الإخوان المسلمون.. هل أصبحوا «فزاعة» الكتاب في مصر؟

قلق وتوجس من صعودهم المفاجئ وتساؤلات حول عودة فقه مصادرة وتحريم الكتب

TT

شكل الصعود المفاجئ لجماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية حالة من التوجس في أوساط المبدعين والمثقفين المصريين على نحو خاص، وبدأ البعض منهم ينبش في إرث الجماعة (المحظورة قانونيا) ويتخيل شكل المجتمع ونمط الحياة، لو وصلت هذه الجماعة يوما إلى سدة الحكم، متذكرين مصادرة كثير من الكتب الإبداعية، التي كانت وراءها مجموعة من نواب الجماعة السابقين في البرلمان، بداية من عاصفة رواية «وليمة لأعشاب البحر»، ثم أزمة الروايات الثلاث لثلاثة كتاب مصريين والتي أطاحت برئيس هيئة قصور الثقافة، وكذلك مصادرة عدد من المطبوعات التي تصدرها الهيئة العامة للكتاب، بحجة الإساءة للدين والخروج على أعراف وتقاليد المجتمع. وإذا كانت تلك الوقائع وغيرها صالحة لإثارة الدهشة، وإعادة القراءة والتأمل، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن هو: لماذا يخشى المثقفون والمبدعون المصريون الإخوان المسلمين؟ ولماذا يظل هذا الخوف قابعا على محك الصدام التقليدي بين الخطابين الديني والأدبي، من دون أن يرقى إلى مستوى الحوار الصحيح؟ وهل أيديولوجية الإخوان المسلمين أيديولوجية مطلقة، مكتفية بذاتها، لا تقبل المراجعة والمساءلة في إطار هذا الحوار الذي أصبح يفرضه واقع الحال في المجتمع؟ ثم هل لم يعد أمام جماعة المثقفين سوى المراوحة تحت عباءة السلطة وتحت وهم الحماية ضد هذا الخوف؟!

في هذا التحقيق شهادات مجموعة من الباحثين والكتاب والنقاد حول هذه القضايا.

عبد المنعم تليمة: سعيد بما يجري

* قد يبدو من الغريب أن يكون مثلي سعيدا بما يجري، لأن هذا الشأن الجاري ليس أمر انتخابات تشريعية عادية، وإنما حدث سياسي محوري، وأقصد بمحوري أن له من الأعماق ما يضرب ماضيا إلى عشرات السنين، وفي ذات الوقت يتأسس على نتائجه مستقبل لعشرات السنين.

جرى التحريم في بسط المسائل وكأن شؤون دنيانا وأمور حياتنا قد صارت مقدسات ومحرمات لا تمس، وما يجري الآن يكسر هذا التحريم الذي سيتراجع بطيئا مرة وإلى الأبد. كانت مسائل الحديث في نظام الحكم محرمة، مسائل نظام الجبهة الذي يحل محل الشمولية والدكتاتورية محرمة، صار الحديث مفتوحا الآن على كل الساسة من كل الاتجاهات تحديدا وبالاسم، وصار الحديث عن الأحزاب والقوى في إيجابياتها وسلبياتها مطروحا وبقوة بين الصفوة وبين الجماهير. في تقديري أن الأمور في مصر اليوم لن تعود كما كانت في عشرات السنين العقيمة المنهكة والسبيل إلى المستقبل مليء بالاحتمالات الواعدة، غير أن الفواتير لابد أن تسدد والأثمان باهظة من حدقات العيون وأعماق القلوب.

