في «مهرجان العود الدولي» رياض السنباطي باللغة العبرية!

عرب إسرائيل ينتصرون لهويتهم بترويج الطرب الأصيل

TT

مئات اليهود، من شتى أنحاء اسرائيل توجهوا الى القدس الغربية، الأسبوع الماضي، ليستمعوا الى موسيقى رياض السنباطي والطرب العربي الأصيل،

في «مهرجان العود الدولي»، الذي شهدته المدينة. وقد اجتمع إلى جانب العرب واليهود، أميركيون وأوروبيون، كلهم أتوا باسم الموسيقى، غنوا معاً

وصفقوا وتمايلوا، وأصغوا بهيام، لمن احيوا تلك الأمسيات. ولكن هل بمقدور العود أن يصلح ما أفسدته السياسة؟

مهرجان العود، نشاط ثقافي مثير تبناه «مركز الموسيقى الإثنية» في القدس، وأشرف عليه الموسيقار تيسير الياس، تدعمه كوكبة من الفنانين والمثقفين اليهود والعرب والأجانب، الذين يؤمنون بأن الموسيقى هي اللغة المشتركة للشعوب. هذه السنة تضمن المهرجان عدة أمسيات، أولها وأكثرها لفتا للنظر، أمسية السنباطي، التي تألق فيها أيضا عدد من نجوم الغناء، من صفوف المواطنين العرب في اسرائيل (فلسطيني 48) مثل، لبنى سلامة، التي تبدع في أغاني أم كلثوم وخليل ابو نقولا وأدريان حداد، اللذين أنشدا أغاني صالح عبد الحي، وميرندا الياس، التي تألقت في اغاني ليلى مراد.

قصة مهرجان ليس كغيره

* بدأت قصة «مهرجان العود» قبل ست سنوات، عندما كان مسرح القدس يقيم امسيات عزف منفرد للموسيقار الفلسطيني تيسير الياس، المتميز بقدرته على مغازلة اوتار هذه الآلة وتطويعها. ونتيجة للإقبال الكبير، تطورت الفكرة الى مهرجان دولي. وهذه السنة، على مدار اسبوع كامل، شهدت القدس الغربية حركة غير عادية، فشوارعها تشع بالنشاط والازدحام على غير عادتها، وهي العاصمة المعروفة بخلودها للنوم باكرا. أكثر من 1500 شخص يؤمون مسرح القدس الرحب في كل مساء، حتى يضيق بهم المكان. وبإمكانك ان حضرت ان ترى هذه الخلطة الغريبة، في نفس القاعة وجنباً الى جنب، عرباً من فلسطينيي القدس العربية المحتلة، فلسطيني 48, يهودا شرقيين واشكناز، أجانب من اميركا واوروبا. كلهم جاؤوا بهدف واحد، قضاء أمسية مع الفن والطرب العربي الأصيل.

شهد المهرجان أيضاً، امسية «صوفية تركية» تمت فيها استضافة رئيس المؤذنين لمسجد طوفهاني باسطنبول، حافظ خليل نجافاولو، الذي شارك في الغناء والعزف على الناي، ومعه عازفون اتراك ويهود. امسية «ارمنية ـ اميركية» للفنان آرا دينكجيان، وهو عازف عود وملحن ارمني ـ اميركي، حيث قدم عرضاً مشتركاً مع موسيقيين اسرائيليين من انتاجه الفني، امسية مشتركة للعزف على البيانو والعود، تم من خلالها دمج اساليب الموسيقى اليهودية وصلواتها مع الموسيقى العربية والغربية الكلاسيكية. امسية خاصة على شرف أحد كبار عازفي العود في القرن العشرين الفنان العراقي منير بشير، الذي يحتل مكانة خاصة في قلوب عازفي العود.

أم كلثوم تبكي اليهود

* البروفيسور تيسير الياس، رئيس قسم الموسيقى الشرقية في اكاديمية الموسيقى وفنون الأداء في القدس، قال لـ«الشرق الأوسط»: هذه السنة قررنا، تكريم ملحنين كبار، فلم نجد أفضل من رياض السنباطي. فهو عازف عود وملحن ومغن، لحّن لقطاع واسع من المطربين المعروفين واستحوذ على صوت ام كلثوم وتملكها حوالي 20 سنة. فتكريم العمالقة يتم من خلال تقديم أغانيهم بأداء مطربين عرب متمكنين من تلك الأغاني، ومن خلال ادخال موسيقاهم وأغانيهم الى آذان وقلوب المستمعين غير العرب. فـ 99% من الجمهور، هم من اليهود الذين يجهلون حضارتنا. لذا، فإن ما نقوم به هو رسالة فنية كبيرة وترويج للحضارة العربية الأصيلة».

الفنانة لبنى سلامة، التي تؤدي بالاساس اغاني اسمهان وام كلثوم، تشارك للسنة الثانية كما تقول: «فالحاضرون رددوا معنا أغاني ام كلثوم وليلى مراد وصالح عبد الحي، يهود شرقيون واشكناز وعرب غنوا معاً بانسجام تام وبسلطنة. وان دلّ ذلك على شيء، فعلى ان الموسيقى هي لغة بامكانها التوحيد بين الناس وادخال الفرح الى قلوبهم، بغض النظر عن انتماءاتهم».

الفنانة أمل مرقس اتحفت الجمهور بباقة من أغاني فيروز. تجاوب الجمهور مع اغانيها لم يكن أقل شأنا من تجاوب الجمهور مع زملائها الاخرين. ترددت بالمشاركة في المهرجان لكنها في النهاية تقول «على الفنان الفلسطيني اختراق الشارع اليهودي وتحطيم الأفكار المسبقة. في السنة الماضية قدمت اغنيات لفيروز واغنيات من البومي الخاص «أمل وشوق» وهي اغنيات محلية. حضر المهرجان جمهور فلسطيني من القدس ومتدينون يهود من جميع الأجيال، وقد رأيت كيف سالت الدموع من عيون بعضهم. ما يميز هذا المهرجان احترامه للموسيقى الشرقية والعمل بمهنية خالصة».

