كاتبة برازيلية تقود حربا مبتكرة لإنقاذ «الفانتازيا» في بغداد

ماذا لو عثر بوش على مصباح علاء الدين؟

TT

البرازيلية ليوسيانا سافاجيت تؤمن بأن للكلمات فعل السحر. وهي في جولتها التي قادتها إلى عمّان وفلسطين، بعد أن عزّ الذهاب إلى بغداد، تعمل وكأنها في مهمة إنقاذية من نوع خاص لم يسبقها إليها أحد. ولتحقيق أهدافها فإن سافاجيت لها أدواتها الخاصة وأساليبها التي تستحق أن تستكشف...

ولدت الكاتبة البرازيلية ليوسيانا سافاجيت في ريو دي جانيرو، في البرازيل، ولها صيت عالمي في عالم الكتابة للأطفال، ترجمت أعمالها إلى عدة لغات، وتقدم برامج حوارية في التلفزيون البرازيلي، كما انها تعمل مع الأطفال المشردين في البرازيل، حيث الفقر والبؤس جزء من الحياة اليومية.

في عام 1979، انتخبت سافاجيت شخصية العام، في يوم الطفل العالمي، وحازت العديد من الجوائز، أهمها جائزة برلمان أميركا اللاتينية، عن أحسن فيلم وثائقي عام 1997، وجائزة دائرة البيئة البرازيلية، عن أحسن برنامج تلفزيوني برازيلي عام 2001. وصدر لها مؤخرا كتابها الأول الموجه للمراهقين والبالغين بعنوان «بغداد». وهو رواية تجمع بين الواقع والفانتازيا.

وبمناسبة صدور كتابها هذا جاءت إلى عمان للترويج له، ولم تذهب إلى بغداد بسبب الظروف الأمنية، ولكن ما ان وصلت إلى عمّان حتى ضربت ثلاثة تفجيرات العاصمة الأردنية، فلبت دعوة شخصية لزيارة الأراضي الفلسطينية، كانت تتحمس لها، لتعاطفها الحميم مع نضال الشعب الفلسطيني، وتحذر منها بسبب الأوضاع الأمنية. وبعد وصولها، عقدت سافاجيت لقاء مع مجموعة صغيرة من الكتاب الفلسطينيين في الكاردنيال هاوس، وهو مركز ثقافي في مدينة بيت لحم.

يا بغداد

* قالت سافاجيت، خلال اللقاء، ان كتابها عن بغداد هو الان طفلها المدلل، وهو وان كتب للبالغين، الا انه موجه لجميع الأعمار. وأشارت إلى أنها أحبت الحكايات العربية، خصوصا كتاب «ألف ليلة وليلة»، الذي تأثرت به إلى حد كبير.

وقالت «ان شخصيات هذا الكتاب خرجت من بغداد، المكان الذي شهد الحضارة، وعندما بدأت طبول الحرب تدق، كان الرأي العام في أميركا اللاتينية ضد الحرب، التي ستدمر المدنية في هذا البلد العريق». وأضافت «وبعد الحرب، رأيت ما حدث من سرقة الآثار وعمليات التدمير، التي طالت المتاحف والمكتبات، وفكرت كيف يمكن أن اكتب شيئا هو بين الخيال والواقع، للتعبير عن موقفي إزاء ما يجري وتضامنا مع الشعب العراقي».

أسست سافاجيت مؤسسة وهمية أسمتها «المؤسسة العالمية من اجل الحفاظ على الخيال والإبداع»، يلتقي أعضاؤها عبر الرسائل الالكترونية، وتقرر الذهاب إلى بغداد لإنقاذ الأحلام والفانتازيا والتاريخ هناك. واستحضرت شخصية علاء الدين، الذي قدمته كرجل غني مول الحملة الجديدة على بغداد، وسانده في ذلك الرحالة سندباد الذي تشجع كثيرا، خصوصا بعد أن علم حجم الخرائط وكتب الرحلات التي دمرت في المكتبات العراقية. وتنجح الحملة وتنقذ 2725 جنية، و480 ملكا، و1927 أميرة غير متزوجة، و1221 أميرة مخطوبة، و500 أميرة متزوجة 260 ملكة، و622 راقصاً وراقصة، و5223 شخصية متنوعة.

من يعثر على الفانوس السحري

* وقالت سافاجيت ان عملية الإنقاذ هذه ومؤسسة حماية الأحلام والإبداع، هي مهداة لكل الأطفال الذين يعانون من الحروب، ولا يستطيعون ان يحلموا أو أن يستسلموا للخيال، ولا يتمتعون بسرد الحكايات الجميلة. وجالت سافاجيت، مثلما تفعل دائما في المدارس البرازيلية، وقرأت من كتابها الجديد الذي تقول إنه لاقى إقبالا كبيرا، ووجهت لها أسئلة كثيرة، أطرفها كان عن مصباح علاء الدين، الذي تمت، لأسباب روائية فنية، إضاعته خلال أحداث الرواية، والسؤال طرحه احد الأطفال: ماذا لو عثر جورج بوش على مصباح علاء الدين؟ ماذا سيفعل به؟

ردت سافاجيت، بأنها كتبت ملاحظة في نهاية كتابها حول هذا المصباح، ووضعت عنوانا الكترونيا ليكتب لها القراء عنه إذا وجدوه، والعنوان أيضا هو خط ساخن للتواصل مع القراء، وتصلها، كما تقول، رسائل عديدة من بينها رسائل من طالبات يستنجدن بها لإنقاذ مكتبات مدارسهن، لأنهن يعرفن مقدار اهتمامها بالكتب.