جمال حشمت: العنف ليس إخوانيا

* لا اظن أن الأمر بهذا المعنى، هناك كثير من المثقفين يعرفون الإخوان جيدا ويقدرون مواقفنا، أما الحديث عن المثقفين والكتاب باعتبارهم كتلة واحدة، فهذا خطأ. هناك مثقفون وكتاب أصحاب توجهات سياسية وأفكار وهم يأخذون مواقفهم بناء على توجهاتهم وتخوفاتهم، وأنا أعتقد أن كثيرا من التخوفات لا مبرر لها، فأصحاب هذه التخوفات يفتشون في الضمائر، ويتوقعون الأسوأ دائما والحقيقة التي أراها أنه لا يوجد خلاف هيكلي وحقيقي بين الإخوان والمثقفين عامة، فالخلاف بينهما ليس قضية مسلما بها، وأنا هناك أتكلم عن الموقف العام لجموع الإخوان بعيدا عن مواقف بعض الأفراد من الجماعة، كما أتكلم من منطلق ما يعلنه الإخوان في بياناتهم ومبادراتهم وبرامجهم الانتخابية. تعالوا ندقق في ما حدث ويتخذه البعض من الكتاب والمثقفين سببا لنقد الإخوان ليل نهار، هل الاعتداء على نجيب محفوظ كان بسبب تكفير الإخوان له؟ وهل قتل الكاتب فرج فودة كان سببه الإخوان؟ لماذا يلفق البعض أحداث العنف على شماعة الإخوان؟ هل كفرت الجماعة نجيب محفوظ أو فرج فودة أو غيرهما من الكتاب والمفكرين؟ إن العنف الذي مورس ويمارس ليس عنفا إخوانيا، البلطجة التي نراها ليست بلطجة إخوانية، وأنا عندي قائمة بأسماء من مارسوا البلطجة وليس بينهم فرد واحد من الإخوان الذين لم يمارسوا عنفا ولم يتهموا في قضية عنف واحدة منذ خمسين عاما.

وأنا أريد أن أشير إلى أن سبب ممارسة العنف في الشارع المصري يأتي من قبل الذين لا يملكون وجودا فيه وشعبية تؤهلهم للفوز بأصوات الناخبين، لذا يلجأون إلى العنف تحت عين مؤسسات الدولة التي اندمج فيها الحزب الوطني، وهذا ما يبرر موقف الأمن سواء كان سلبيا أو إيجابيا، ففي الموقف السلبي تركوا البلطجية يمارسون عنفهم ضد الناخبين حتى ينجح أنصار وأعضاء الحزب الوطني، وعندما كان موقفهم إيجابيا تدخلوا أيضا لمنع الناخبين منح اصواتهم لغير أعضاء الحزب الوطني، وهذا ما يشير إلى أن الأمن ترك مسؤوليته في حماية المواطن وتأمين الوطن إلى حماية المسؤولين وإنجاح مرشحي الحزب الحاكم، حتى لو كان هذا على حساب مستقبل البلاد.

أريد أن أقول شيئا آخر وهو أن هناك مسؤولية تقع على الإعلام والمثقفين أصحاب الغرض والهوى في إيجاد صراع دائم بين الإخوان والمثقفين، والحقيقة أنهم هم الذين أثاروا هذه القضية التي تخص أحداث الروايات الثلاث وقاموا بإبرازها، وغضوا الطرف عن آلاف الاستجوابات وطلبات الإحاطة والأسئلة التي تقدمنا بها في الدورة الماضية، وقد بلغت ربع ما قدمه أعضاء المجلس، وهذه الطلبات لم تترك شأنا من شؤون الوطن إلا وناقشته، وقد راحت هذه المناقشات طي النسيان، أما الحديث عن قضية الروايات الثلاث التي لم يكن لنا اعتراض يذكر فيها إلا قيام الدولة بطباعتها على حساب أموال دافعي الضرائب، لم يكن لنا اعتراض آخر، قلنا فلتطبع على حساب كتابها، أو في دور النشر الخاصة، والدليل على كلامي هذا أن هناك كما هائلا من الكتب الجنسية وغيرها موجودة على الأرصفة ولم نلتفت إليها ولم نسأل عنها، وهذا هو موقفنا بالضبط وهو موقف ناصرنا فيه كثير من المثقفين بالإضافة إلى مؤسسات أزهرية وكنسية. لم تكن اثارتنا لقضية الروايات الثلاث موقفا ضد الإبداع أو الحرية الفكرية على الإطلاق كما أن ما حدث من تداعيات بعد ذلك لم يكن له سبب سوى ما يبرز في الواقع الثقافي من خلل يمكن إدراكه لو راقبنا ممارسات الحكومة التي تقوم أحيانا بالتضييق على الحرية والفكر والإبداع، وأحيانا أخرى تدافع عنها وهذا كله يأتي من مناخ عدم الاستقرار الذي يحيط بنا ويلف الحياة السياسية والثقافية في بلادنا، كما أن سببه تدهور التعليم والإعلام وسيادة نموذج الدولة البوليسية التي تفرض دائما رأيها النهائي في كل شأن من شؤون مصر.

