العلوي وهب خزانته والعنصر يعشق الروايات وعصمان يقرأ ليلا والوزاني ضاق بيته

ماذا يقرأ السياسيون المغاربة؟

TT

تعرفنا في حلقات سابقة على قراءات سياسيين من فلسطين ولبنان. هنا محاولة لمعرفة عادة القراءة لدى وجوه سياسية مغربية معروفة، والكشف عن علاقتها بالكتاب وطقوسها الخاصة أثناء القراءة:

إسماعيل العلوي، أمين عام حزب «التقدم والاشتراكية» المغربي ووزير التعليم والفلاحة السابق، تتوزع قراءاته بين الروايات العربية والفرنسية، دون أن ينسى قراءة كتب تصب في ميدان تخصصه في «جغرافيا الارياف». في الآونة الأخيرة، حصل العلوي من احد زملائه الجامعيين على نسخة من كتاب يضم محاضرات حول الفكر الماركسي. ليس لأمين عام «التقدم والاشتراكية» (الشيوعي سابقا) إيقاع محدد في القراءة، إذ يحدث أن ينتهي من قراءة كتاب ما في ظرف يومين، وأحيانا يستغرق في الكتاب الواحد عدة أيام، حسب حجم الكتاب ونوعيته. وينكب العلوي منذ مدة ليست بالقصيرة، كما يقول، على قراءة كتاب من تأليف المفكر الفرنسي، لوسيان فيف، يعد بداية لسلسلة حول المفكر كارل ماركس، وسيكون عنوان أول إصدار في إطار هذه السلسلة «ماركس ونحن». ويعتقد العلوي ان هذا الكتاب ليس سهلا من الناحية النظرية، مما يتطلب قراءته عدة مرات.

وبالاضافة الى حقل الجغرافيا والفكر، يجد العلوي وقتا لكي يقرأ عن الاسلام، ومن ذلك، كتاب حول «إصلاح الاسلام».

وبشأن قراءة هذا النوع من الكتب، قال العلوي: «ان الامر يهم كل واحد في مجتمعنا نظرا لثقافتنا وانتمائنا وحضارتنا».

ثمة كتب اثرت كثيرا في مسار زعيم «التقدم والاشتراكية» المغربي وهي عديدة، لم يستطع حصرها، لكنه يتذكر جيدا اسم كاتب فرنسي هو روجي مارتن ديغار، وهو ليس مشهورا جدا، لكن كتاباته اثرت بشكل ملحوظ في تفكير العلوي. ومع اهتمام العلوي بالقراءة فانه لم يعد يتوفر على خزانة خاصة. تبدو في الامر مفارقة، لكن العجب يذهب اذا علمنا ان العلوي وهب كل كتبه للخزانة «الصبيحية» بمدينة سلا المغربية منذ قرابة ثلاث سنوات، وهي كتب كثيرة جدا لم يعد العلوي يذكر عددها لكنه قال ان «فيها الخير والبركة».

يقرأ العلوي اساسا باللغتين العربية والفرنسية، واحيانا يحاول الاطلاع أيضا بالانجليزية. يربط العلوي كثيرا بين ممارسة السياسة وسعة الاطلاع، ويلخص رأيه في الساسة الذين لا يقرأون بانهم «ليسوا سياسيين».

أما محند العنصر، امين عام حزب الحركة الشعبية، ووزير الفلاحة المغربي، فيعاني كثيرا من ضيق الوقت بحكم التزاماته الحكومية والحزبية، ذلك انه اقتنى عددا كبيرا من الكتب لا تزال قابعة في خزانته الشخصية، ينظر اليها كلما ولج باب داره دون ان يجد وقتا كي يتصفحها. قراءات العنصر تصب اساسا على التحاليل السياسية ذات الصلة بالساحة المغربية والعربية والدولية، سيما ما يتعلق بالتطورات في الدول المجاورة للمغرب مثل اسبانيا والجزائر وموريتانيا، او تلك التي تربط المغرب بها صلات وثيقة مثل فرنسا. للعنصر اهتمام قديم بالاصدارات التي تعالج موضوع الفلاحة في بعدها السوسيولوجي وفي علاقتها بالسكان والتغيرات التي لحقت المشتغلين في حقل الفلاحة.

الى جانب المواضيع المرتبطة بالفلاحة، يعد العنصر نفسه قارئا نهما للاعمال الادبية، سيما الروايات التي ينتهز وزير الفلاحة المغربي فرص سفرياته بالطائرة لساعات طويلة لكي يقرأ الروايات الفرنسية بالخصوص، فالعنصر مولوع كثيرا بلغة موليير. ويتأسف كثيرا على ضيق الوقت الذي لا يسمح له بقراءة الشعر الذي يهواه كثيرا.

