متحف إسرائيلي يضم نفائس الفنون الإسلامية

زوار يتعلمون صناعة العمائم والأسلحة وعليهم تقص الحكايات

TT

يقر القيمون على «متحف الفن الإسلامي» في القدس الغربية، بعراقة الحضارة الإسلامية، التي ألقت بظلالها طوال أكثر من ألف عام، على ملايين البشر. وتقديراً لهذه الحضارة وتخليدا لذكرى البروفيسور ليئون أرييه ماير، وهو عالم يهودي مهم في الآثار الإسلامية، أقيم المتحف عام 1974، ومولت ولادته امرأة ثرية اسمها فيرا برايس سلومونس، آمنت بجهود ماير وأرادت «إثارة اهتمام الجمهور بالتراث الحضاري والمنجزات الفنية للشعوب الإسلامية» كما تشير الكتيبات التعريفية.

يضم المتحف عدة قاعات، من بينها ما هو مخصص للعصر الساساني (القرن 3 ـ 6 م)، حيث كان الفن الإسلامي ما يزال في بدايته، بالإضافة إلى تأثره بالفن البيزنطي. وتتضمن القاعة قطعاً من العصر الأموي (661 ـ 750 م). ويوصف فن هذا العصر بأنه «كان في مرحلة البحث عن هوية خاصة تميزه عن الفنون القديمة». ومن المعروضات الأموية مبخره برونزية، من مصر، تعود للقرن الثامن، وألواح صغيرة، من العاج.

وفي العصر العباسي (750 ـ 1258 م) تبلور الأسلوب الفني، عندما تطورت صناعة الخزف في القرنين (9 ـ 10 م) في نيسابور شرقي إيران وسمرقند وسط آسيا، واعتبر ما حدث في هذه الفترة، مصدرا ملهما للفنانين المسلمين في العصور اللاحقة.

ومن المعروضات العباسية سلطانية من العراق مزججة بالقصدير الأبيض غير الشفاف مع زخارف عشبية وكتابة بالخط الكوفي، وصفحة من القرآن الكريم، تعود للقرن التاسع الميلادي.

وخلال العصر العباسي استقلت الأسرة السامانية وحكمت إيران (874 ـ 999 م)، وبرع السامانيون في الخزف، وابتكروا تقنية عرفت باسم «التمويه» تعتمد على خلط الألوان بعجينة من الخزف والتراب، تغطى سطح القطعة قبل الشوي، وفي هذه الفترة ازدهرت أدوات لعبة الشطرنج، التي تعرض نماذج منها في المتحف، إضافة إلى قطع مميزة جدا تعود للعصر الفاطمي (969 ـ 1171 م)، ومن بينها طاسات وسلطانيات وأدوات معدنية تدل على روعة فن هذا العصر. ومن المعروضات تمثال له وجه خنزير وجسم غزال.

العصر الذهبي

* بلغ الفن الإسلامي ذروته في القرون (12 ـ 14 م) حيث حكمت العالم الإسلامي ثلاث سلالات: السلاجقة، والمماليك، والمغول.

امتد حكم السلاجقة إلى إيران، والعراق، والأناضول، وشمال سوريا، وخلال حكمهم بلغت الفنون في إيران ذروتها، وبرز ذلك في مجال العمران. ومن المعروضات تماثيل فخارية، وتمثال لعازفة على الطمبور، وقناع لوجه أمير سلجوقي، وأيضا يعرض ما يعتبره المتحف «كنزاً فريداً في نوعه، لأوعية فضية سلجوقية رائعة من القرنين 10 ـ 11. ويشمل هذا الكنز قناني عطر، ومباخر، وعلب الحلي وأدوات للشرب ولجاما للخيول، وقد عثر على هذه الأدوات داخل زير كبير في شمال إيران»، بالإضافة إلى نماذج من الفنون اشتهرت بها المدن الواقعة على الطرق التجارية مثل: قاشان، والري، وجورجان.

وتعرض في المتحف روائع تمثل الفنون المملوكية مثل مشكاة مزخرفة كتب عليها اسم السلطان المملوكي «المعز الأشرف العالي المولوي ـ سيف الدين اينال اليوسفي»، ومنمنمات من مخطوطة مصورة بعنوان «دعوة إلاطباء» وهي لابن بطلان، الطبيب واللاهوتي المسيحي، وتحكي قصة شاب انتحل شخصية طبيب ليعمل مع طبيب عجوز. وفي القاعة مجموعة مهمة من المنمنمات تعود إلى فترة حكم المغول (1258 ـ 1336م) في إيران، حيث بدأ يتطور فن رسم المنمنمات، في المخطوطات بغرض الإيضاح.

