لغة ثالثة من أجل ديمقراطية المعرفة

وسيط بين الفصحى والعامية والعربية واللغة الأجنبية

TT

يدعو المؤلف الدكتور أحمد محمد المعتوق، الأستاذ في جامعة الملك فهد/ الظهران، إلى لغة ثالثة تعني في واقعها مستوى لغوياً يقف وسطاً بين الفصحى «لغة الأدب» وبين العامية ولهجاتها المحلية المختلفة. هذه اللغة ستكون بمثابة لغة مشتركة سائغة، يجيدها الخاصة ولا يعجز عنها أو يستصعبها العامة، لغة تتسع الفرص بها للتعبير بالعربية الصحيحة في كل مجالات الإعلام والتعليم والتوعية.

ـ يرى أحمد محمد المعتوق، مؤلف كتاب نظرية اللغة الثالثة «دراسة في قضية اللغة العربية الوسطى»، أن اللغة الوسطى يمكن أن تسهم في تحقيق المزيد من ديمقراطية العلم والمعرفة في المجتمع العربي وفي تضييق الفجوات الثقافية بين طبقات هذا المجتمع، أن تخاطب بها الأمة بكل فئاتها وطبقاتها وفي كل مواطنها وأقطارها، كما أن معرفة الفصحى الراقية يصعب التمكن منها نحواً وصرفاً ومفردات وأصولاً حتى بالنسبة للمثقفين، وفي أساليب الكتابة، فضلاً عن أساليب التخاطب المحكي، لا سيما في ظل التحولات والتغيرات الاجتماعية والحضارية والظروف الثقافية واللغوية الراهنة.

وبناء على ما تقدم فإن «اللغة الثالثة» يمكن أن تكون الحل الأميل للأزمة التي تواجهها اللغة العربية، حيث تصبح هذه اللغة (الوسيط) الواصل بينهما، الذي يمكن أن يتوحد عليه جميع أفراد المجتمع العربي في مجالات التعليم والإعلام وعمليات التثقيف بنحو عام.

إن قضية «اللغة الثالثة» هي قضية البحث في ما يؤدي إلى استمرارية فهم القرآن وعلومه وفهم التراث العربي المدوّن والنتاج الفكري الأصيل المحكي أو المنقول عامة، ليس من قِبل فئات معينة محدودة من المختصين، إنما من قِبل جمهور المتعلمين وجماهير المثقفين في نطاقهم الواسع، وهكذا يصبح وجود اللغة الثالثة أساساً في تحقيق المزيد من الترابط الفكري والتماسك الحضاري، وهو مطلب نحن في أشد الحاجة إليه.

تطرح هذه الدراسة رؤية نقدية جديدة مبسطة لبعض مواصفات ما سمي باللغة الثالثة، أو للأسس التي تبنى وترتكز عليها هذه اللغة والضوابط التي يفترض أن تحكمها، باعتبارها مستوى لغويا داخل اللغة، وليس باعتبارها لغة مميزة قائمة بذاتها، كما تبحث فكرة هذه اللغة، أو هذا المستوى في إطار العلاقة بين العربية الفصحى والعامية من جانب، ومن جانب آخر في إطار العلاقة بين العربية واللغات الأجنبية التي أصبحت تؤثر فيها وتتداخل معها في عدد من مجالات الحياة، فهي التي بحثت قضية اللغة الثالثة.

تبحث هذه اللغة في مدى فاعليتها إذا ما أمكن تطويرها ونشرها، وفي مجالات هذه الفاعلية، هذا مع شيء من التركيز على ما لوسائل الإعلام العربي المسموع والمرئي من دور في تطوير هذه اللغة أو في بثها ونشرها.

تقوم هذه الدراسة على تحليل نقدي لنماذج من الواقع اللغوي والتعليمي والإعلامي الراهن، في محاولة لتوضيح أو استجلاء بعض ما في الواقع من مظاهر وتأثيرات سلبية مباشرة وغير مباشرة على اللغة وما يتعلق بها من أنشطة فكرية، وبيان بعض الصور الفعلية التي يمكن التخلص بها أو عن طريقها من هذه المظاهر وهذه التأثيرات ويمكن اعتبارها في الوقت نفسه أنماطاً ونماذج سياقية للغة الثالثة.

إن اللغة العربية تشهد الآن صراعاً مع اللغات الأجنبية الدخيلة، مع الفرنسية والبربرية والأمازيغية والاسبانية في بلدان المغرب العربي، وكان لها إشكالات موروثة مع كل من الكردية إلى الأرمنية والتركية في بعض نواحي العراق والشام، وإشكالات أيضاً مع القبطية في مصر، ولها صراع مضن مع الإنجليزية في عدد من أوساط الخليج العربي ونواحيه.

فقد أصبحت اللغة خليطاً عجيباً من الكلام، في الشارع، وفي المدرسة، وفي مجال تخصص العربية والبحث فيها وفي قضاياها، تجدهم يتحدثون بلهجاتهم العامية المحلية المليئة بالانحرافات بالكلمات الغربية والمهجنة، وهذا يؤدي إلى نسخ اللغة والبعد بها عن الأصل فتتعرض للانزواء والانكماش، لذلك كله صارت الحاجة تدعونا إلى إيجاد «لغة عربية ثالثة».

يقوم البحث على تمهيد وثلاثة فصول:

يبحث الفصل الأول في الوسيط بين اللغة العربية واللغة الأجنبية.

وفي الفصل الثاني يبحث عن الوسيط بين الفصحى والعامية.

ويبحث في الفصل الثالث عن اللغة الثالثة ودور أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية.

إن أمر اللغة لا يقع على المدارس والمربين والمدرسين فحسب، إنما يقع على كل من يعنيهم أمر اللغة، لأنها قاعدة يشترك فيها الجميع، فالمسؤولية تقع على رب الأسرة والمدرس والأستاذ ورجل الدين وصاحب القلم وموجه الإعلام ومسؤول الثقافة وصانع القرار، بالإضافة إلى عالم اللغة ورجلها وطالبها المتخصص، هؤلاء كلهم مشتركون في المصلحة والهدف والمصير. وإن كان الجزء الأكبر يمكن أن يكون في المدرسة التي تشكل البوابة الأولى نحو الحياة، بما فيها من لغة وخبرة وثقافة، ثم لوسائل الإعلام وأجهزته السمعية والبصرية المسموعة والمقروءة.

* نظرية اللغة الثالثة «دراسة في قضية اللغة العربية الوسطى»

* المؤلف: د. أحمد محمد المعتوق

* الناشر: المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء ـ المغرب الطبعة الأولى 2005