باولو كويليو: طفل يسكن أعماقي لا يتوقف عن طرح الأسئلة

حطّ في دبي وتحدث عن تأثره العميق بالعرب

TT

الكاتب البرازيلي الشهير باولو كويليو حل ضيفا على مدينة دبي، وأقام مؤتمرا صحافيا، ووقع رواياته المترجمة إلى اللغتين العربية والانجليزية. ومن أهم المحاور التي تطرق إليها صاحب «الخيميائي» تأثره العميق بالحضارة الشرقية والثقافية العربية، وعلى الخصوص كتاب «ألف ليلة وليلة».

أراد باولو كويليو من زيارته التي قام بها مؤخراً إلى دبي، أن يتعرف إلى جمهوره العربي، وقد سبق له أن زار مصر قبل فترة قصيرة. وقد عبر عن فرحته ودهشته للإقبال الشديد أثناء توقيع رواياته، وللحشود الغفيرة من المعجبين، الذين تنوعوا في أعمارهم وجنسياتهم.

وفي معرض رده على سؤال، أثناء لقاء معه، حول الخطوات التي يتبعها عندما يبدأ في كتابة عمل جديد، أجاب كويليو بأنه يكتب رواية كل عامين. وأثناء هذه الفترة، تتزاحم الأفكار في رأسه لتأخذ في النهاية خطا معينا يظهر على الورق بشكل مجسد وواضح. وأشار الكاتب الى أنه لا توجد قوانين محددة تتحكم في كتاباته، مؤكدا ضرورة قراءة بواكير أعمال الروائيين العظام، أمثال وليام فولكنر ولوي بورخيس وجورجي أمادو وهنري ميللر وغيرهم، من أجل اكتشاف مجرى تطور هذا الفن. ومن جهة أخرى، شرح أنه بجانب الرواية، يكتب القصة القصيرة وعموداً صحافياً أسبوعياً. وهو بصدد جمع هذه الأعمال لإصدارها في كتاب العام المقبل. والكتابة في نظره، محاولة اكتشاف معان جديدة للحب والورع والموت والألم والمصالحة مع الذات. ولا بد من الإشارة إلى أن روايته الجديدة «الزهير»، التي أطلقها في أبريل (نيسان) الماضي، عنوانها عبارة عن كلمة عربية مشتقة من الحضارة الإسلامية وتعني، شيئا حاضرا ومرئيا دائما. ومن المعروف تأثره بالحضارة الشرقية والثقافة العربية، حيث أن رواية «حاج كومبوستيلا»، مستوحاة من رحلة عبر خلالها طريق مار يعقوب، المزار الإسباني القديم، إضافة إلى سلسلة مؤلفاته، التي حصدت الشهرة ومنها «الفالكيريز»، «على نهر بييدرا»، «هناك جلست فبكيت»، «الجبل الخامس»، «محارب الضوء»، «فيرونيكا تقرر أن تموت»، «الشيطان والآنسة بريم»، التي عكست مدى انغماس الكاتب بتلك العوالم الداخلية للإنسان، مستخدما بذلك فلسفته التحليلية.

باولو كويليو، كثيرا ما وصف بـ«الكاتب الشعبوي» في بلد يتمتع بالمحافظة، لكن نجاحه أجبرهم على تغيير أفكارهم هناك. «بالنسبة لهم أنا لست كاتبا كبيرا، لكنهم غيروا رأيهم الآن، وهذا تطور جيد في مفاهيمهم». المبدع كائن قلق يبحث عن الطمأنينة في كتبه، ألا يشبه الكاتب بطل روايته «الخيميائي» في بحثه الروحي؟

