، ودرستها مع الفريق اركيولوجيا حتى نستطيع معا تجاوزها. هذا كله كان النطفة التي وهبت الحياة لهذا المولود الجديد الذي آمل أن يكون بدوره غير حيادي، غير مضطهد، وانما يقف على خط المكاشفة والتفرد».

أما الفنان تيسير بركات الذي شارك ايمان عون (الرؤية المسرحية) فيقول «رسمت ثم رسمت.. أوقفت الزمن وامسكت الشخوص والفكرة.. وها أنا احلق بعيدا في التجربة والروح واطلق العنان لذاتي التي امتزجت مع المجموع في تجربة جديدة لتسبح هذه الشخوص في فضاء اللازمان، أشكل فيها كسور عظامي وثباتي أمام الريح، استعرض فيها نصر أجدادي الذي لا فضل لي فيه، أداوي جروحا وافتح جراحا أسعى جاهدا كي أسمو عليها. إنها الانعتاق من المألوف وارتياد عوالم مجهولة.. إنها ارجواني الكنعاني، لازورد حمورابي، وازرق الاسكندر المقدوني، وقوس قزح الشرق.. انها الاغتسال الأول والملامسة البكر لرذاذ أول موجة على شواطئ المتوسط».