الجزائر وسوريا تتنافسان على احتضان أكبر مكتبات العالم الثالث

مشروع يجمع التراث العربي والأميركي ـ اللاتيني في مكان واحد

TT

استضافت الجزائر يومي 19 و20 نوفمبر الجاري «ندوة خبراء الثقافة العرب والجنوب أميركيّين» التي ناقشت موضوعًا واحدًا هو «دراسة سبل تحقيق وإنجاز مشروع المكتبة العربية ـ الجنوب أميركية»، تلك المكتبة التي أقّرتها قمّة برازيليا لرؤساء الدول العربية ـ الجنوب أميركية وطلبت من الخبراء الشروع في دراسة الخطوات العملية لإنجازها.

اجتماع الجزائر الذي ناقش الخطط المقترحة لإنجاز مشروع المكتبة العربية ـ الجنوب أميركية، حضرته 9 دول عربية أصالة، وحضره البعض نيابةً، وشارك فيه عدد مماثل من دول أميركا الجنوبية، وقد تلخّصت أعماله في تقديم عروض فنية وإجرائية لكيفيات إنجاز المكتبة وتواريخ عملها. شهد الاجتماع تنافسا جزائريا سوريا حادا حول شرف احتضان هذه المكتبة الأكبر في العالم الثالث، بالنظر إلى محتوياتها وآفاق عملها، حيث يرتقب أن تحوي كامل التراث العربي ـ شعرا و نثرا ـ و كذا كامل التراث الأدبي الأميركي الجنوبي، ما يعني أن المتنبي سيجاور فيها كويليو، وسيلتقي بشارة الخوري مع ماركيز.

إضافة إلى ذلك فالمطلوب من هذه المكتبة ـ حسب إرشادات ندوة الجزائر ـ أن تتوفر على عدّة أقسام منها، قسم للسمعي البصري، الذي يتيح التعامل مع أكبر كمية ممكنة من أشرطة الفيديو الوثائقية والفنية، وكذا أرقى منتجات الأقراص المضغوطة من برمجيات و غيرها، يضاف إلى ذلك قسم للعمليات الفنية يتيح الانتقال من الطبعة الورقية إلى الطبعة الرقمية لكل أنواع الوثائق والصور والأشرطة المتوفرة في المكتبة. وهناك قسم للمخطوطات النادرة يحفظ نفائس التاريخ العربي الأميركي الجنوبي، وقسم للبحوث، بالإضافة إلى قاعدة معلوماتية مرنة تتيح للباحث ـ مهما كانت جنسيته ـ الوصول إلى متوفرات المكتبة عبر موقع تفاعلي عالي الجودة، يلحق به قسم للخدمات الترجمية وقسم آخر لخدمات الباحثين.

هذه الشروط التي وضعت من قبل الخبراء في شكل مقترحات، قدّمتها كل من وفود سوريا، الشيلي، الارجنيتن، الجزائر..الخ، وعلى أساس قدرة الوفاء بهذه الالتزامات سوف تعهد لجنة الخبراء لإحدى الدول العربية بتنفيذه، في هذا الإطار، فإن سوريا والجزائر أبرز المرشّحين، وقد اعتمدت كلا الدولتين استراتيجية تفاوضية مغايرة، حيث عملت سوريا على استغلال فرصة احتضانها الاجتماع المقبل للخبراء، لتعمل على تأجيل الفصل في مكان المكتبة إلى الدورة المقبلة، حيث ستضرب بقوّة على أرضها. وتكاملت هذه الاستراتيجية السورية مع مسعى استهدف تجنيد دول أميركا الجنوبية في صفّها، حيث لوحظ أن جزءاهاما مندوبي دول أميركا الجنوبية هم من ذوي الأصول العربية ـ السورية تحديدًا ـ وقد كانت مرافعاتهم عن شروط إقامة المكتبة دفاعًا مقنّعًا عن بلدهم الأم، وحينما أحسّوا باحتمال سحب البساط نحو الطرف الجزائري، أغرقوا الندوة بمناقشات فكرية وافتراضات تقنية هدفها ربح الوقت والوصول إلى استصدار لائحة توصيات لصالح سوريا.

أما الطرف الجزائري فقد اعتمد على استراتيجية عنوانها (من يقدّم عرضًا أفضل منّا؟)، التي فوّضت وزيرة الثقافة الجزائرية، خالدة تومي، لتصميمها لكل من الخبيرين: نور الدين عثماني، وحاج ناصر رشيد، وارتكزت على سبع نقاط قوّة أهمّها الجاهزية الفورية للجزائر للانطلاق في المشروع، إذ تتوفّر على مكتبة كبرى قائمة وسط العاصمة ـ بحي فرانس فانون ـ لا ينقصها سوى التجهيز، كما عرضت على الخبراء قطعة أرض تمتد على عشرات الكيلومترات المربّعة مجّانًا مع التبرع بثمن الدراسات الإنشائية كهبة من الحكومة الجزائرية. إضافة إلى ذلك عرض الفريق الجزائري المفاوض نقاطًا أخرى للأفضلية كاحتلال الجزائر المرتبة الأولى في استعمال لغات دول أميركا الجنوبية، وتوفّرها على معهد عربي للترجمة ـ تابع لجامعة الدول العربية ـ يمكنه إنهاء مشكلة الترجمة، والموقع المثالي للجزائر في منتصف المسافة بين أقصى نقطة عربية وأقصى نقطة جنوب أميركية، يضاف إلى ذلك التاريخ العريق لمكتبتها الوطنية واحتضانها لأهم رموز الأدب الاسباني ـ الذي يسود في أميركا اللاتينية ـ حيث عدّها الروائي سيرفانتيس الذي بلده الثّاني، وتوفّرها على قدرات معالجة سمعية بصرية لا توجد في بلد عربي آخر، مع الالتزام الحكومي الكامل بدفع أي مستحقات مالية قد تعوق اكتمال المشروع.

الصراع في الكواليس كان على أشدّه، ولعبت السياسة لعبتها لغير صالح سوريا التي تعاني من ضغوط أميركية تهدّد بعرقلة المشروع، فيما حاول مفاوضوها اللعب على كل وتر ممكن الاستعمال، بينما التزم الوفد الجزائري بخطّته القائمة على الأفضلية المطلقة في كل معايير الانتقاء التي طُرحت للتداول، وقد جاء البيان الختامي مرحبا بالطموح الجزائري وإن لم يقطع برفض الطموح السوري، هكذا فإن البلدين سيؤجّلان الحسم للاجتماع الثاني المقرّر في دمشق، والذي تملك فيه دمشق أفضلية الأرض وتملك فيه الجزائر فرصة الظفر بتحالفات اللحظة الأخيرة، خصوصا أن الحكومة الجزائرية قد وضعت كامل ثقلها خلف مفاوضيها، ومنحتهم كارتًا أبيض لاستعمال رصيد الدبلوماسية الجزائرية ومعطيات الموقف الدولي والمالي المريح جدا لها.