ومما رواه كويليو في هذا اللقاء: «أكن احتراما وتبجيلا للثقافة العربية وقد تأثرت بالعرب، لأنهم كانوا مهد الحضارات، ومنبع الفضائل في وجداننا. ولهذا فان روايتي «الخيميائي» تستوحي من، بل وترتكز على الثقافة العربية. كما أكن للإسلام احتراما كبيرا حتى لو كنت كاثوليكي العقيدة، لأن بحثي كله يعتمد على روح التحمل والصبر. وكل الأديان اليهودية والإسلام والمسيحية، وكل المؤمنين بها يحاولون أن يعطوا أفضل ما في ذواتهم، وخاصة في علاقتهم مع الله». أما «ألف ليلة وليلة»، فقد تأثر كويليو بها كثيرا، إذ قال: «بالتأكيد، بل ان كتاب العالم قاطبة تأثروا بها. «ألف ليلة وليلة» كتاب عظيم، ومعين لا ينضب للاستيحاء، وكذلك الإنجيل والقرآن وأساطير القرون الوسطى. وأهم ما في كل ذلك، هو فكرة البحث الروحي. اننا بحاجة لأن نتذكر، على الدوام، الأفكار القديمة في حياتنا الحالية».

وحكى كويليو عن تأثره بالأعمال الكلاسيكية العربية المترجمة، مثل أعمال نجيب محفوظ، معلقاً «أريد أن أضيف أن الثقافة العربية منحتني الكثير، خصوصا في عملية الفهم المغاير، والبحث الروحي. وأهم ما في هذه الثقافة هو السعي للاقتراب من الله. ويجمعنا مع العرب قاسم مشترك هو الدم، ذلك لأن الثقافة العربية كانت حاضرة في البرازيل بشكل واسع. وهذا ما يمنحني ابتهاجا كبيرا».

ويتابع كويليو «قررت أن أمضي في حلمي، على الرغم من أنني تركت هذا البحث مرات عديدة، في لحظات الإحباط واليأس، وروايتي «الجبل الخامس» تعبر عن ذلك. وبإمكاني أن أقول إنني خنت قدري مرات عديدة، اما لأنني كنت أفكر باستحالة العمل أو أعتقد بأن أمي كانت على حق. ومهما اختلفت الظروف وحدث لي ان تركت الكتابة، إلا أنني على وعي تام بأن ثمة طفلا يسكن في أعماقي وأنه لا يتوقف عن طرح الأسئلة».

الكتابة بالنسبة لكويليو هي لقاء بالذات «أفكر بنفسي، عندما أكون أمام شاشة الكومبيوتر أجد أنني وحيد، لي قلقي ومشاكلي، ولكنني أكتب لألتقي بنفسي. بالمعنى الصارم، لا أكتب سوى مرة، كل عامين. ولا أدون ملاحظاتي أبدا: وعندما اجلس أمام شاشة الكومبيوتر أعرف أن الكتاب جاهز. ولكنني من جهة أخرى، أعمل طيلة الوقت من أجل أن أعيش حياتي. واعتبر نفسي شاهدا مع القارئ. إنني رجل عادي أرى العالم يسير، بل انا بشكل من الأشكال صحافي يسرد اللحظة الحاضرة من خلال الرجوع إلى بلد مثل لبنان قبل ثلاثة آلاف سنة. وقد اهتم الكاتب بلبنان واستوحى منه روايته «الجبل الخامس»، التي تدور أحداثها في خرائب طرابلس، لأن هذه المدينة كانت تحتضن الكاثوليك واليهود والمسلمين. «إنني أقف مع روح الصبر وتحمل الآخر».

كويليو رجل غني الآن بفضل مبيعات أكثر من 10 ملايين نسخة من كتبه في جميع أنحاء العالم. وقد أنشأ مؤسسة تحمل اسمه، تديرها زوجته، تقدم العون للأطفال الفقراء في بعض أحياء ريو، وترعى آثار البرازيل، وتساعد الشيوخ، وتساهم في ترجمة الكتاب البرازيليين إلى لغات العالم، وغيرها من أعمال الدعم. وما زالت روايات كويليو تسجل مبيعات كبيرة. ويكفي أن رواية «الخيميائي» وحدها، تجعل دار نشر فرنسية تعيش بأكملها على إيرادات بيعها. وقد تحول الرجل إلى ظاهرة في عالم النشر، حيث تباع كتبه في أكثر من 150 دولة، وترجمت إلى 56 لغة، ونال العديد من الأوسمة والتقديرات لسحر أسلوبه الواقعي.