درس سياسي أنثوي في ترويض الطغاة

ترجمة جديدة لألف ليلة وليلة دون الترجمات السابقة

TT

قارئ الترجمة الألمانية الجديدة لـ «ألف ليلة وليلة» التي انجزتها كلوديا أوت لا يعرف مصير شهرزاد، لأن مصدر الترجمة المعتمدة على النص الذي حرره الباحث العراقي محسن مهدي عام 1984 الذي اعتمد على مخطوطة ربما من القرن الخامس عشر في المكتبة الوطنية الفرنسية، تتوقف عند تلك النقطة.

عندما حل صباح الليلة الثانية والثمانين بعد المائتين توقفت شهرزاد عن الكلام المباح. وأثنت شقيقتها دنيازاد على قصتها، ولكن شهرزاد واستها ووعدتها بمواصلة قصتها في الليلة التالية.

وفي الليالي السابقة استمرت شهرزاد بالطريقة ذاتها على اثارة فضول زوجها الملك شهريار والحفاظ على حياتها. وكان الملك الذي خانته زوجته الأولى قد اصبح كارها للنساء، وكان يتخذ له زوجة كل ليلة ويقتلها في الصباح التالي من أجل ان يمنعها من أن تكون خائنة له. وبعد فترة من الزمن كان هناك الكثير من النساء تركن ليكن زوجات له. وكان لوزيره ابنتان. الكبرى هي شهرزاد التي توصف بأنها حكيمة ومتعلمة وذكية وكانت مستعدة لايقاف القتل اليومي بمسعاها الشخصي. فقد تزوجت الملك الذي وافق على روايتها القصص بحضور شقيقتها. وقد افتتن شهريار بقصصها وأجل قتلها مرة تلو اخرى الى ان عفا عنها بعد الليلة الواحدة بعد الألف. ولا يعرف القارئ هذه النهاية السعيدة من الترجمة، ومن أجل ذلك يتعين عليه العودة الى ترجمة ألمانية أشمل قام بها اينو ليتمان في عشرينات القرن الماضي.

ولا يمكن لمترجم ان يعتمد على نص «كامل» ما دام مثل هذا النص غير موجود. فقد رويت قصص ألف ليلة وليلة شفهيا وفي ما بعد كتبت ونسخت وعدلت وفقا لذوق الرواة وجمهورهم الى ان تحولت الى نسخ شاملة. وكانت الترجمة الأولى الى لغة أوروبية، هي الفرنسية، قد جرت على يد انطوان غالان وقد نشرت منذ عام 1704. واعتمدت هذه الترجمة على مخطوطة سميت لاحقا باسمه، وكانت متوافقة مع ذوق الصالونات الفرنسية في ذلك الوقت. وتقدمت أوت في طريق مماثل، وكان نصها «مخطوطة غالان» التي حررها مهدي. واستخدمت تعابير عامية ربما اعتبرها المترجمون السابقون غير مناسبة. ولكن اوت تجادل بأن لغة النص العربي تتطلب استخداما غير مقيد لتعابير الشخص العادي. ان تحويلها القصص الى لغة ألمانية مناسبة يؤكد الأجواء الحسية للكثير من القصص. وقد اثنى الشاعر والكاتب المسرحي والروائي هوغو فون هوفمانزثال الذي اعد عناصر وموتيفات سردية من «ألف ليلة وليلة» في أعماله الخاصة، في مقدمته لترجمة ليتمان على «التمازج بين النزعتين الروحية والحسية» للقصص. وأكدت البروفيسورة كاترينا مومسون الخبيرة البارزة في التأثيرات الشرقية على الأدب الألماني على المستوى الثقافي الرفيع للمجتمع الذي يجري تصويره في «ألف ليلة وليلة»، حيث تطلق النساء في حالات كثيرة «الكلام عظيم الشأن». وقالت ان الطريقة التي اشفت بها شهرزاد الملك القاسي من جنونه مناقضة للازدراء المقولب للنساء العربيات. غير أن «ألف ليلة وليلة» لا يمكن ان توصف باعتبارها «كتابا نسويا» وفقا لما تقوله أوت، وانما كتاب تلعب فيه النساء اللواتي تقودهن شهرزاد أدوارا رئيسية. وبالنسبة لها فان شهرزاد الذكية وراوية القصص الممتازة تسود بدلا من «الموضوع الجنسي».

