خارج اللعبة الكبيرة

سكوت ريتر يقول ما لم يقله سابقا عن المخابرات المركزية الأميركية

TT

مؤلف هذا الكتاب، سكوت ريتر، يعتبره الكثيرون من المجموعة الدولية للتفتيش عن الاسلحة شخصا غامضا من حيث علاقاته المريبة ومواقفه المتغيرة. فحينما قاد فرق التفتيش للبحث عن اسلحة الدمار الشامل في العراق كان يمثل العين الراصدة للمفتشين اذ تصدى وجها لوجه للحرس الجمهوري العراقي والدخول الى اكثر المواقع العراقية سرية.

كان زملاء سكوت ريتر في وكلات المخابرات الغربية دائما ما يكررون بأنه يجب أن تتوقع كل شيء من هذا الرجل الذي خدم ثمانية اعوام في فيلق البحرية الاميركية (المارينز) وعمل اختصاصيا في الاستخبارات العسكرية ورقي الى رتبة ميجور.

في عام 1998 تغير كل شيء بالنسبة لريتر، فبعد سبع سنوات من تكريس خدمته لكشف ترسانة صدام حسين من السلاح أُجبر ريتر على تقديم استقالته. وكان الموقف الرسمي يقول بأن مساعي ريتر لم تعد مجدية ولا تشكل اية «مساعدة» في حل الإشكال الواقع بين بغداد والامم المتحدة، كما ان ريتر نفسه كان يظن أن واشنطن سئمت من مراوغات صدام اللانهائية وهي بصدد اتخاذ اجراءات أشد قوة. وبعد اربعة اشهر من استقالة ريتر اطلق الرئيس الاميركي آنذاك بيل كلنتون والبريطاني توني بلير عملية «ثعلب الصحراء» التي كان هدفها تدمير البنية التحتية لاسلحة الدمار الشامل تلك.

وكان ريتر يدعي بأن صدام حسين سيكون قادرا على استخدام السلاح النووي حالما يضع يده على المواد الضرورية لعملية الانشطار النووي، هذا اضافة الى كل ما أعلن عن محاولات العراق للحصول على اليورانيوم من نيجيريا. غير ان ريتر كان قد قوض مصداقية لجنة البحث عن اسلحة الدمار الشامل في العراق «الانسكوم» بشدة من خلال الكشف عن عمله بشكل وثيق مع المخابرات الاسرائيلية لأكثر من سبع سنوات، وبهذا يؤكد الشكوك العراقية في ان «الانسكوم» ليست اكثر من واجهة لوكالات المخابرات الغربية.

ولأنه كان قد عمل لفترة طويلة في الانسكوم والعارف بكل شيء، فإن ريتر عانى الكثير من انتقاله الصعب والقاسي الى صف اللوبي المناهض للحرب. فخلال التحضير للحرب ضد العراق كان ريتر الشوكة الموجعة في خاصرة ادارة بوش محاججا بأنه ليست هناك ضرورة لشن الحرب لان اسلحة الدمار الشامل لصدام لا تشكل خطرا.

فاذا كان الحال كذلك، اذن لماذا كان ريتر يصر على عكس ذلك حينما كان مفتشا في العراق وفي موقع يؤهلة معرفة كل شيء بشكل جيد؟ في «نهاية اللعبة» وهو الكتاب الذي ألفه بعد استقالته عكس ريتر الانطباع بأن العراق كان يشكل خطرا، وألح على واشنطن بشدة ان تأخد المبادرة لإزالة الخطر الذي تشكله اسلحة الدمار الشامل في العراق وذلك من خلال القيام بعمل عسكري.

وهذا ما حدث بالفعل، لكن سكوت ريتر «الجديد» وكما يكشف في كتابه الاخير «العراق: سري للغاية» القصة غير المعلنة لتآمر المخابرات الاميركية المركزية! يعتقد بأن الحرب ضد العراق كانت خطأ فادحا، وان اسلحة الدمار الشامل لم تكن لتحدث ضررا يذكر.

ومثل اي جندي في الخط الامامي يمكن لريتر ان يقول بأن الانسحاب الى الخلف لم يعد أمراً في يده الا انه يفهم الصورة الكبيرة بمجملها. فبعد سبع سنوات في «الانسكوم» يحاول ريتر الآن ان يقيم الوضع الذي كان في خضمه آنذاك.

ليس من الغريب ان يميل تحليل ريتر حول اللعبة السياسية التي كانت تجري في واشنطن، لندن، بغداد والامم المتحدة خلال التسعينات الى شيء من السذاجة، فمثل كل مفتشي الاسلحة، ابتداء من هانز بليك وحتى ديفيد كلي، كانت شكوى ريتر الاساسية هي أنه كان بحاجة الى مزيد من الوقت. ولكن في عام 1998 وحينما أوقف العراقيون عمل «الانسكوم» عمل لفترة سبع سنوات تقريبا، نفد صبر واشنطن ووقع كلنتون تحت ضغط هائل من اجل ان يتحرك.

إن أهم أجزاء كتاب ريتر هي تلك التي تتصل بعلاقات «الانسكوم» الداخلية مع وكالات المخابرات العالمية وكان النظام العراقي السابق يتتبع بشكل حقيقي كل الوكالات العالمية ذات الباع الطويل وشكل «عائقا حقيقيا بها».

يسرد ريتر في كتابه هذا كيف أنه كان يسافر وبشكل منتظم الى تل ابيب لتزويد الموساد بالمعلومات السرية للغاية من بغداد، التي لا تكشف فقط مواقع برامج صدام للاسلحة السرية، وانما ايضا تفاصيل الترتيبات والاستعدادات الشخصية والسرية للدكتاتور. كذلك فإن ريتر يدافع عن «تنسيق الصداقة» الذي بلغه مع الموساد على اساس ان الامم المتحدة لم تكن تمتلك الوسائل او الخبراء الذين يستطيعون اجراء تحليلات المواد، ويذكر ايضا ان وكالة المخابرات المركزية الاميركية لم تكن متعاونة معه بما فيه الكفاية.

والآن، فإن الحقيقة التي تطرح نفسها في هذا الشأن هي ان «الانسكوم» وريتر، وبغض النظر عن المهمة التي كانت تقع على كاهلهما كانا خارجين عن ادراك اللعبة الكبيرة التي تم لعبها من قبل اكثر اللاعبين خبرة وخطورة في مجال المخابرات والتجسس العالمي.

* الكتاب: العراق، سري للغاية:

* القصة غير المعلنة لتآمر المخابرات الأميركية المركزية.

* المؤلف: سكوت ريتر

* الناشر: آي. بي. توريس

- انجلترا2005