معاناة فناني الداخل الفلسطيني

* لكن رغم النجاح الكبير للمهرجان، لا يمكن تجاهل مشكلة اولئك الفنانين الذين أدوا الاغنيات اداء رائعاً. فمثل اولئك المطربين وغيرهم من عرب 48، لم يأخذوا حقهم في الحياة الفنية. ففي اسرائيل لا يوجد من يتبناهم، والمؤسسة الرسمية تتجاهلهم تماماً. من ناحية ثانية عندما توجه عدد منهم ليجرب حظه في العالم العربي، مثل دار الاوبرا في مصر او مهرجان جرش في عمّان أو في قطر او تونس وحتى في الولايات المتحدة واوروبا، لم يحظ اي منهم بالاهتمام اللازم. فهناك يقيمون حفلات ناجحة ويؤدون اغنيات صعبة لعمالقة مثل ام كلثوم واسمهان وعبد الوهاب وغيرهم ويحظون بإعجاب الحضور، وينتهي الموضوع. فلم نسمع عن شاعر او ملحن او منتج كان مستعداً لتبني أحدهم ودفعه الى الأمام. لبنى سلامة جربت حظها في دار الاوبرا، وعادت تحمل جبالا من آيات التقدير والاعجاب، لكن كل ذلك تبخر وكأنه لم يكن: «نحن نعاقب مرتين، مرة لأننا عرب فلسطينيون تتجاهلنا المؤسسة في اسرائيل والثانية لأننا مواطنون في دولة اسرائيل ونحمل جواز سفر اسرائيليا فيعاقبنا الاشقاء العرب، مع انني في النهاية عربية فلسطينية ما زلت متمسكة بأرضي ووطني وهويتي. اتمنى الدخول الى الدول العربية، فعليهم ان يسمعونا لأن لدينا طاقات ومبدعين يمكنهم رفع اسم ومكانة الأغنية والكلمة العربية، لكننا للأسف لا نأخذ فرصتنا»، هذا ما تقوله لبنى سلامة.

على عكسها الفنانة أمل مرقس، فرغم التضييق نجحت في اصدار البومين غنائيين من عملها وانتاجها. «منذ عشر سنوات اعمل على تطوير الأغنية الفلسطينية. اخذت كلمات فصحى وعامية واشعاراً، توجهت لملحنين محليين لتلحينها. هذه مغامرة خضتها بدون حماية من اية شركة انتاج. وبما انني متأثرة جدا بالرحابنة فإنني احاول اعطاء اغنياتي طابعاً مسرحياً. حاولت بعناد شديد الاثبات للمؤسسة بانه يحق لي عرض حفلاتي باللغة العربية، وفي غالبية الأحيان اقوم بترجمتها للعبرية حتى يفهم الجمهور اليهودي ما أغني. فطرحي في النهاية هو طرح انساني. لقد اتيحت لي الفرصة للظهور في عدد من دول العالم، غنيت في تونس والاردن، مع ذلك يوجد حاجز، ونحن ندفع الضريبة التي دفعها قبلنا آخرون.

في الوقت ذاته يجب الاعتراف بأن الفن الفلسطيني لم يصل للمهنية الكافية، فالبنية التحتية لانتاج فن فلسطيني معدومة ولا يوجد اعلام يوصلنا. كذلك لدي مأخذ على شعراء فلسطينيين برزوا في العالم والاعلام العربي، مع انهم يعرفون مشكلتنا لم يقم احدهم بالتعريف بوجودنا. باعتقادي طالما المشكلة الفلسطينية بدون حل فان حلمي كفنانة يتقزم ويصبح هزيلاً امام طموحات واحلام الانسان الفلسطيني العادي الذي يعيش تحت الاحتلال او في مخيمات اللاجئين. شخصياً كل شيء عملته حتى الآن كان بجهدي الخاص، اذا اتيحت لي الفرصة للوصول للعالم العربي يكون رائعاً، لكن ما يهمني في النهاية هو الجمهور الواسع بغض النظر عن هوية المتلقي».

العقاب المزدوج

* البروفيسور تيسير الياس لا يرى نفسه معاقباً من احد بسبب هويته الاسرائيلية، ويعتقد ان من يصل إلى المراكز الاكاديمية العليا مثله، لا يعتبر مظلوماً، بل انسان يملك فرصة تطوير الموسيقى وترويجها، خاصة العربية منها. فحتى الآن، اقام فرعاً جديداً لتدريس الموسيقى العربية ومؤخراً تخرج الفوج الثامن من طلابه اليهود والعرب. م

ع ذلك يضيف بنوع من الأسى: «لقد التقيت خلال حياتي الفنية مع عباقرة الفن العربي. لكن عندما يتحدثون عن المتألقين في العزف على العود لا يذكرون اسمي، فهذا العقاب فقط لكوني أحمل الهوية الاسرائيلية. في الوقت ذاته لا ارى هناك حاجة لتوظيف الموسيقى للسياسة. فالموسيقى بالنسبة لي هي علم سام يستطيع الوقوف بشكل مستقل. الموسيقى لغة يفهمها الجميع، وانا لدي حضارتي وواجبي ان اطورها واوصلها للمستوى العالمي، ولست بحاجة ان افعل ذلك من خلال تسخيرها للسياسة، فهكذا تصبح ثانوية».