تجربة فرنكفونية تروي الشرق على المسرح الغربي

«كتابات رحالة» في لبنان

TT

ستة كتاب فرنكفونيين حطوا رحالهم في لبنان، وانضم إليهم كاتبان لبنانيان، ليجولوا معاً في البلاد طوال 22 يوما، يحتكون خلالها مع مواطنين وممثلين محليين، يزورون عددا من المدن والمناطق الأثرية على أن يكتبوا، بعد عودتهم إلى بلدانهم، نصوصا مسرحية فرنسية مستوحاة من الأجواء التي يعيشونها حاليا. محاولة لتجسير الهوة بين عالمين بالكلمة والنص والمشاهدة المباشرة الحية.

فكرة حديثة العهد، ابتكرتها مونيك بلان، حين أسست عام 2000، انطلاقاً من لبنان، جمعية «كتابات رحالة». وقتذاك، كتب تسعة كتاب فرنكفونيون نصوصا مسرحية فرنسية، علها تنجح في إلقاء الضوء على ما عايشوه وشاهدوه بأم العين. فالقصد من المشروع، في الأساس، هو إلقاء الضوء على الثقافات المهمشة ومشاركة الحياة الاجتماعية والثقافية لسكان البلدان المستضيفة.

سنة بعد أخرى تطورت الجمعية حتى جالت بلدانا عدة منها توغو، مالي، المغرب، الكاميرون، سورية، بلجيكا برفقة كتاب مختلفين في كل مرة. وتحظى الجمعية اليوم بدعم وزارتي الثقافة والخارجية الفرنسيتين، ويترأسها الشاعر والروائي والكاتب المسرحي الجزائري محمد قاسمي الذي قال: «إن الزيارة إلى لبنان، هدفها إعطاء فرصة لهؤلاء الكتاب لاكتشاف بيروت وأهلها وتخزين صور وانطباعات ليكتبوا نصوصا فرنسية بعد رحيلهم تعكس الجو العام لثقافة البلد».

خلال سنة سيكتب المشاركون مخطوطاتهم، لتخضع في ما بعد لفحص لجنة القراءة قبل أن تنشر وتضاف إلى المجموعة السابقة. وستنتقي مؤسسة بومارشيه الفرنسية أفضل ثلاثة نصوص لتعرَّبها وتنشرها في بيروت. واللافت أن الكتاب لم يضعوا أفكارا مسبقة لنصوصهم، كذلك لم يلزمهم احد بمحور معين. وإحدى المشاركات وهي آن بورلون (بلجيكا) لها تجربة مميزة، إذ عاشت لأكثر من خمسة اعوام في فلسطين حيث عملت منسقة للتعاون الثقافي، ونحو أربعة أعوام أخرى في لبنان الذي غادرته في فبراير (شباط) 2005، «لأسباب شخصية وليس أمنية»، كما تقول. كتبت رواية، ستصور قريبا، عن بيروت وعن العلاقة التي يمكن أن تنشأ مع مدينة ما. ورغم ذلك، لم تتبلور لديها فكرة واضحة عما ستكتبه. فقد عادت «برؤية مختلفة لمدينة ساحرة ومعقدة يصعب فهمها بالكامل» كما تصفها بورلون.

أما ستانيسلاس كوتون (بلجيكا) فلديه أفكار مبعثرة عن شخصيات لنصه كما انه يدون ملاحظاته حول ما يراه ويسمعه منذ وصوله. فلبنان بالنسبة إليه غامض لا يعرف عنه شيئا سوى ما رآه عن الحرب، عبر شاشات التلفزة. وقال بعدما جال بمفرده في بيروت حتى وصل إلى المرفأ: «صدمت بالفخامة التي رأيتها في بعض الأماكن وبالمظاهر لدى اللبنانيين»، لكنه أعجب بالحشرية التي لمسها لدى المشاركين في محترف الكتابة الذي أداره في «مسرح المدينة». وابدى كوتون حماسا لزيارة «العديد من المناطق اللبنانية كبيبلوس (جبيل) وبعلبك ومخيم صبرا، حيث وقعت المجازر» وصمت ليقول: «أعتقد أنه لو استطاع الجميع أن يسافروا لكان عالمنا أفضل».

في حين أن ريمي دو فوس (فرنسا) شعر بالراحة لدى وصوله إلى بيروت «أحسست أنني في باريس، رغم أن هذه المدينة لا نفهمها بسرعة». وكجميع المشاركين أخذ يسجل أفكاره وملاحظاته.

ورودريغ نورمان (توغو) الذي يعيش في بروكسيل، بدا متحمسا للتعرف إلى لبنان خصوصا أن «الجالية اللبنانية كبيرة في توغو» ويريد الاستفادة من كل لحظة يمضيها في العاصمة» سأنتبه لأصغر تفصيل. سأقرأ الصحف وسأذهب إلى المقاهي وأتحدث إلى المواطنين بعفوية، لأتعرف إلى نمط حياتهم، آمل أن يكونوا متعاونين». ولاحظ لدى وصوله «كثرة المصارف والمحال التجارية، شعرت أنني في أوروبا».

مشروع «كتابات رحالة» للعام 2005، له طابع مميز، لأن تعاوناً يقوم حالياً بين الجمعية «البعثة الثقافية للسفارة الفرنسية» ومديرة «مسرح المدينة» نضال الأشقر التي فتحت صالاتها للمشاركين الثمانية (بينهم لبنانيان: ديميتري ملكي وإيلي كرم) ليتعرفوا إلى ممثلين لبنانيين ومواهب شابة ومهتمين فينقلون إليهم خبراتهم خلال محترفات تتناول أصول الكتابة المسرحية وتقنياتها، ومساء يعقدون جلسات لقراءة نصوص من خزانات «الرحالة». وقد تولى المهمة ممثلون من محترف نادين مقدسي. فكان عرض لنص رودريغ نورمان، يروي قصة شاب مولع بالموسيقى وقد ترك لذلك عائلته ليعود إليها بعدما ماتت والدته. فقرر التخلي عن أحلامه ليهتم بشقيقه وشقيقته. والثاني لريمي دو فوس، يحكي عذاب شاب قرر خوض مجال التمثيل فإذا به يستمع كل ليلة إلى تذمر والدته التي يئست بدورها من إقناعه بالعدول عن خياره الذي «لا يطعم خبزا».

السبت الماضي كانت أمسية، شارك فيها الرحالة، بتكريم الكاتب المسرحي اللبناني ريمون جبارة. قرأ خلالها ثلاثة نصوص، وهي «المسافر» لجبارة، «حياة وآلام الجنرال فرانكو» لأسامة العارف و «أوهام لايدي ماك بيث» لهدى بركات.

فكرة فرنسية تحاول إيجاد جسر تواصل بين غرب، يسعى إلى الانفتاح على شرق، يتخبط منذ عقود، في عقدة الدونية. فهل ينجح هؤلاء «الرحالة» في وضع قصص مسرحية شرقية يعرضونها لجمهور غربي، ربما يتعرف إلى أبعد وأعمق مما يراه عبر وسائل إعلامه؟