نجوى بركات تطلق مشروع «كيف تكتب رواية؟»

أقتل الرقيب القابع في داخلك وحلّق...

TT

لعلها المرة الأولى التي نرى فيها أديباً عربياً يبوح بأسراره الإبداعية إلى مبتدئين يريدون أن يمسكوا بطرف الخيط. نجوى بركات اتخذت المبادرة، وبدأت من الخرطوم. هناك اقامت ورشة عمل شارك فيها أولئك الذين يدغدغهم طموح دخول عالم الرواية، الذي يبدو بعيد المنال. الروائية اللبنانية المعروفة، باشرت، من هناك، بمشروعها التعليمي الإبداعي الذي تود أن تجول به العالم العربي، لتثبت أن الإبداع ليس خاصية لأحد، وانه متاح لمن يريد.

ورشات كتابة مكثفة أدارتها في «المركز الثقافي الفرنسي» بالخرطوم الروائية اللبنانية المعروفة، والمقيمة في باريس نجوى بركات، التقت خلالها مجموعة من الصحافيين والكتّاب في أول رحلة لها للعالم العربي، في إطار مشروع متكامل تسعى لأن تستثمر من خلاله خبرتها الأدبية وتجربتها الإعلامية لأكثر من عشرين عاما، في تعليم الآخرين، الخروج من ذواتهم والتحليق في عوالم أخرى.

حضرنا الورشات الخاصة بالصحافيين، حيث اعتمدت الروائية نجوى بركات أسلوبا علميا جديدا يهدف إلى تنمية المهارات، ورفع درجة الشفافية والوعي وتحفيز المخيّلة، وذلك عبر صياغة حوار بناء قائم على منهج عملي لم يتبدّ لنا المقصد منه إلا في نهاية الورشة. فقد دارت اللقاءات التي شاركنا فيها مثلا على ثلاث مراحل: الأولى تركزت على حوار يرمي إلى نفض الغبار وكسر السائد، وكل ما من شأنه أن يكبّل المخيلة، ويشلّ القدرة على التعبير، وهو كثير، بدءا من الخيارات السهلة والمواضيع المجترة والصور الكلامية والتعبيرية المستهلكة... وهنا انتهت بركات إلى القول «إن الرقيب الذاتي هو في أغلب الأحيان أكثر شراسة وأذية من أي رقيب خارجي آخر، بل انه أكبر مهدّد لحرية التعبير». فالحرية في الكتابة، حق الكاتب وثمرة جهد ومعرفة خاصة ولا يحق للآخرين إجهاضها... في المرحلتين التاليتين للورشة، اختار كل صحافي موضوعا يكتبه على شكل مقالة أو قصة قصيرة. وأخذت الروائية بركات ترافق كل مشترك، خطوة خطوة، في عملية الكتابة، وذلك من خلال مناقشة خياراته لجهة الأسلوب السردي، بناء الفكرة، كيفية عرضها، متطرّقة للمدارس الكتابية والتيارات النقدية على اختلافها، عبر نقاش مشترك يبدي أثناءه الحاضرون آراءهم. ومن ثمة، تدلي بركات بملاحظاتها وتعليقاتها، فتعمل على تفنيد النص وتفكيكه وتحليل مختلف مكوّناته، مع إبراز إيجابياته وانتقاد سلبياته، انتهاءً باقتراح حلول عملية ممكنة، لكن دون أي تدخل بمعنى فرض قسري لأي شيء من قبلها.

والطريف أنه مع انتهاء الورشة التي دارت على ثلاثة أيام، تم تسليم نصوص ومقالات عن تجارب خاصة وعامة اتخذت أحيانا شكل قصص قصيرة وفصول روائية اكتملت فى زمن وجيز. وبدا أن كل صحافي يحمل في داخله روائيا وقاصا ومبدعا، نجحت نجوى بركات في الكشف عنه فخرج إلى النور أو إلى... الورق!