فريدة النقاش: الإخوان حرضوا

على قتل محفوظ وفودة

* إن الإخوان المسلمين لهم سوابق كثيرة في ممارسة العنف وتبريره، فهم الذين حرضوا على قتل فرج فودة بفتوى للشيخ محمد الغزالي وهو نفسه الذي حرض على قتل الأديب نجيب محفوظ، وهم أيضا الذين كانوا وراء أزمة رواية «وليمة لأعشاب البحر» بالإضافة إلى أزمة الروايات الثلاث، وهذه هي محاور عملهم في مجلس الشعب، فهم يعتمدون دائما فكر المصادرة والتكفير، وهذا هو منهجهم في ممارساتهم تجاه المجتمع والآخر، وإذا وصلوا إلى الحكم سوف ندخل في نفق مظلم لن نعرف متى نخرج منه، ما يؤيد كلامي التجارب التي حكم فيها الإخوان المسلمون دولا مثل السودان وأفغانستان حيث قاموا باسم الدين بقهر المرأة والمبدعين.

الغريب أن الإخوان يستخدمون في حياتهم أعلى أشكال التنظيم والتكنولوجيا أما فيما يخص المرأة والمجتمع فنراهم يقبضون على رقاب العباد بقسوة، ومن حق المثقفين والحال هكذا أن يتحفظوا على زيادة وجود الإخوان في البرلمان، كما أن من حق النساء أن يخفن من زيادة نفوذهن. أقول هذا الكلام مع قناعتي أن من حق القوى كل القوى بما فيها الإخوان أن تأخذ حقوقها في البرلمان لكن مع ذلك فإن ممارساتهم فيه تجعلنا نتضافر جميعا وباستخدام الديمقراطية من أجل منعهم من الوصول إلى الحكم، وأدعو كل القوى أن تدرس ما حدث في انتخابات البرلمان، حتى تستفيد وتعمل بشكل جدي وتتلافى ما حدث.

صلاح فضل: نكسة حضارية

* نحن في مجتمع عربي إسلامي اتخذ منذ قرنين من الزمان شكل الدولة المدنية، وارتضى لنفسه هذا الإطار، وتحوله إلى دولة دينية يعتبر نكسة حضارية في تاريخه لا تقبل بها فئات المثقفين ولا طوائف الشعب الواعية، ومن حق كل القوى السياسية فيه أن تعلن عن نفسها في أحزاب شرعية، وعلى الإخوان كي يلعبوا دورهم سياسيا أن يكفوا عن اعتبار أنفسهم أوصياء على الشعب وأنهم المسلمون الوحيدون في دولة غارقة في البعد عن الإسلام، وأن يدركوا جيدا أن بقية أفراد الشعب لا يقلون عنهم في مشاعرهم الدينية سواء كانوا مسلمين أو أقباطا وأن يقوموا بوضع برنامج مدني سياسي يتعرض بالتفصيل للمشكلات المتعددة ويقدموا اقتراحاتهم العملية لحلها.

أريد أن أقول أيضا ان التخفي تحت شعارات فضفاضة تنجح في كسب العوام مثل «الإسلام هو الحل» يضمر خطرا داهما ضد المجتمع، لأن الإسلام عقيدة لا يناقش فيها أحد ولا تقبل المزايدة، وشريعة يختلف المجتهدون والعلماء في تفسيرها، كما يختلف في وسائل تطبيقها بطريقة تتلاءم مع مقتضيات العصر وحاجاته ولا يجوز تكفير مجتمع أو سوقه إلى حظيرة الإيمان في القرن الحادي والعشرين.

هناك أمر آخر هو أن الحركات الدينية التي تقفز على السياسة تتصور نفسها محتكرة للحقيقة ولا تسمح بتعدد وجهات النظر ولا تعترف بالاختلاف. وأسوأ من ذلك أنها تخطئ خطأ فادحا في تقدير أولوياتها، فتوجه اهتمامها إلى ملابس النساء وأحوال الفن وموضوعات الأدب وقضايا الثقافة لكي تهرب بهذه المظاهر من مواجهة المشكلات المجتمعية الحقيقية، والتي تتمثل في الفقر والبطالة والفساد، والتخلف التعليمي والعلمي والإبداعي، بالإضافة إلى إدارة شؤون الدولة احتكاريا من دون إتاحة الفرص للمشاركة المجتمعية الحقيقية في تقرير شؤون السياسة والاقتصاد والحياة. وخلاصة الأمر أن الذين يرفعون شعار الدين إذا أرادوا أن يشتغلوا بالسياسة لابد أن يكفوا عن النطق باسم الله لان الله لم يفوض أحدا في أن ينطق باسمه، كما ان عليهم أن يقدموا برامج لدولة مدنية راقية تأخذ بأسباب الحضارة في بناء مستقبلها بالتعاون مع الدول الأخرى، وترتب أولوياتها طبقا لمصالح الناس وأهميتها في صناعة المستقبل.