العثمانيون والآخرون

* ظهر العثمانيون في المشهد العالمي أواخر القرن 13 م، على أنقاض حكم السلاجقة. واشتهر الفنانون العثمانيون بالرسومات النباتية، والأدوات الخزفية المصنعة في مدينة أزنيق، التي كانت مركز صناعة الخزف ومقر المصانع السلطانية.

ومن المعروضات العثمانية في المتحف، فرمانات ملكية مثل الفرمان الموجه من السلطان عبد الحميد الأول، إلى قاضي القدس، ومكتوب بالخط الكوفي، حول السماح للقناصل الإسبان بجباية ضرائب ضمن اتفاقية وقعت بين الإمبراطورية العثمانية وأسبانيا. ولعل ابرز مظاهر الفن العثماني هو المعروف باسم (الطغراء)، وهو الختم الشخصي للسلطان، ولها أشكال متعددة.

وللفترة التيمورية (1369 ـ 1502 م)، نصيب في المتحف الإسرائيلي، وينسب هذا العصر لتيمورلنك، الذي اتخذ من سمرقند عاصمة لحكم سلالته. وتعرض منمنمات متعددة، كانت خلاصة العناصر الزخرفية من الشرق الأقصى في العهد المغولي، المشغولة بالأساليب التيمورية مما أضفى عليها طابعا خاصا، ومن بينها منمنمات من «كتاب الملوك» الفردوسي، ومن «الشاه نامه»، بالإضافة إلى معروضات أخرى متنوعة.

ويحفل المتحف بفنون الفترة الصفوية (1502 ـ 1736 م) في إيران، وأجزاء من العراق، وبرز الفنانون في هذه الفترة بصناعة السجاد والزخارف والمنمنمات، التي عبرت عن حضارة الشعب الإيراني حينها، ومن خلالها يمكن التعرف على أساليب اللهو والترفيه في البلاط الملكي، وكذلك الثياب وقطع الأثاث البيتية لهذا العصر.

ولا يخلو المتحف من نماذج لفنون العصر المغولي في الهند (1526 ـ 1858 م)، التي امتازت بالدمج بين التقاليد الهندوسية والتقاليد الإسلامية واشهر آثارها أعجوبة العالم تاج محل.

أسلحة وساعات

وسجاد وزجاج

* في المتحف مجموعة من الأدوات الزجاجية، معظمها أعد للاستعمال اليومي. وتلفت النظر مجموعة أدوات زجاجية من إيران تعود للقرنين 18 ـ 19 م. هذه الأدوات ذات أشكال تجريدية مثيرة وألوان جريئة فيها يكمن سر جمالها. ويحوي المتحف أيضا معروضات متخصصة موجودة في ثلاث قاعات هي:

> قاعة السلاح، ويعرض فيها ما يكاد يكون جميع أنواع الأسلحة التقليدية الإسلامية، ابتداء من القرن 13 م وحتى القرن 19 م.

> قاعة الساعات: فيها مجموعة نادرة جداً من الساعات الميكانيكية التي صنعت على مدى 4 قرون، منذ اختراع الساعات الأولى، بما فيها ساعات من بعض القصور الأوروبية، وساعات شخصية لبعض السلاطين.

> قاعة السجاد: تحوي مجموعة نادرة من السجاد من مختلف العصور والأقطار الإسلامية.

ورشات وحكايات

في المتحف قسم خاص لورشات العمل للطلاب يتعلمون فيها إنتاج قطع فنية مثل الموجودة في المتحف من مواد خام بسيطة. ومن الورشات الناشطة: ورشة الزخارف الإسلامية، ورشة العمائم والقبعات، ورشة الحلي، ورشة الأسلحة. وكذلك هناك ورشات: الشطرنج، الخط العربي، دمى مسرح الظل، الأواني، السجاد، الساعات، البلاط الإسلامي، العمارة، العلب المزخرفة، وفن التجليد. وهناك فعاليات أخرى تتعلق بسرد حكايات للطلاب الزائرين بأسلوب تمثيلي باستعمال الصوت والحركة والزي.

وتقدم محاضرات مبسطة تاريخية حول الإسلام ومذاهبه. وفي المتحف مكتبة أبحاث شاملة لمختلف الآثار الإسلامية، وتحوي أيضا مؤلفات في مواضيع متعلقة بالإسلام، كالدين، والأدب والجغرافية، وأبحاث حول الفنون الساسانية، والبيزنطية والقبطية. وإلى جانب المكتبة، يوجد أرشيف من الصور والشرائح، وكذلك مختبر للتصوير.