ولكن عندما قررت سافاجيت الحضور إلى فلسطين، نصحتها ابنة زوجها بان لا تأخذ معها نسخا كثيرة من كتبها، لان الاحتلال الإسرائيلي، مثل أي احتلال يخاف من الكتب ومن الكلمة التي تؤمن سافاجيت بقوتها وقدرتها على هزيمة القوى العاتية. وقالت لها ابنة زوجها عندما يجدونك تحملين كتبا سيشكون بك، لأنهم يعتبرون الكتب معادلا للمتفجرات، وسيسألون عن هويتك ولماذا أتيتِ؟ ولن يصدقوا بأنك ذاهبة فقط للسياحة.

ولهذا لم تحضر سافاجيت معها سوى ثلاثة من كتبها، تود ان تقرا منها للأطفال الفلسطينيين، بالإضافة إلى كتابها عن بغداد. وعن ذلك قالت «أنا أؤمن بأننا بالكتب والكلمات نملك القوة، ويجب علينا أن نكون على يقين بان أهم نضال هو النضال بالكلمات والكتب».

زهرة وشمس وعصافير

* بالإضافة إلى كتابها عن بغداد، تحدثت سافاجيت عن ثلاثة كتب أخرى لها. هناك كتاب عنوانه «زهرة بدون اسم»، وهو عن زهرة نسوا أهلها أن يسموها. وهو كتابها الأول الذي كتبته، ولكنه تأخر في النشر عشرة أعوام، بسبب رفض الناشرين له بحجة أن الأطفال لن يستطيعوا فهم حواراته. وهو ما لم تقتنع به سافاجيت، التي تثق بقدرة الأطفال على الوعي والفهم.

وفي القصة تذهب الزهرة التي بدون اسم كل يوم للبرية، وهناك تلتقي بعصفور يأتي صباحا ويحدثها، وفي احد الأيام يراها حزينة، ويسألها لماذا هي حزينة، فتجيبه بان لديها مشاعر لا تستطيع تحديدها تجعلها تشعر بضيق، وتنزل دمعة لها ويجري حوار بين الدمعة والعصفور والأزهار، وهو الحوار الذي خشي الناشرون منه، فلم يطبعوا الكتاب، ولكن عندما صدر للمرة الأولى عام 1982، لاقى انتشارا، وصدرت منه ست طبعات.

وعرضت أيضا لأشهر كتبها ويحمل عنوان «لا أحب ولا أريد»، الذي صدرت منه عشر طبعات وترجم لعدة لغات. أما كتابها الثالث فهو عن قصة حب فتى هندي مع فتاة هندية، تواجه بمصاعب تقليدية، وبرفض والد الفتى لهذا الحب، يتدخل طبيب ساحر، ويحول الفتى إلى طير، والفتاة إلى شمس، وكل يوم أصبح الناس يشاهدون كيف تتحلق العصافير حول قرص الشمس وتقترب منه بحب من دون أن تحترق.

قوة الكلمات

* عمل سافاجيت ونشاطها مركز في ريو دي جانيرو، خصوصا مع من يطلق عليهم أطفال الشوارع، وعن هذا المجتمع تقول «هو مزيج من مجتمعات وثقافات مختلفة، ويمكن أن تجد الأغنياء والفقراء يعيشون معا في نفس الأحياء، ولكنهم يعانون من تجار المخدرات، ومن العوامل ذاتها التي أفرزت هذه التشرد الطفولي».

وتتلقى سافاجيت، كما تقول، تهديدات من منظمات ترى في عملها مع أطفال الشوارع خطرا عليها، وتقول ان زميلا لها قتل على أيدي هذه العصابات.

وتحدثت سافاجيت عن حرب مسكوت عنها تجري في شوارع ريو دي جانيرو، وذكرت إحصائية صادمة، وهي انه خلال عامي 1998 ـ 2000 قتل نحو 100 ألف، أي ما يعادل أو يزيد عن ضحايا الحرب التي شنت على العراق.

وتؤمن سافاجيت، بشكل غريب بأنها بروايتها القصص والحكايات تستطيع إحداث التغيير المطلوب، وروت قصصاً عن أشخاص كان لها دور في تغيير مجرى حياتهم، ومن بينهم شخص اسمه فابريسيو، كتب لها مؤخرا مذكرا بأنه التقى بها عام 1995، كأحد أطفال الشوارع، الذين يطلق على الواحد منهم صفة (جندي) وكان يحلم، مثل كل البرازيليين بان يصبح لاعب كرة قدم، ولكن بعد أن استمع منها إلى حكاية من حكايتها، تغيرت حياته، حتى أصبح عضوا ناشطا وصالحا في المجتمع. وكتب لها هذا «الجندي» السابق يقول: «فابريسيو الجديد شخص آخر مختلف عن القديم... أنت التي فعلت التحول الأول والأساسي في حياتي، حتى أصبحت صحافيا في صحيفة البلوبو. صحيح أنني لم أصبح لاعبا، لكنني أصبحت رجلا ناجحا».

وقالت سافاجيت «أنا أؤمن بقوة الكلمة وسأبقى أؤمن بها، وسأستمر في رواية الحكايات، لكل من يريد أن يستمع إليها، حتى أصبح عجوزا أتحدث بصعوبة».