ونسأل نجوى بركات، ما هى توقعاتها لتعميم التجربة في بلدان أخرى؟

تجيب قائلة: «حتى الآن، جاءتني الموافقة من بعض المراكز الثقافية الأجنبية الناشطة في العالم العربي ـ كما جرى حين دعاني المركز الثقافي الفرنسي في الخرطوم اخيرا ـ لكنني أعمل حاليا على تطوير هذه المبادرة من خلال اقتراحها على مؤسسات ثقافية عربية، وكلّي أمل أن تقابَل بحماسة، وتجد تقبّلا ورواجا، خاصة وأني في كل مرة أخوض هذه التجربة، أفاجأ بالصدى الإيجابي والمؤثر لدى المشتركين في الورش من الكتّاب والصحافيين الشباب الذين يظهرون توقا هائلا إلى خوض تجارب إبداعية جديدة، واكتساب أدوات تساعدهم على التعبير عن مخزونهم الإبداعي، وهو ذو ثراء يفوق كل توقع ووصف».

نجوى بركات تعيش في فرنسا، لكنها بفكرها وقلمها موجودة في العالم العربي، درست الإخراج وعملت في الإعلام المقروء والمرئي والمسموع، أولى رواياتها كتبتها أثناء دراستها في باريس وأرسلتها كمخطوطة مع أصدقاء لها الى بيروت للطباعة، ولذا تعلّق: «من حق المثقف العربي أن يرمي خيبته على السلطة وأغلالها، ولكن عليه في المقابل أن يستمر في تطوير نفسه ومعارفه وأن يعمل على تغيير العالم ولكن بتواضع وتأن وصبر، فإن أضاف حجرا صغيرا الى بناء الإنسانية، فلا بأس به، فقط عليه ألا ييأس أبدا أو أن يلقي سلفا مسؤولية فشله على الآخرين». وتضيف: ان من واجب الإعلامي أو الكاتب أو المثقف أن يقدم التضحيات، فمهمته ليست الراحة أو الاستكانة، كما عليه ألا ينتظر أن يجني الكثير ماديا، بل رسالته هي الارتقاء بنفسه وبالآخرين، كما يجب عليه أن يشكك دائما فى مقدراته ليصقلها، ولا يظن بأنه مركز الكرة الأرضية كما يشعر البعض.

وفى سؤال صحيفة «الشرق الأوسط» لها: هل تلاحظين قصورا ما في المشهد الروائي أو الصحافي، جعلك تقومين بتلك المبادرة من خلال إقامتك في باريس، ومقارنة الإعلام العربي بالغربي؟

تجيب نجوى بركات: «دافعي الرئيسي إلى تطوير مثل تلك المبادرة، هو شعوري بغياب حلقة معينة وظيفتها أن تقيم تفاعلا وتواصلا بين تجربة أدباء محترفين، مشروعهم الإبداعي في طور الاكتمال، وآخرين مبتدئين هم قيد التشكّل، ضمن ما أطلقتِ عليه عبارة المشهد الروائي. فأنا، في بداياتي، تمنيت لو ينقل روائيون سابقون أو متمكنون من أدواتهم السردية، بعض تجاربهم وما اكتسبوه من خبرات، لي ولأمثالي من جيل الشباب، راسمين لنا بذلك ملامح دروب سلكوها، نكملها من بعدهم أو أن نختار دروبا أخرى».

وترى نجوى بركات ان القصص تجذب الكبير والصغير على حد سواء، بل ويمكن للكتابة الصحافية ان تأتي على شكل سردي مشوّق يمس الجانب الإنساني للصحافي والقارىء، وتضيف بركات «ان الخيال ملكة كل إنسان»،

وعن المؤتمرات الثقافية العربية تقول نجوى بركات «لقد تحوّلت إلى ما يشبه الحفلات العامة حيث يجري تبادل الدعوات»، وتضيف «إن الورش هى الطرق المفيدة والعملية جدا في نقل الخبرات، وتوصيلها الى العاملين فى المجالات الإعلامية والثقافية».

لنجوى بركات خمس روايات صادرة عن «دار الآداب» في بيروت هي: «لغة السر»، «باص الأوادم»، «يا سلام»، «حياة وآلام حمد ابن سيلانة» و«المحوّل»، ولها رواية باللغة الفرنسية صدرت في باريس بعنوان «مستأجرة شارع البودوفير»..