قبل الاستيزار، كان العنصر يقرأ بمعدل ثلاثة الى اربع كتب كل شهر، بيد ان دخوله العمل الحكومي قلص كثيرا من ايقاع قراءته.

لا يتحسر العنصر فقط على عدم تمكنه من قراءة عشرات الكتب التي لا تزال تنتظر دورها في مكتبته الخاصة، بل ينتابه الأسف احيانا على كتب ضاعت منه، سواء عن طريق استعارة الاصدقاء لها او لظروف اخرى، وهي كتب ذات قيمة تاريخية كبيرة، ومنها كتاب نادر وقديم عن شمال افريقيا تحت عنوان «لابيربيري» للمؤلف الفرنسي غوتيه وهو كتاب خلت منه الاسواق تماما.

وعكس العلوي، الذي لم يجد عذرا لسياسيين لايقرأون، وجد العنصر لهم عذرا لانه «يعلم جيدا إكراهات عملهم».

اما الدكتور نجيب الوزاني، رئيس حزب «العهد» المغربي، واستاذ كلية الطب ورئيس قسم جراحة العظام والمفاصل، فيقرأ كل اليوميات والصحف الاسبوعية المغربية، وتأتي كتب الطب في مقدمة اهتماماته، بحكم التخصص الذي يملي عليه متابعة كل جديد في الميدان العلمي. يحرص الوزاني كثيرا على القراءة بالعربية، ويجد متعة كبيرة في قراءة الروايات. ونظرا لانتماء الوزاني الى منطقة الريف (شمال المغرب)، ربطته صلات إنسانية كبيرة بالكاتب المغربي الراحل، محمد شكري، الذي اجرى له الوزاني عملية جراحية في اليد، قبل وفاته بثلاث سنوات.

قرأ الوزاني كل كتب شكري واعاد قراءتها مرارا، وكلها موقعة من طرف مؤلفها مشفوعة بعبارات الود والاخوة.

والى جانب اللغة العربية، يقرأ الوزاني الروايات الفرنسية الحديثة، وكتبا من تاليف مؤلفين مغاربة كمثل الطاهر بنجلون، كما لم يفت الوزاني طيلة مساره الدراسي والعلمي ان يقرأ كل ما كتب عن بطل »الريف« عبد الكريم الخطابي سواء كتابات زكية داوود او مصطفى اعراب او غيرهما، الى جانب كتابات تهم مرحلة «سنوات الرصاص».

آخر كتاب علمي قرأه الوزاني هذا الاسبوع كان حول «الاصابات الناتجة عن ممارسة الرياضة». يقول الوزاني انه لم يعد يجد بمنزله متسعا فارغا يضع فيه الكتب، فالمؤلفات التي اقتناها موضوعة في كل اركان البيت، الى درجة اصبحت تطغى على الاثاث.

ومن بين هذه الكتب يجد الزائر عددا محدودا منها يهم حقل الفكر الاسلامي يختارها الوزاني بعناية، ومعياره في ذلك، الموضوعية والاستقلالية وعدم الغلو والوسطية والتفقه في علوم الدين. اما احمد عصمان، رئيس حزب التجمع الوطني للاحرار، ورئيس الوزراء الاسبق، فيقرأ بالعربية والفرنسية والانجليزية ويهتم كثيرا بالكتابات التاريخية والسياسية على وجه الخصوص، لكنه يعمل بين الفينة والاخرى على اقتناء كتب فيها نوع من التسلية والترويح عن النفس.

يقدر عصمان عدد الكتب بخزانته الشخصية بما يقارب 2000 كتاب تتوزع رفوفها بين التاريخ والسياسة والقواميس اللغوية. خلال الاسابيع الاخيرة لم يغفل عصمان عن تتبع الاحداث السياسية ولم تفته فرصة شهر رمضان كي ينكب على قراءات مختلفة. وعكس ما ذهب اليه السياسيون اعلاه، لا يبدو ان عصمان يجد عناء في توفير وقت للقراءة، ويختار فترة الليل، حيث السكينة والهدوء، كي يقرأ قبل ان ينام.

ويستطيع زعيم التجمع الوطني للاحرار ان يقرأ ما معدله ثلاثة كتب كل شهر، وهو لا يقرأ اقراصا مدمجة على الكومبيوتر، بل ظل وفيا للكتاب الورقي الذي يرى ان وضعه في المغرب في تحسن ملحوظ.