وكانت الكاتبة السورية رنا قباني قد قدمت تقييمها الخاص لشهرزاد وأدانتها باعتبارها نموذجا للمرأة الشرقية التي تتوافق مع الأفكار المقولية للغرب. ولامت شهرزاد على وصف «حيل النساء البارعة» للملك في قصة تلو اخرى. وقالت قباني انها «نجت بادانتها جنسها كامرأة.

ووقفت مع الملك على الضد من جنسها، وبالتالي حافظت على حياتها». وكانت شهرزاد مثالا على جميع الادوار العائلية باعتبارها «ابنة تؤدي واجبها وشقيقة تراعي مشاعر الآخرين وزوجة محبة وأما حنونا»، ولم تكن معرفتها الا لخدم ابهاج الرجل. ووفقا لقباني لم تكن لشهرزاد «اية تجربة حقيقية من أي نوع»، فمعرفتها بالعالم مأخوذة من الكتب». ولم يكن لها وجود مستقل، ذلك أنها تنتقل من بيت ابيها الى غرفة نوم الملك حيث تبقى مقيدة بروايتها القصص لألف ليلة وليلة. وتقول قباني عن شهرزاد انه «يبدو ان سلطتها سطحية بالنسبة لها وجاذبيتها ضعيفة، ذلك ان كلمة واحدة من الملك يمكن ان تهزم كل قصصها وتنهي حياتها». وترى قباني مثل هذا التجسيد للنساء متوافقا مع التحامل الفكتوري العام. وتقول: «كل النساء تابعات للرجال. والنساء الشرقيات تابعات بصورة مضاعفة، فهن نساء وشرقيات».

وقبل فترة قصيرة من سقوط صدام قارنت فريال غزول، الأستاذة العراقية للأدب في الجامعة الأميركية بالقاهرة، بين مملكة شهريار ونظام استبدادي معاصر مجهول الاسم. واذ وصفت اهمية شهرزاد في هذه «اللحظة الحاسمة» تحدثت عن «عجزنا وشللنا أمام الطغيان الذي يسحقنا والذي يهدد بمزيد من العنف والحروب». وبالنسبة لها لم يكن ذلك اساسا مختلفا تماما عن وضع النساء في مملكة شهريار انهاء عذريتهن وقتلهن. ولكن شهرزاد «تفلح على العكس من ذلك لا في البقاء على قيد الحياة حسب وانما انقذت عبر نجاتها حياة قريناتها النساء الأخريات».

وحسب تفسير غزول فان قصة شهرزاد تدور حول امكانية التغيير والضوء في نهاية النفق والأمل في عالم يائس. والطريقة التي تقوم بها شهرزاد للتغلب على مصائب العالم، هي أنها تقدم عبر الابداع والذكاء والستراتيجية والصبر، النجاة والحرية لنفسها ولبنات جنسها. وترى غزول ان شهرزاد تعلمنا أن الطريق الى النجاة مليء بالألغام بحيث انه يتعين علينا ان نكون حذرين ومبدعين في تجنب ملل واعياء المحيطين بنا، وتعلمنا ان الطريق طويل، ونحن بحاجة الى امتلاك ما نسميه «النفس الطويل» أي القدرة على التحمل والمقاومة. وتقرأ غزول قصة شهرزاد باعتبارها قصة رمزية سياسية، وليس وصفة للتغلب على العجز. وتستنتج ان «كيفية ترجمة هذا النموذج الى الواقع في المرحلة الحالية متروك لابداع شقيقات شهرزاد في عصرنا».

* كاتب ألماني مقيم

في بريطانيا