جمال البنا: لا خوف من الإخوان

* بعض المثقفين أو الاقباط أو بعض شرائح المجتمع المختلفة تخوفوا من هذا الظهور للإخوان لأن ما أكدته الحكومة وخصوم الإخوان من دعايات لا أصل لها، وإصرارها على اعتبار أن جماعة الإخوان محظورة، أثار القلق في أوساط هذه المجموعات، بالإضافة إلى ما ارتكبته في الثمانينات والسبعينات جماعات العنف السياسي الرافضة لنظام الحكم والتي اتجهت للعنف وتصادمت مع الدولة ولجأت إلى أساليب اغتيال، وتصورهم أن هذه الهيئات خرجت من عباءة الإخوان وهو قول لا يزال يتكرر حتى الآن، رغم أن الحقيقة أن هذه الجماعات تمردت على الإخوان ولم تنطلق منها وكانت بداية ظهورها في سجون عبد الناصر عندما اعتقدت فئة من الشباب أن هذه الحكومة ليست مؤمنة، وأنها كافرة ونشأت فكرة التكفير. وحاول الإخوان أن يوضحوا لهم الموقف وأصدروا كتابا بعنوان «دعاة لا قضاة» بقلم الراحل حسن الهضيبي، ولكن المناخ كان مناخا ملتهبا يتسم بالعنف، فلم يكن هناك مجال للمنطق وتأثرت هذه المجموعات بفكر سيد قطب وأبي الأعلى المودودي وهو فكر دخيل على فكر الإخوان لان سيد قطب لم يكن أصلا إخوانيا ولم ينضم لهم إلا عام 1951، وكانت له علاقات وثيقة بضباط القيادة في ثورة 23 يوليو، هذا الفكر شيء والإخوان المسلمون شيء آخر، لكن الناس لا تستطيع ان تميز واختلط عليها الأمر، فضلا عن رغبة الحكومة في إلصاق هذه الاتهامات بالإخوان.

الإخوان مواطنون صالحون تماما وقد اشتركوا وقادوا عمليات نضال ضد الإنجليز، وشهداؤهم معرفون حتى الآن ولا يمكن ان يطعن أحد في وطنية الجماعة، لكن الحقيقة أن من يطعن في وطنية الإخوان أفقهم ضيق ويسيطر عليهم فكر سلفي يجعلهم يعطون عناية كبرى للطقوس والشكليات فيثورون عند عرض أفلام خارجة، أو كتابات تبعد عن العقيدة، وهذا من ضيق الأفق، ولكنهم فيما أعتقد تعلموا من التجارب. وهناك جيل صاعد يمكن ان يتلاءم مع حقيقة الأوضاع والخوف في الحقيقة يكمن في أن الإخوان هم شعبيون، يمثلون الشعب ويعيشون عيشته ولا تجد بينهم باشا أو بيه ولا تلك الرطانة التي يعجب بها ويمارسها المثقفون من ذوي الثقافات الأوروبية أو الاتجاهات اليسارية الذين يهيمنون على أجهزة الإعلام.

أدريس علي: ثقافة ماضوية

* مصيبة الحزب الوطني أنه هو السبب في صعود الإخوان إلى البرلمان، فقد أعطى المصريون أصواتهم لمرشحيهم كرها في الحزب الوطني، هذا رغم أن الإخوان لا يوجد لديهم في برامجهم مشروع اقتصادي يخرج مصر من أزمتها الاقتصادية، كما ان الإخوان لا يوجد لديهم مشروع حضاري يعلي من قيمة الثقافة والفكر، فقد اكتفوا بثقافة الحلال والحرام وهي ثقافة ماضوية، لذا أنا أفضل أي حزب غير التيار الإسلامي الذي نرى أمامنا تجاربه في السودان وهي تجارب مريرة.

