قدرة بعض الدعايات السورية على تنفير المستهلك

حذاء سندريلا المفقود تحول إلى علكة

TT

حظيت الإعلانات دوما باهتمام القنوات التلفزيونية، لما تحققه من أرباح مادية تساعد على استمرار القناة وتؤكد نجاحها من خلال وفرة مشاهديها. ومع تزاحم الأعمال التلفزيونية خلال شهر رمضان الفائت، واتساع دائرة الفرجة، على الأقنية السورية الفضائية والأرضية، ازداد كم الإعلانات بشكل مبالغ فيه، وتفاوتت كثافتها حسب أهمية العمل الدرامي ومخرجه ونجومه. وهو ما أثار استياء المشاهد، ليس من الكم الإعلاني، بل من النوعية التي تسخر منه ومن ذائقته الفنية، ومن المنتج الذي تتعامل معه باستسهال، مستخدمة قوالب جاهزة تعتمد أغاني ناجحة لمطربين معروفين مثل نانسي عجرم، وروبي، وهيفاء وهبي... مع القيام بلعبة كلمات بسيطة تدل على المنتج، تنسجم مع اللحن حينا وتتنافر معهغالبا.

سلسلة من النماذج لمضمون واحد أو بالأحرى لذات المنتج، وهو نوع من الشوكولاته، قدمها الممثل مصطفى دياب سامحا لمخرج الإعلانات باستخدام شكله البدين للتهريج والسخرية من الفنانين الذين قام بتقليدهم، فهو في الأولى يقلد حركات روبي وطرقها في التعبير – مع فارق الحجم ـ في أغنية «ليه بيداري كده»، أما الخيار الثاني فكان من نصيب حسين الجسمي في أغنية «والله ما يسوى» حيث ارتدى الممثل زياً خليجيا وجلس على مقعد في الحديقة ناثرا الورود، شاكيا حزنه لفقدان الشوكولاته، وكأنه يشرح المفردات عن طريق صورة ساخرة وفقيرة فنيا. والجدير بالذكر أن أغلب هذه الإعلانات شحيحة إنتاجيا مما يزيد الوضع سوءاً. كذلك حال أغنية إيهاب توفيق «يا سلام». فهل يعتبر هذا تنويعاً على الدعاية ذاتها؟

لم يقتصر الأمر على استخدام الأغاني، فقد ارتأى محمد خير وهو المحتكر لأغلب الإعلانات في التلفزيون السوري، أن يتجه إلى حكايات الأطفال، فاستبدل حذاء سندريلا المفقود بالعلكة، للحصول على أسنان أنظف وابتسامة أجمل. وبقدر ما استطاعت الحكاية جذب الأطفال والكبار لسنين طويلة، استطاعت الدعاية تنفيرهم بل إثارة اشمئزازهم من الحكاية والمنتج والدعاية بممثليها. والسؤال: كيف استطاع محمد خير جمع كل عناصر البشاعة في دعاية واحدة ابتداءً من الأزياء وألوانها، وكلمات الأغنية والموسيقى والأداء المصطنع، والبلادة في التعبير؟

إلا أن خليفته وائل محمد خير، ألّف حكايته الخاصة على متن طائرة تحمل المظليين، وأثناء سقوط أحدهم يفقد مظلته، فيرمي له الآخر علكة لها اسم شبيه بالمظلة، فيرتاح ضميره وتحل عقدة ذنبه. نماذج عديدة جعلت الدعاية السورية تفوز بقدرتها على تحقيق التأثير السلبي وتنفير المستهلك من المنتج المروج له. في حين يسعى الإعلان دوما إلى التأثير قبل الإقناع، لذا فهو لا يخاطب العقل إلا فيما ندر، بل يلعب على العواطف والغرائز البدائية كالغيرة، الحب، الجنس، والجوع... وصورة المرأة وإغرائها. ولا تقتصر المتعة على الإيحاء الجنسي فقط وشحذ الخيال في هذا الاتجاه – في دعايات العطور مثلا ـ بل تعتمد أيضا إثارة الخيال الذي لا ينطبق على الواقع بقدر انطباقه على أحلام اليقظة، مما يثير الرغبة في أخذ موقع شخوص الدعاية سواء ضمن عائلة سعيدة تجتمع على مائدة مليئة بأشهى المأكولات، أو بين نساء جميلات، أو بدل رجل جذاب يقود سيارته الحديثة. كل ذلك أدى إلى تنوع كبير في عالم الدعاية والإعلان، يتوافق مع المنتج أو المعلومة التي يراد إيصالها بشكل مكثف وسريع ومؤثر في الدرجة الأولى، عن طريق فكرة ملفتة، أو قصة تتحول إلى فيلم قصير له بنيته الدرامية وحكايته المستندة إلى طبيعة المنتج واستخداماته وتأثيراته. وسواء اتفق المشاهد أو اختلف مع ما يطرح عليه، إلا أنه يرى في الوقت نفسه تنوعا على المنظومة الجمالية لديه. والسؤال الجدير طرحه هو، أين الدعاية السورية من كل هذا؟ وهل استطاعت واحدة من النماذج السابقة الذكر تحقيق متعة ما، سوى السخرية من الآخرين وذائقتهم الثقافية والفنية.