ايفان الرهيب من جنون السلطة إلى العزلة في دير

عاش طفولة غير سعيدة واختل توازنه بعد وفاة زوجته

TT

كاتبة هذه الببليوغرافيا، الدكتورة ايزابيل دي مادارياغا هي استاذة في الدراسات السلافية في جامعة لندن. قبل هذا عرفت ايزابيل بدراستها المميزة عن قيصرة روسيا كاترين الثانية او كاترين الكبرى. اما الآن فإنها تخطو قرنين من الزمان الى الوراء لتسجل وفي دراسة جديدة وشاملة سيرة حياة اول قياصرة روسيا، ايفان الرابع المعروف باسم «ايفان الرهيب» دراسة تبدأ من ولادته وحتى مماته وتشمل سياساته حروبه حياته الخاصة وشخصيته المضطربة غير المنتظمة.

كان القرن السادس عشر قرن اطلاق العنان للقوة وللنشاط الفكري غير المحدود. وكان الكرملن الذي جدد حديثا من قبل المعماريين الايطاليين يقف على حافة عالم فكري من رموزه ليوناردو دافنشي، جارس الخامس، مارتن لوفر وغيرهم من شخصيات فريدة، اضافة الى ثورات الفلاحين وحركات جماهيرية كانت تتحرك صوب البروتستانتية، وبداية تشكيل سلطات دول قومية، اذن فقد كانت بداية دوران فلك البلدان الاوروبية ودعواتها للسيطرة الثقافية على ربع الكرة الارضية.

في هذه الحقبة ظهر ايفان الرابع (1530 ـ 1584) قيصر موسكو وعموم روسيا الذي توج كقيصر وهو في السابعة عشرة من عمره وحكم من عام 1547 وحتى 1560 بمساعدة مجموعة من المستشارين المرموقين عام 1551 نشأت علاقات دبلوماسية وتجارية مع انجلترا ومن عام 1650 وحتى نهاية حياته تحول الى طاغية مستبد مسؤول عن ارتكاب عدد كبير من المجازر الوحشية. ان مؤرخي القرن التاسع عشر، الذين اماطوا اللثام عن كثير من الدلائل والحقائق اخذوا يرتجفون رعبا واصابهم الذهول حينما تعرفوا على المذابح وعمليات التعذيب التي تمت على يد حاكم مسكون باالشك والارتياب من امكانية تعرضه الى العقاب الصارم جراء ارتكابه لتلك المجازر. كانت الطريقة المفضلة في التعذيب هي تهشيم الارجل قبل ان تلقى الضحايا في الثلج او جعلهم يزحفون قبل ان يطلبوا الرحمة. في عهد ايفان كانت العوائل النبيلة وحتى خدمهم من الاهداف الرئيسية، كانت تجرى عمليات اغتصاب وقتل جماعي للنساء الارستقراطيات، وفي بعض الاحيان كانت تباد مجتمعات بأكملها او يتم التخلص منها بأي شكل من الاشكال.

اما مرض ايفان السايكولوجي فهو غير معروف تماما، لكنه يدعي ان طفولته كانت غير سعيدة حينما ورث العرش، اذا كان يوجه من قبل افراد من طبقة النبلاء في روسيا والذين قام بتصفيتهم في ما بعد، غير ان عواطفه المضطربة افصحت عن نفسها كلية بعد موت زوجته اناستازيا عام 1650 وهو في السابعة والعشرين من العمر.

حتى ذلك الحين كانت طاقاته متجهة بعض الشيء نحو اغراض البناء والتأسيس. فقد كانت هناك اولويات التنظيم والتنسيق، والتأكيد على النظام الشرعي والقضاء على الفساد في الحكومة المحلية والكنيسة والجيش. ثم انه وفي عام 1552 استولى على مدينة تاتار في قازان التي فتحت الطريق الى التوسع الروسي الى ما خلف الاورال ثم احتلال سيبيريا. إلا ان هدفه العسكري الرئيسي كان يكمن في مكان آخر هو في فتح بولندة والسويد واقامة علاقات مع اوروبا. غير ان كل حروبه الوقائية هذه انتهت بالاخفاق وذلك جراء اصابة البلاد بالشلل الاقتصادي.

خلال القرن التاسع عشر كان المفكرون والاصلاحيون مبهورين بهذا المزيج من العظمة والفظاعة الموجودة في شخصية ايفان فوصفوه بـ« الملاك المنزل» «الشبح»، «الملك العظيم»، «مجسة الدولة»: وفي القرن العشرين وجد بعض الحكام انفسهم في صورة ايفان فمارسوا البطش والارهاب والعنف. اتفق الاكاديميون «السوفييت» على ان ايفان كانت لديه «ثقة كبيرة» بالطبقات العليا من المجتمع الذين كانوا «مشبعين بالخيانة» و«عدم المواطنة» و«العداء للدولة» الا ان ايفان شق طريقه من خلال تأكيده على قوة الدولة والاتحاد وفي تحدي الهيكل الاقطاعي من خلال مساندة ودعم البرجوازيين له. ويقول هؤلاء الاكاديميون ان قسوة ايفان مع مجاميع النبلاء لم تكن ذات دافع طبقي.

كما وان اصلاحاته التي طبقت بشكل صاخب وضوضاء مثيرة سرعان ما تلاشت او اختفت. فمن المعروف ان ايفان فرض سلطته الشخصية الفردية وسلطة عائلته وليس سلطة الدولة.

ورغم وحشية وفظاعة حكم ايفان فان اغلب الكتل الاجتماعية في زمانه كانت تميل الى سلطة الحاكم القوي، المعين دينياً، القادر ليس فقط الساهر على شؤونهم الحياتية بل على الشؤون الدينية ايضاً، وكان ايفان قد عزز من سلطته عام 1564 حينما غادر موسكو متنازلاً عن العرش، لكنه سرعان ما عاد ثانية وسحق اعداءه بضراوة.

في روسيا ايفان، روسيا الرهبان واجراس الكنائس وتقنيات الرسم العجيبة، لم يكن هناك إلا القليل الذي يمكن التعرف عليه كايديولوجية سياسية. كان يعول على الروح اكثر مما على العقل. ورغم ان ايفان كان اعلن الحرب على «السلطة الكهنوتية» إلا أنه اخيراً انسحب إلى الحياة الرهبانية.. وفي لوية قدم سجل ايفان آثامه وتجديفاته، ورسم قسوته بلا سخرية كوسيلة تطهيرية للعقاب الديني.

* الكتاب: ايفان الرهيب

* المؤلف: ايزابيل دي مادار ياغا

* الناشر: ميل، لندن 2005