مصر في مواجهة أزمتها الاقتصادية لا تحتاج إلى أوصياء على مواطنيها، إنها تبحث عن مهاتير محمد جديد يحل معضلة الفقر والمرض والفساد المتفشي، وإذا كان لدى الإخوان حل فليقدموه، أما الحزب الوطني فقد أساء في اختيار مرشحيه عندما تمسك برموز الفساد، وهو ما جعل وجود الإخوان في البرلمان يتضخم في غيبة الأحزاب الأخرى التي عمل الحزب الحاكم طوال 25 عاما على تهميشها وحصرها في مقراتها، وهذا السلوك أدى فوق غياب الحزب الوطني إلى غياب الأحزاب الأخرى، ولولا دخول المستقلين وانضمامهم للحزب الوطني بعد نجاحهم في البرلمان لما حقق الحزب الحاكم أغلبية في البرلمان الحالي، وأنا أعتبر انضمام المستقلين إلى الوطني ظاهرة رديئة، قد باعوا الشعب للحزب الحاكم، وأنا رافض جدا لهذا السلوك كما أنني رافض جدا لأسلوب التزوير الذي اتبعته السلطة في مصر لكي تحقق بعض النجاحات ضد الإخوان في بعض الدوائر البرلمانية.

عبد الوهاب المسيري: لابد من استيعابهم

* لم يرفض كل المثقفين المصريين ولم يخش جميعهم من صعود الإخوان أو تزايد نفوذهم في البرلمان القادم. ومن قراءاتي للساحة الثقافية والفكرية يمكنني أن أقول إن الغالبية الساحقة من المفكرين المصريين يرون أنه لابد من استيعاب تيار الإخوان المسلمين في الحياة السياسية. وقد قال نائب المرشد العام للإخوان المسلمين من قبل «لو تحولنا إلى حزب سياسي سوف نحل الجماعة وهذا يعني أنهم على استعداد لتداول السلطة واحترام الدولة والدستور، ومن يقولون غير ذلك هم من غلاة العلمانيين الذين كانوا من قبل لا يتحفظون على شعارات مثل « يا عمال العالم اتحدوا» وهو شعار مركزي يشير إلى رؤى ما، ثم بعد ذلك يأتي التفسير والحلول، لكنهم انتقدوا شعار «الإسلام هو الحل» وقالوا إنه فضفاض ولا يشير إلى حلول لمشاكلنا، وقد كنت ضمن الحضور في المؤتمر الانتخابي الذي عقده الدكتور جمال حشمت مرشح الإخوان في دمنهور. وأتضح من حديثه لجمهوره أن الإخوان يحملون برنامجا سياسيا وإصلاحيا يتصدى للمشكلات التي يعاني منها الوطن سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية ولديهم ميزة هي أنهم يتصدون لتزايد نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة ويرفضون إسرائيل باعتبارها دولة عنصرية، وهم في نهاية الأمر يطرحون تصورا لمصر والعالم من حولهم، أما اتهامات بعض النقاد والمفكرين لهم بأنهم يصادرون حرية الفكر والرأي أو أنهم كانوا وراء أزمة الروايات الثلاث أو رواية «وليمة لاعشاب البحر» فأنا أعتقد أن من حق المجتمع أن يدافع عن نفسه في مواجهة مثل تلك الروايات الإباحية، هل تعتقد ان كتاب «الخبز الحافي» لمحمد شكري كتاب أدبي إبداعي، له فائدة، إنه كتاب مقزز ورغم احتفاء الغرب به وتحويله حديثا إلى فيلم سينمائي إلا أن ذلك يكشف عن أن الغرب لا يهتم إلا بما هو إباحي ومقزز، أما الإبداع الحقيقي الذي لا يصيبنا بالغثيان عندما نقرأه فلا يهتم به أحد.

إدوارد الخراط: مصدر خطر يهدد الإبداع

* بلا شك هناك خوف لدى بعض المثقفين من الإخوان الذين يمثل صعودهم الكبير إلى البرلمان في مصر خطرا يهدد الفكر والإبداع ويهدد الحرية، وأهم من هذا وذاك يهدد الوجود نفسه إن صعودهم يمثل خطرا على الحياة نفسها، ونحن نقول هذا لأننا نعرف ممارساتهم القديمة، وهم يعلنون شيئا ويخفون شيئا آخر. وأنا اعتقد أن العنف موجود في صلب أيديولوجيتهم، وهو أسلوبهم الذي يلجئون إليه من أجل تغيير ما يرفضونه، ومع ذلك فأنا أعتقد أن صعود الإخوان يكشف على الجانب الآخر استقواء الحزب الوطني بالسلطة وشعوره الذي اتضح أنه زائف بقدرته على الفوز بمقاعد الأغلبية في البرلمان من دون خدمة الناس، وهذا كله ما أدى إلى كره الناس للحزب الوطني ورغبتهم في التغيير وجعلهم يختارون المستقلين من دون أعضاء الوطني بمن فيهم أعضاء الإخوان وهذا ما يفسر عدم حصول الوطني في الجولتين الأولى والثانية على نسبة من المقاعد كبيرة كما يكشف عدم وجود أي نوع من الشعبية لديه.

