«المقهى» فاتحة المسرحيات التي ذاع صيتها خارج الصين

أول عمل للكاتب الكبير لاوشه يترجم إلى العربية

TT

يعد الكاتب لاوشه من أعلام المسرح المعاصر في الصين، وهو يحتل مكانة بارزة في مجال المسرح التاريخي فيها. وتعتبر مسرحيته «المقهى» أول مسرحية ذاع صيتها خارج الصين، حيث عرضت بنجاح على مسارح اليابان، والعديد من مسارح الدول الغربية، كما قامت فرقة نيويورك المسرحية بتمثيلها على المسرح الأميركي.

وكان لاوشه قد عمل مدرساً للغة الصينية في كلية الدراسات الشرقية بجامعة لندن لمدة ست سنوات، مما وفر له فرصة سانحة للاطلاع على الآداب الأجنبية، حيث تفتحت أمامه خلال تلك الفترة آفاق المعرفة والإبداع الأدبي. وفي العاصمة البريطانية كتب باكورة أعماله الأدبية رواية «فلسفة العم تشانغ». وعند عودة لاوشه إلى الصين عمل أستاذاً جامعياً لمدة ستة عشر عاماً، ثم سافر مع الكاتب المسرحي الصيني الشهير تساويوي إلى الولايات المتحدة ليحاضر في إحدى جامعاتها لمدة ثلاث سنوات، وكتب هناك رواية طويلة بعنوان «الأجيال الأربعة». وبعد عودته ثانية إلى الصين هجر كتابة الرواية، واتجه إلى كتابة المسرحية التي وجد أنها توفر له فضاءات أكبر للتعبير.

وفي تقديمه لمسرحية «المقهى» التي ترجمها عن اللغة الصينية مباشرة، والتي هي العمل الأول الذي يترجم له إلى العربية، يقول الدكتور عبد العزيز حمدي عبد العزيز إن هذه المسرحية تعد بجميع المقاييس والمعايير، من المسرحيات التاريخية النادرة التي قلما تجود بها أقلام الكتاب المسرحيين على مر العصور. وقد نشرت ترجمة هذه المسرحية ضمن سلسلة «إبداعات عالمية» التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت.

تتألف المسرحية من ثلاثة فصول، وقد اختار المؤلف مقهى قديماً ليكون مسرحاً للأحداث، التي جسدتها 49 شخصية، بالإضافة إلى زبائن المقهى وكلهم من الرجال، ونادلين، ولاجئين من الرجال والنساء والكبار والصغار، خمسة جنود، نزلاء المقهى، سبعة رجال يمثلون فرقة تنفيذ الأحكام، أربعة أشخاص من قوات الشرطة العسكرية، أحمق يدعى يانغ ينظم قصائد قصصية صالحة للغناء.

لقد جعل لاوشه المقهى نافذة يطل منها القارئ أو المشاهد على المظاهر الحياتية في مدينة بكين، وعلى صور متغلغلة داخل أركان طبقات المجتمع الصيني القديم. وهو يصور لنا عبر المسرحية أهم مراحل تطور المجتمع الصيني خلال الفترة التاريخية الواقعة بين عامي 1898 ـ 1948. وقد جاء هذا الاختيار باعتبار أن المقهى مكان مفتوح أمام كل الناس، بغض النظر عن اختلاف طبقاتهم ومراتبهم ومراكزهم الاجتماعية والثقافية.

وعن استلهام لاوشه لفكرة المقهى يذكر الدكتور تشانغ يوي تشي أن لاوشه كان يقطن بالقرب من مقهى، وقد رصدت عيناه ما يدور فيه وبين رواده، وجسد قلمه حياتهم، فهو يعرف ما يختمر في أذهانهم وما يعتمل في دواخلهم، وما يدور في مخيلاتهم، وبهذا كانت المسرحية استلهاماً من الحياة وإلهاماً لها. ومن هنا فإن الشخصيات كانت هي محور الحبكة المسرحية، وليست الأحداث والمواقف الاجتماعية والتاريخية في المجتمع. فالشخصيات تقوم بسرد تفاصيل الظروف السائدة والأحوال المعيشية خلال الفترة الزمنية. وهكذا تحتشد في المسرحية شخصيات متباينة إلى حد بعيد، ولكنها تمثل مختلف شرائح المجتمع في الصين القديمة.

ومع نجاح الكاتب في التصوير الدقيق للأوضاع النفسية والاجتماعية التي كانت تعيشها الشخصيات في ظل التحولات التاريخية، نجح أيضاً في رسم ملامح هذه التحولات في سياق موضوعي بعيد عن الافتعال والتنظير. وفي هذا الإطار تناول كل فصل من فصول المسرحية ظروفاً تاريخية مختلفة، تدور حول : الحركة الإصلاحية وأسباب فشلها، تأسيس الجمهورية والصراع بين حكام الولايات العسكريين، والمحور الثالث حول الحروب الصينية ـ اليابانية.