محمود أمين العالم: لو عادوا

إلى ابن رشد والفارابي

* الخوف الوحيد من صعود الإخوان إلى البرلمان يكمن في لجوئهم إلى فرض شكل معين من الأحكام الدينية التي لا يراعون فيها الظروف والتاريخ والحال، ومع ذلك فقد أعلن عدد من رموز الإخوان أنهم لا يريدون إقامة دولة دينية، ويسعون إلى عمل حزب سياسي، وهذا يعني أن لدى الإخوان رؤى تقدمية تشير إلى وجود تفتح في رؤيتهم للدين، لكن مع ذلك فإن المثقفين لديهم خوف مبرر ونابع من ممارسات اخوانية من أن تتحول السلطة عندما تؤول لهم إلى سلطة دينية، وهذا لأن بعض الحركات الإسلامية مازالت تعتمد الرؤية النصية الحرفية من دون مراعاة للمكان والزمان والأحوال.

إلا أنه في ظل وجود هذه التيارات هناك تيارات أخرى جادة جدا وحركات متقدمة جدا، ولو عاد أصحاب جماعات الإسلام السياسي إلى الإسلام الحضاري عند ابن سينا والفارابي وابن رشد لتحقق الخير الكثير، وهنا تكمن القضية التي يمكن تلخيصها في ضرورة أن تناضل الحركات الإسلامية من أجل صالح العباد مع مراعاة أن العصر مختلف وأننا مواجهون بهيمنة أميركية رأسمالية تخطت حدود العولمة، لابد من أن تراعي الحركات الإسلامية بما فيها الإخوان ان تكون حركات ديمقراطية تقدمية تراعي عروبة مصر واسلاميتها وعالميتها في نهاية المطاف.

ونحن على هذا الأساس نريد سلطة عقلانية تراعي الخصوصية المصرية والعربية والإسلامية والعولمة وهذا تدرج ضروري للسلطة. والخوف من أن الإخوان في واقع حياتهم الاجتماعية مرتبطون بالنظام الرأسمالي العالمي ومشروعاتهم التجارية تصدق ذلك، وأنا هنا أريد أن أسأل عن رؤية الإخوان لنظام التعليم وحالة التفكك التي تنتج عن وجود عدد من المدارس والجامعات الإيطالية والفرنسية والألمانية والأميركية في مصر. هل سوف يسكتون على تفكيك المجتمع لانهم يتاجرون مع العالم كله؟ نريد خطة شاملة هل لديهم هذه الخطة لإنقاذ مصر، هل لديهم خطة متكاملة تراعي حقوق الشعب المصري مسلميه ومسيحييه، خطة تراعي مختلف الفئات، وتراعي الديمقراطية؟ هل لديهم خطة لتطوير الاقتصاد في مصر؟ هذه هي المعارك التي يجب على الإخوان خوضها في البرلمان بعيدا عن الحديث عن عبارة في كتاب أو مشهد في فيلم. لقد كان خطأ جسيما لجوء الحكومة إلى تفكيك القطاع العام، فما هو موقف الإخوان من باقي المشروعات التي يسعى الحزب الوطني وحكومته لبيعها، هذا الحديث أوجهه للإخوان، وعندي حديث أوجهه لكل القوى التقدمية التي انعزلت الآن عن الساحة بسبب عدم وضوح الرؤية لديها والذي جعل حزب التجمع مثلا يرفض الترشيح لانتخابات الرئاسة بسبب اعتراضه على تعديل المادة 76، بزعم إنها غير دستورية، لكنه عاد ورشح أعضاءه للانتخابات البرلمانية، وهذا يكشف عن حالة من حالات البلبلة التي أصابت الحياة الحزبية في مصر بسبب غياب الأحزاب وعمل الحزب الحاكم دائما على تحويلها إلى مقرات فقط، وأنا هنا أدعو إلى حوار مع كل القوى في الساحة السياسية المصرية للبحث عن حلول لمشكلاتنا ويعود ارتباطها مرة أخرى بالجماهير، لابد من البحث عن بدائل وتنمية وعي الناس بالأخطار التي قد تنتج من تحول الدين إلى سلطة وحيدة في المجتمع وهي أخطار تساوي في نتيجتها مع تعميق العلاقة مع أميركا والارتباط بالنظام الرأسمالي العالمي.

ُُEssam - 1 -